ثم العقل يستقري أشياء من المادة التي تحيط به في هذا العالم، فهو محدود فيها مشغول بها، يستوي في بحثه الإنسان والبهائم والنبات والخير والشر والحسن والقبح، صور من الخارج تنطبع فيه. فما هذا الذي يسلط الإنسان على العالم إحاطة وتسخيرا وتذليلا، وينزع به إلى الخلود والإباء على القيود والحدود، والطموح إلى المعاني الأبدية؟
على أن الصوفية يقدرون العقل ويقومونه حين يصاحب العشق، فيأخذ من نوره ويسير في هديه.
وهذا موضوع يضيق عنه المقام هنا؟ وفي كتابي عن «فريد الدين العطار»، وفي «پيام مشرق» و«ضرب كليم» ديواني الشاعر محمد إقبال، اللذين ترجمتهما إلى العربية، نظرات شتى في هذا الصدد.
الجمعة 29 رمضان/14 يوليو
رمضان الآتي انتهى
اليوم آخر رمضان، ورمضان علم في الأشهر، يعرف المسلمون كم بقي له، وكم مضى بعده. وإذا كانوا فيه يعرفون كم مضى منه وكم بقي، وفي كل يوم منه يذكرون كم ساعة مضت وكم ساعة بقيت؛ لهذا يعرف به المسلم مضي الزمان ودورانه وإسراعه. فهو يودع رمضان ثم يستقبله فيذكر أن حولا مضى، وإذا ذكر رمضان الذي يودعه ورمضان الذي يستقبله، وقدر فرق ما بينهما راعه كر الأيام عجلى، لا يستطيع لها وقفا ولا ريثا.
وأذكر أنني قلت لقريب لي في رمضان، وقد مضى معظمه: «رمضان انتهى»؛ أعني أن ما بقي منه لا يعتد به، وأعجب من سرعة الأيام، فقال: رمضان الآتي انتهي! فهالتني الكلمة وفكرت، فقلت: أجل، الزمن سائر مسرع، ورمضان الآتي قريب، وكل آت سيمضي. فما هي إلا شواغل العيش تتداول الإنسان فإذا رمضان الآتي أقبل وإذا رمضان الآتي انتهى.
ولقيني قريبي هذا بعد في رمضانات عدة، فقال: رمضان الآتي انتهى! فقلت: قد صدق قولك في رمضانات مضت، فما أحراه أن يصدق في رمضانات مقبلة، والأمر لله من قبل ومن بعد.
إن الزمان مسرع بنا مجد، فكيف نثبته بل كيف نخفف من سيره؟ لا حيلة إلا أن نثقله بالعمل الثابت والفكرة الراجحة، فإذا أوقرته بالقول الثابت والعمل الخالد لم يستطع أن يسرع بهما بل يتريث بهذا العبء، أو يعترض جريته هذا الثقل اعتراض الصخرة الكبيرة مجرى النهر.
ليثبت الإنسان نفسه وليكبر على أن يجرفه التيار كما يجرف الغثاء والأعواد الصماء.
Shafi da ba'a sani ba