أول وآخر أين كهنه كتاب افتادست «لا ندري ما أول الدنيا ومنتهاها، قد سقط أول هذا الكتاب العتيق وآخره.»
ومعنى هذا أنا نقلب صفحات الأيام، أو تقلب الأيام لنا صفحاتها، ولا ندري الفصول الأولى التي سبقت هذه الصفحات ولا نعلم ما الفصول التي تزاد بعدنا في هذا الكتاب. جال فكري في هذا المعنى الرائع طويلا، ثم قلت: وما يضرنا ألا نعلم ما أول الكتاب وما آخره؟! إن علينا أن نحسن الكتابة في صفحات الزمان، ونحسن قراءة هذه الصفحات؛ نحسن كتابة ما نكتبه نحن، ونحسن قراءة ما تكتبه حادثات الدهر أو يكتبه غيرنا من الماضين والمعاصرين ، فإن أحسنا فما ينقص من إحساننا أنا لم نقرأ الفصول الأولى ولن نقرأ الفصول الأخيرة. إن علينا أن نحسن ابتكارا وإنشاء، فإن لم نقدر فلنحسن النسخ ولنجد الخط فإن هذا ضرب من الإحسان كذلك، ومن المشاركة في هذا الكتاب.
علينا أن نحسن القراءة، ونفقه ما نقرأ، وننتفع بما نفقه، وليس علينا بعد أن يفوتنا علم ما مضى وألا ندرك ما بقي.
من قصر في الكتابة والقراءة وقعد عن الإحسان فلبث يرثي لنفسه وللناس؛ لأن هذا الكتاب القديم سقط أوله وآخره، فلا يلومن إلا نفسه حين يتبين أن هذا الكتاب قد ضاع كله؛ أوله وآخره ووسطه، حجب الزمان عنه الطرفين، وحجب هو عن نفسه الوسط.
اقرأ ما أمامك واكتب، ودع لله علم الأمس والغد.
الأربعاء 9 ذي القعدة/23 أغسطس
سفسطة
من السفسطة التي كنا نعجب منها ونتندر بها ونتفكه في شبابنا، هذه القصة:
حكي أن سفسطائيا يونانيا - ولا أذكر اسمه اليوم - كان يعلم القانون فجاء إليه شاب يعلمه، واتفقا على أن يؤدي المتعلم أجر التعليم إلى أستاذه حينما يتخرج على يديه، فيعمل في المحاكم ويظفر بأول دعوى.
وبقي الشاب يتلقى عن أستاذه حتى أوفى على الغاية، فأجازه الأستاذ وانصرف ليعمل في المحاكم محاميا.
Shafi da ba'a sani ba