الخميس 19 شوال/3 أغسطس
الواجب كما هو
في الناس من يلبسون الهوى بالطاعة؛ يسارعون إلى الطاعة فيما يحبون، ويبطئون فيما يكرهون. يسايرون الأمة فيما يلائم منافعهم، ويمتثلون الأمر فيما يوافق مصالحهم، ويدعون أنهم يؤدون الواجب، ويقومون بالفرض. فإن امتحنوا بأمر يكرهونه وفيه صلاح الجماعة، عذروا وولوا، أو أطاعوا كارهين، وامتثلوا ساخطين.
وإنما أداء الواجب أن تؤديه في المنشط والمكره، وتصدع به فيما تحب وتبغض، وأن تتلقاه عزيمة لا رخصة فيها، وحزما لا تردد فيه، وجدا لا هوادة لديه، حتى لا يكون للرأي فيه تردد، ولا للهوى فيه خيار. هو الواجب تلقاه راضيا وتمضي به مقدما وتحتمله صابرا. وهو حلو عندك وإن أمر، ونافع وإن بك أضر. هكذا تمضي الجماعات والآحاد بواجباتها غير معذرة فيها حتى يكون أداء الواجب ديدنا لا مفر منه، وعزما لا محيص عنه، وحتى تقصد الأمة غايتها لا تقول: حزن وسهل، ولا يسير وشاق، ولا بعيد وقريب، ولكنه واجب وأداء، ودأب وظفر.
ذلكم قياس الصدق في الآحاد، وميزان الإخلاص في الجماعات. وذلكم يتجلى حين تمتحن الأمم الشدائد، وتبلوها المصائب. ولا يخالط الواجب منفعة، ولا يشوبه هوى، فالأمم الرشيدة يصفو في الشدائد جوهرها، ويصقل فرندها، ويبلى إخلاصها، فإذا هي قوامة بالواجب خالصا، لا رغبة ولا رهبة ولا يسر ولا مشقة. ومن الأمم والآحاد من تتحدث عن الواجب تلوح فيه المطامع، فإن طولبت بالواجب المر والفرض الحتم فيما تكره، تبين تلبيسها وبان كذبها.
الجمعة 20 شوال/4 أغسطس
الحب والبغض في الإنسان
في نفوس الناس الحب والبغض، الحب إلى غير حد، والبغض إلى غير نهاية. يعرف هذا الإنسان في نفسه، ويشهده في الناس حين يحسن المراقبة، ويجيد التأمل.
وفي الحب سعادة الناس وفي البغض شقاؤهم، إن العالم قائم على الحب، وفي التنافر بين أجزاء العالم الانهدام والانفجار والانشقاق، وما إلى هؤلاء من معاني الدمار والخراب والفناء.
وهذا في الإنسان أبين لو نفذت النظرات، وصحت البصائر. وسبيل الحكماء والهداة على هذه الأرض أن يوقظوا المحبة في الناس ويزيدوها، ويتموها ويفيضوها على كل شيء، وأن يطبوا للبغضاء فيقلوها إن استطاعوا.
Shafi da ba'a sani ba