124

ففي الأمور الروحية نرى العقل يتحدث عن الله تعالى أو الخير أو الشر أو الفضيلة والرزيلة أو الحسن والقبيح فيقيس ويزن ويرتب مقدماته ويستخرج نتائجه كما يتصرف في الجزئيات المحسوسات.

والعشق يقدم فيدرك فيطمئن فيوقن، لا يذرع المكان ولا يقيس الزمان.

ثم نضرب هذه الأمثال: العقل يرى في الموت دفاعا عن الوطن أو الأمة ضربا من التناقض؛ لأن الإنسان يدافع عن أرض أو أمة لأنه منها، فإذا مات لم تكن الأرض وطنه، ولا الأمة أمته، فقد خسر في دفاعه ما يدافع عنه، وكان كمن يدافع عن نفسه بقتلها. هذا حكم العقل، فما هذا السر الذي يقحم الإنسان على الموت غير هياب دفعا عن وطنه أو أمته؟!

ومثلا آخر: أن العقل يرى أن ينال الإنسان قوته ليحفظ حياته، فإذا اشتد به الجوع فسأل الناس فقد فعل ما وجب. فما هذا الذي يدفع الإنسان الأبي إلى احتمال الجوع والضر في نفسه وبدنه واجتناب ما فيه مذلة أو مهانة من سؤال وتملق؟!

ومثلا آخر: ما الذي يدعو الإنسان إلى طلب العلم وتعرف ما خفي عليه وإسقام بدنه في البحث والاستقراء وليس عيشه مقتضيا هذا الطلب، ولا صحته تلائمه ولا راحته فيه.

إنها الجذوة الإلهية التي أودعها الله الإنسان والتي يسميها الصوفية العشق، والله أعلم.

الثلاثاء 7 ذي الحجة/19 سبتمبر

الناس والتقليد

في الناس أئمة يفكرون ويجتهدون ويعملون بما يعقلون، ويدعون إليه وإن خالف ما يعرف الناس ويألفون، وبدا منكرا في العقول والأسماع والعيون، يخترعون ويبتكرون، لا يعبدهم الواقع، ولا يقيدهم العرف، ولا يحدهم زمان ولا مكان، وقليل هؤلاء. هم آحاد في الأجيال والأقطار، وأفراد تجود بهم في الندرة الأعصار.

وفي الناس ناقدون يختارون رأيا على رأي، وفعلا على فعل، لا يخترعون في أصول العقائد والمذاهب وقواعد العلوم والآداب، ولكن يستنبطون من أصول معروفة فروعا مجهولة. وهؤلاء على قلتهم كثيرون بالقياس إلى الأولين، وتلقاهم في كل عصر وفي كل إقليم.

Shafi da ba'a sani ba