140

قيل قديما: قيمة كل امرئ ما يحسنه، واليوم قيمة كل امرئ ما يقبضه.

إن المال غاد ورائح ومكسوب ومبذول، ورب تاجر أو صانع يربح في شهر مالا يناله موظف في سنة بل سنوات. وليس مال الوظيفة إلا بلاغا يفرغ الإنسان به للعمل، وقيمته عمله، قيمته الإحسان في عمله، وتأدية الواجب على خير الوجوه.

إن الإنسان أعظم من أن يقوم بالمال، وإنما يقوم الناس بالأعمال.

الخميس 30 ذي الحجة/12 أكتوبر

مكتب مهيأ

لي مكتب في خزانة كتبي أحرص على أن تنظم الأوراق عليه وترتب، ويضيق صدري إن تكدست عليه أوراق أو كتب أو وضعت على غير نظام، ولا أنتفع به حتى يكون كما أشاء. وأعود إلى داري خلال أسفاري المتوالية، فأقول: إن الوقت لا يتسع للعمل على المكتب، ولا أفرغ لتهيئته، وأخدع نفسي بأن إقامتي قصيرة وقد جئت من سفر ناويا سفرا آخر، فما الحاجة إلى المكتب، وما جدوى إعداده؟

وتعرض الأعمال، وقلما يخلو مثلي من كتابة وقراءة - كذلك نشأنا، وكذلك أمضينا ما مضى من العمر - فأقعد في موضع آخر فأكتب أو أقرأ. ولكني لا أتذكر الكتابة كثيرا، فإن تذكرتها لم أنشط لها نشاطي المعهود، وإن نشطت لم أستطع المضي فيها طويلا.

وبدا لي أمس أن أهيئ المكتب وأرتب عليه الأوراق التي أعمل فيها ففعلت، فأصبحت اليوم مشروح الصدر للعمل، مشوقا إلى المكتب، أسرع إليه لأكتب ما عن لي، أو للتفكير فيما عسى أن أكتب.

قلت لنفسي: قد اختلفت حالك واختلف عملك بإهمال المكتب وتهيئته، ورب أمر كبير جلي من أمر صغير خفي، وربما أنجح منجح وأخفق مخفق بمثل هذه الأمور التي نحقرها. إنها مداخل الخلل في الأعمال، والزلل في الأفكار. رب شاعر أو كاتب أو عالم أعانه على قصده حتى نبغ، دار هادئة وغرفة يسكن إليها وبيئة يستريح فيها. ورب نابغ ركد نبوغه في نفسه، مما فقد الدار المريحة والمجلس الخالي ، والحجرة المرغبة في العمل. دع البيئات الكبرى التي ينشأ فيها الناس من بلده وجماعته ومدرسته وحكومته، فالأمر في هؤلاء جد جلي.

الجمعة 1 محرم/13 أكتوبر

Shafi da ba'a sani ba