وتحدثت بالسفر على باخرة فسئلت مرات: لم لا تسافر على طائرة؟ وسئلت: كم يوما تمضيها بين الإسكندرية وكراچي؟ فقلت: زهاء عشرة أيام، فتعجب السائل مستكثرا قائلا: عشرة أيام! قلت: أجل؛ عشرة أيام، والبحر رهو في هذا الفصل، والسفر فيه ممتع وناهيك بالسفن في عصرنا راحة ومتاعا ورفاهية. إن من أماني رجل مثلي أن يخلو بنفسه عشرة أيام في سفر كهذا.
وفكرت في السفر في العصور الغابرة، كيف كان ركوب السفينة في بحر القلزم وبحر العرب إلى الهند، كم يمضي المسافر في هذه السفرة وكم يلقى من الريح والموج، وكم ينصب ويعنت في طعامه ونومه وجلوسه، وكم تلقى السفينة من الريح المخالفة فترسي حتى تواتيها ريح تسيرها؟! شتان بين سفرنا وسفر أسلافنا في البحر، وإن ذكرنا سفر البر فقسنا الإبل بالقطار والسيارة فأي مجال للفكر وأي عجب للمفكر في هذا القياس! إن الطائرة تطير من القاهرة إلى البصرة في ثلاث ساعات ونصف، ومن البصرة إلى كراچي أربع ونصف، فقد زويت للإنسان أرجاء الأرض وأمن الضلال والعناء ووفر له وقته، وصار السفر متاعا بعد أن كان قطعة من العذاب. ولكن كم فات الإنسان من رياضة النفس والجسم والتجاريب والمعرفة بهذا السفر القصير المرفه!
الأحد 3 محرم/15 أكتوبر
خطب الرسول
فرضت صلاة الجمعة في السنة الثانية من الهجرة، وكان الرسول صلوات الله عليه وسلامه، يخطب في كل جمعة خطبتين بينهما جلسة قصيرة، إلا في الأسفار.
وقد عاش الرسول إلى السنة الحادية عشرة، فقد خطب للجمعة أكثر من ثماني حجج، وفي كل سنة خمسون أسبوعا، وأحسب أسفاره في هذه الحقبة لا تبلغ سنة، فخطبه في الجمعة لا تقل عن ثلاثمائة وخمسين خطبة، قالها على مشهد من المسلمين وهم حريصون على الاستماع إليه، كلفون بحفظ قوله والتحدث به، فأين خطب رسول الله؟
إن المروي منها على أنه خطب، قليل يروى في كتب الحديث والسيرة والتاريخ والأدب. ولا نشك في أن كثيرا مما قيل في هذه الخطب روي أحاديث قصيرة متفرقة؛ إذ كان القوم لا يكتبون الخطب فيفوتهم حفظها كاملة فيعون منها جملا. ولا نشك أيضا أن كثيرا منها نسيه السامعون وفات رواة الحديث.
هذا موضوع قيم طريف، يجدر أن يتناوله الباحثون في سيرة خاتم النبيين فيستقصوا ما أثر من خطبه ويحصوه ثم ينظروا كم مقداره وما قياسه إلى الخطب كلها كاملة كما يقدرها الباحث. ثم يتخذ هذا معيارا في الحديث كله ؛ الخطب وغير الخطب، ليعلم ماذا ضبط من أقوال الرسول بالقياس إلى ما لم يضبط.
ولعل لهذا البحث نتائج أكثر خطرا مما أقدر وأنا أكتب هذه السطور.
الإثنين 4 محرم/16 أكتوبر
Shafi da ba'a sani ba