ولا يستطيع القارئ أن يفهم المقصود من "المشكل" عند المؤلف، لأنه لم يبينه في الكتاب، وليس في المنهج الذي سارعليه ما يفسره.
واذا جاز أن اوضح معناه هنا، بعدما أبهم تعريفه، فاني أرى أنه النص الوارد على خلاف الاستعمال المطرد للاسلوب العربى، وجاء على وفق ما منعه النحاة أو حكموا على مثله بالضرورة أو الشذوذ، أو لم ينبهوا على وروده في الكلام.
وهذا المفهوم لا ينطبق على كل الأحاديث التي تصدى المؤلف لتوجيه إعرابها، وتصويب إشكالها، لأن كثيرًا منها ورد على وفق الاستعمال الصحيح المطرد عند العرب، ولم يختلف النحاة في استقامة اسلوبها.
وبسبب اغفال تحديد مفهوم "المشكل" وجدت المؤلف يسلك طرائق في التعامل مع الأحاديث التي صدر بها البحوث:
فهو تارة يتصدى لتصحيح توجيهات اعرابية فيها خلاف بين النحاة، متخذًا من نص البخاري وسيلة الى ذلك، مثل مناقشة اعراب "يا" في قول ورقة بن نوفل (يا ليتني)، أهي للنداء أم للتنبيه، وذلك في البحث الأول. والمعروف أن "يا ليتني" اسلوب عربى لا إشكال فيه، والخلاف بين النحاة فيه شكلي ليس غير.
وينسى أحيانا أن عمله هو الاحتجاج لما يورده مشكلًا من الحديث، فيعد الحديث الذي يثبته ابتداءً شاهدًا نحويًا، يجيز به ما يشبهه من أساليب، من غير أن يعضد ذلك الحديث بالشواهد الاخرى على حسب المنهج الذي يدل عليه عنوان الكتاب. ومن ذلك اتخاذ الحديث (ما إحبّ أنه يحوّل الى ذهبًا) شاهدًا على استعمال "حوّل" بمعنى "صيّر" (١٣).
وقد يتخذ من الأحاديث منطلقا الى بحث نحوي لم يجده تامًا في كتاب قبله، فيفصل الكلام عليه، ويناقش النحاة فيه، ويلوح هذا في البحث الرابع، وهو موضوع اتصال الضمائر وانفصالها، وليس فى أحاديثه التي عدها مشكلة ما يخالف الاستعمال الفصيح.
ويتصدى أحيانا اخرى لتفسير ألفاظ من الناحية اللغوية حسب، من غير أن يقدم الشواهد عليها، كما فعل في تفسير لفظ "أضيبع" في البحث السادس والخمسين، والفعل "صُرف" في البحث الخامس والستين.
وربما يتعرض لبيان الأوجه الاعرابية الجائزة في لفظ من ألفاظ الحديث بينما
_________
(١٣) شواهد التوضيح، البحث رقم (١٩). وينظر أيضًا بعض مسائل البحثين (٦٧) و(٦٩).
1 / 15