Shawqi Abota Arba'in Shekaru
شوقي: صداقة أربعين سنة
Nau'ikan
3
ومع هذا فلا يحزنن أخي شوقي انتقاد البيان ولا غيره؛ فليس في انتقاده ما يكفر باهر حسناته ويخفض من مقامه المنفرد في الشعر.
وليقل القائل ما شاء، فلن يزال أحمد شوقي بلبل مصر وصناجة العصر (شكيب). (3) أثر المقال في نفس اليازجي
فلما اطلع الشيخ إبراهيم اليازجي على هذا الرد قامت قيامته؛ لأنه كان بلغ به الأمر من الاعتقاد في نفسه معرفة اللغة إلى حد أنه كان لا يطيق لأحد من أبناء عصره عليه اعتراضا أيا كان، وكان لا يتردد في تجهيل أي عالم في اللغة حتى من المتقدمين الذين هم أئمة في هذا الأمر، وكثيرا ما كان يهزأ بهؤلاء الأئمة، وذكر له الشيخ سعيد الشرتوني كتابا لأحد الأدباء المتقدمين ولم يكن هذا المؤلف مشهورا، فقال له الشيخ إبراهيم: إن الكبار ما جاءت عنهم أخبار، فكيف هذا؟ وكان يلتف حول الشيخ ناشئة ومتأدبون يوافقونه على جميع آرائه ولا يجرءون على مجادلته في كثير ولا قليل، بل يتلقون كل ما يذهب إليه بالتسليم المطلق، فانتهى الأمر إلى أنه اعتقد في نفسه العصمة تقريبا. وعلى كل حال ظن أنه أعلم باللغة من أصحابها، وأسبق فيها من فرسانها، واعترض مرة على لفظة «ضوضاء» التي وردت في معلقة الحارث بن حلزة اليشكري، فقال إنها جاءت فيها مؤنثة، وإن حقها أن تكون مذكرة، أي إن أحد أصحاب المعلقات السبع أصبح يخطئ في اللغة، وإن الشيخ إبراهيم اليازجي من أبناء عصرنا يصحح له خطأه! وينسى أن النحو والصرف واللغة كل هذا مبني على كلام العرب وليس كلام العرب مبنيا عليه.
ولا ينكر أن اليازجي كان من علماء اللغة المعدودين ومن كبار الكتاب وأمتنهم تركيبا وأحسنهم نسق عبارة كما قلنا، ولكن كان بين ظنه في نفسه والحقيقة ما بين المشرق والمغرب؛ فإنه كان يخطئ في اللغة كما يخطئ غيره وإن كان خطؤه أقل من خطأ غيره، فلما رأى شابا مثلي في السابعة والعشرين من العمر وقتئذ يجرؤ على مراجعته في قوله وعلى إظهار خطئه تارة وتعنته أخرى؛ داخله من الامتعاض ما حاد به عن رشده، فنشر في مجلته «البيان» ردا شديد اللهجة فيه من بوادر الحدة وألفاظ الوقيعة ما لم يكن يليق بشيخ من أهل العلم مثله فضلا عن عدم مناسبة تلك المطاعن التي خاض فيها للبحث اللغوي المحض الذي كنا بسبيله؛ فقد خرج عن الموضوع وتعرض لأمور هي أشبه بالمهاترة منها بالمناظرة. وتكلم عنا بجمل نفث فيها كل ما كان يحك في صدره من مثل أننا «لم ندس عتبة التحقيق في علم من العلوم»، وأن قصارى أمرنا أن نعمد إلى مقالة إفرنجية ونترجم عنها فتأتي مقالتنا «عربية الحروف كردية الألفاظ»، وأنه هو يعلم أن علماء اللغة لا يقيمون لاعتراضاتنا هذه وزنا، وأنه هو ليس في شيء من الغالب والمغلوب، إلى غير ذلك من آثار العظمة والعنجهية. فلم يظن أحد أن الشيخ يستطار إلى هذا الحد من نقد كتب بأنزه ما يكون من الألفاظ وأحوط ما يكون من الأساليب لحفظ مقامه، وقد قسم رده إلى قسمين؛ أحدهما كان بتوقيعه، ومن جملة ما زعم فيه أننا سعينا لدى الحكومة العثمانية في بيروت بمنع مجلته عن دخول سورية خيفة انتشار ما فيها من الرد علينا، وقد يجوز أن يكون جاء اليازجي من بعض المفسدين خبر كهذا، ولكنه كان بهتا لا أصل له. ومن الرد ما جعله باسم أحد مريديه، واسمه بدران فيما أتذكر، وقد حاول أن يتستر وراء توقيع مريده هذا خجلا من أن يوقع هو على مطاعن شخصية ليس بينها وبين الموضوع الذي كنا فيه أدنى صلة.
وقد عاب الناس عمله هذا حتى أقربهم إليه وأغيرهم عليه، وحسبك أن بشارة باشا تقلا صاحب الأهرام ، وهو واليازجي من بلدة واحدة (كفر شيمه في لبنان) ومن طائفة واحدة هي الروم الكاثوليك، قد كتب إلي أوانئذ أن الناس أنكروا إنكارا شديدا على الشيخ إبراهيم خروجه عن الموضوع ونزوله إلى ميدان المهاترة ونشره مقالة من قلمه بإمضاء غيره.
وصادفت بعد ذلك أمين أفندي أفرام البستاني اللبناني؛ وهو من فحول الكتاب فعرض البحث عن هذه المناقشة بيننا وبين الشيخ إبراهيم، فقال لي: قد توفقت في الشيخ. فتعنت اليازجي في انتقاد شوقي لم يجن له أدنى فائدة، بل جنى عليه، وعجب الناس من أن تغرب عنه مسائل لا يجادل فيها أحد، وعجبوا أكثر من ذلك لبلوغ الحدة منه مبلغا خرج به عن الحدود. (4) رد للمؤلف على اليازجي
والآن أعود فأنقل جوابي لليازجي على رده هذا:
كل ينفق مما عنده
قد ترددنا في جواب «البيان» على ما أتى به في جزئه الأخير مما لا خلاف في كونه ليس بجواب على خطابنا، وكنا نحب الإمساك عن كل كلمة في الرد عليه تاركين الحكم في هذه القضية لأرباب العلم وأهل الذوق السليم؛ ليفتحوا بيننا وبينه بالحق معتقدين أن الحق ليس بضائع عندهم، ولكننا رأينا السكوت مطلقا عن جميع ما أورده قد يوهم بعض من لا تحقيق عنده أن قوله كان الفصل وأن الرجل قد ألزم وأفحم وأنه إنما يغرف من يم.
Shafi da ba'a sani ba