145

فما المجد إلا السيف والفتكة البكر

وتضريب أعناق الملوك وأن ترى

لك الهبوات السود والعسكر المجر

وتركك في الدنيا دويا كأنما

تداول سمع المجد أنمله العشر

وكثير من الناس تمنوا الهبوات والعسكر والدوي، وكثير نالوها وملئوا التاريخ دويا وغبارا.

ومن الناس من لا يطمح إلى الملك والقهر، ولكنه يبغي الضوضاء في جهات أخرى؛ يملأ الأسماع كلاما، ويثير حول نفسه غبارا ودخانا ليذيع ذكره ويبعد صيته ويقود الجماهير، ويغلب نظراءه بالحق والباطل.

لا يهدأ إن هدأت الأصوات حوله، ولا يقر إذا قر الغبار دونه. فإن كان من الساسة فالأمة والوطن، ومجد بلاده وسؤددها هجيراه، والكثرة والغلبة والثقة دعواه. وإن كان من الكتاب فالدعوى المدوية، والنشر في الصحف، وصياح أتباعه، وضوضاء المفتونين به ليلا ونهارا وسرا وجهارا، ولا يبالي أن يتزيد فيما له، ويبخس الناس أشياءهم. وكم نفق في هذه السوق زيف، وبار فيها جود، وانتصر المتخلفون وغلب المبرزون، وفرح الجهلاء ، وماتت بحسرتها الحكماء. وهذا كله ضوضاء تصمت، وغبار ينحط، فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

إنما المجد كل المجد، والفخر كل الفخر علم نافع يسيل زلالا لا يسمع هدره، وعمل صالح ينبت في الأرض خيرا وبركة لا يحس له ضوضاء، وخلق كالطود الأشم في معترك الحياة، والماء النمير في أرجائها، والنور الهادي في ظلماتها.

الخميس 7 محرم/19 أكتوبر

Shafi da ba'a sani ba