Shawqi Abota Arba'in Shekaru
شوقي: صداقة أربعين سنة
Nau'ikan
المخلص
شوقي
شوقي في سورية
وجاء شوقي مرة إلى سورية لا أتذكر أية سنة، فوصل إلى عالية وكنت مصطافا في صوفر فبعثوا إلي يقولون: إن شوقي في عالية وإنه يريد مشاهدتك، وصادف أني كنت ذلك اليوم ملتاثا فبعثت إليه بأن ينتظرني وأني أكون في الغد عنده. وثاني يوم بكرت إليه وذكرت له سبب تأخري، فقال لي على سبيل المداعبة: رجوت أن تكون كاذبا ولا تكون مريضا. فقلت له: المرض أحب إلي من الكذب، ثم دعوته إلى صوفر فمكث عندي يومين لا غير، وكان العهد قد طال علي بلقائه، وكان اشتد بي الشوق إليه فوجدت عليه في قصر مدة إقامته عندي، ولكنه كان أشبه بالطير يريد أن يبقى حرا طليقا، وكان شوقي قبل ذلك في الآستانة فحصلت معارفة بينه وبين المرحوم عمي الأمير مصطفى أرسلان رئيس العائلة الأرسلانية في وقته، وكان ذهب يصطاف في تلك العاصمة فأحب العم شوقي كثيرا، وكانا يتجالسان ساعات طوالا وكل منهما حريص على عشرة الآخر، وكلما طالت مدة اجتماعهما طابت لهما.
ولما كان شوقي في عالية سأله أحد أعيان لبنان قائلا: بلغنا أنك لقيت الأمير في الآستانة. فأجابه شوقي: ذا أمير؟ ذا ملك. قالها وهو ملآن إعجابا بالأمير مصطفى، فكان وداده لعمي إلى هذه الدرجة مما يزيدني تعلقا به. (1) زيارتي لمصر في أيام الحرب الطرابلسية
ولما هاجمت إيطاليا طرابلس الغرب سنة 1911 كاتبت الجهات في أعمال الرحلة إلى تلك البلاد نجدة لأهلها وفي تسريب الإمدادات المالية إليهم، وأبرقت إلى الآستانة ببرقيات في ذلك المعنى، جاءني عليها الجواب من محمود شوكت باشا ناظر الحربية ببرقية طافحة بالشكر على ما كنت أبديه من الهمة في أمر المدافعة عن الوطن، وكان لي يد في استجاشة المصريين لإمداد إخوانهم الطرابلسيين، سواء فيما كنت أكتبه من المقالات المؤثرة في جريدة المؤيد أو بما كنت أكتبه في رسائلي الخاصة إلى بعض أصحابي بمصر، وأخيرا كتبوا لي، ومن جملتهم الشيخ علي يوسف صاحب المؤيد، يقترحون علي قدومي إلى مصر لأجل العمل معا في إنجاد طرابلس. وصادف هذا الاقتراح هوى في فؤادي؛ إذ كنت أحدث نفسي من أول يوم هوجمت فيه طرابلس بأن أذهب إلى هناك عن طريق مصر. وخلاصة الأمر أني جئت إلى مصر في خبر ليس هنا موضع تفصيله، وإنما أتيت به لمناسبة اجتماعي هذه النوبة بشوقي وكيف كان ذلك. (2) استطراد
جئت إلى مصر فعين لي الجناب الخديوي ثالث يوم وصولي موعدا للملاقاة، وجلست في حضرته أكثر من ساعة نتذاكر في تلك الحوادث المهمة والخطوب المدلهمة، ولقيت من سموه كل حفاوة وانعطاف، وما مضت أيام حتى أدب الخديوي مأدبة لكامل باشا وفريد باشا الصدرين السابقين في الدولة، فدعاني إليها، وكان ممن دعي أيضا شفيق باشا المؤيد من أعيان الشام، وبصري بك من أعيان الأرناءوط والشيخ علي يوسف صاحب المؤيد.
وعاد الخديوي فاستدعاني مرة ثالثة، وأرادني على الإقامة بمصر وصرف النظر عن الذهاب إلى برقة. أرادني على ذلك بكل ريدة، فلم أقتنع وقلت له: إني ما جئت من لبنان إلا قاصدا الجهاد في طرابلس. فلما يئس من إقناعي بالبقاء في مصر وودعته لأجل السفر، أراد تكرما منه أن يساعدني مساعدة مالية فاعتذرت له بأنه لا يلزمني شيء من ذلك، وأنه موجود في جيبي ما يسد حاجتي في هذه الرحلة، فألح في قبول المساعدة إلحاحا شديدا لم أقدر على صرفه عنه إلا بقولي: إني إذا أنفقت ما لدي ومست بي الحاجة إلى شيء فلا أتأخر عن أن أستمد عاطفة سموكم. وكان هذا الحديث أمام أحمد بك العريس ومحمد بك عثمان. (3) في طريقي إلى بنغازي وعودتي
وودعت الجناب الخديوي وذهبت إلى الإسكندرية، ومنها ركبت السكة الحديدية إلى مريوط، ومن آخر محطة لها ركبنا الخيل أنا ومن معي من أتباعي الذين حضروا معي من جبل لبنان. وكانت جمعية الهلال الأحمر المصري قد عهدت إلي بقيادة قافلة ستمائة جمل موقرة أرزاقا للمجاهدين في برقة، وخصصت منها لي ولجماعتي الذين معي محمول ثلاثين جملا موقرة من كل شيء من مأكول وملبوس. فعندما وصلت إلى طبرق لقيت في ذلك الموقع أدهم باشا الحلبي، وتركت في طبرق جانبا من الأرزاق للمجاهدين، ولما وصلت إلى معسكر عين منصور المشرف على درنة؛ حيث كان القائد العام أنور بك، سلمت البعثات المصرية من الهلال الأحمر ما خصت به من نقود وأرزاق وحوائج، ولما وصلت إلى معسكر بنغازي الذي كان أميره عزيز بك علي المصري سلمت الباقي للبعثات المصرية التي هناك، وكان منها الدكتور حافظ عفيفي.
أما محمول الثلاثين جملا الذي خصصه الهلال الأحمر ولجنة الإعانة بي أتصرف به كيف شئت فقد وزعته على مشايخ الزوايا السنوسية مثل سيدي العلمي الغماري شيخ زاوية البراعصة، وسيدي محمد الغزالي شيخ زاوية ترت، وسيدي الدردفي شيخ زاوية شحات وغيرهم، وأهديت جميع ما بقي إلى أنور باشا ولم أستأثر لنفسي بشيء. وكذلك كانت لجنة الإعانة خصصت لي مائتي جنيه لنفقتي الخاصة فوزعتها إعانات وهدايا لأجل تطبيب خواطر المجاهدين، وبقيت أنفق على نفسي من صلب مالي الذي كان معي مذ برحت منزلي في جبل لبنان.
Shafi da ba'a sani ba