أما هي فلما أيقنت بوقوع التنافر بين هانئ وبسطام، عادت إلى التفكير في وسيلة للإيقاع بين هانئ وعبد الرحمن، ليتم لها إفساد أمر ذلك الجيش الكبير لعلمها أن فوزه إنما يقوم على اتحاد هذين الأميرين، وكانت قد علمت أن عبد الرحمن إنما أرسل مريم إلى الخباء لتكون في مأمن من سواه، وعلمت أن «حب» هانئ لمريم يسوء عبد الرحمن، فعزمت على إشعال نيران الغيرة بينهما، فسارت توا إلى غرفة مريم فلم تجدها وبحثت عن القهرمانة فقيل لها إنها في غرفتها، فتحقق ظنها فعادت إلى غرفتها مسرعة وقد خطرت لها حيلة ظنت أنها تنال بها مأربها، فنادت غلاما من غلمان الخباء كان في الأصل من غلمان المنيذر الإفريقي، وأخذ في جملة من أخذ من الأسرى، وأصله من الإفرنج الذين أتوا مع لمباجة بنت أود يوم زواجها بالمنيذر، ولما أخذت ميمونة ظل هو في جملة الخدم، وقد استبقته هي لخدمتها والاستعانة به عند الحاجة، فلما جاء الغلام قالت له: «أسرع يا داود إلى الأمير عبد الرحمن، هل لك أجنحة لتطير بها إليه؟»
قال: «نعم يا مولاتي.»
قالت: «طر إليه على عجل، وقل له إن ميمونة تقرئك السلام وتقول لك بادر إليها الآن لأمر هام تريد أن تطلعك عليه في هذه الساعة.»
فقال: «حبا وكرامة.» وتحول وسار وهو يثب كالغزال النافر متجها نحو المعسكر، وجلست ميمونة في مكان ترى منه كل من يخرج من الخباء.
الفصل التاسع عشر
لقاء الحبيبين
أما هانئ فإنه جاء إلى الخباء مبكرا - كما رأيت - لشدة شوقه إلى لقاء مريم، ولا نظنه قد نام كثيرا في تلك الليلة، ولما وصل إلى غرفة القهرمانة استقبلته واستمهلته ريثما تنصرف سالمة، وسارت إلى سالمة حتى تهيأت للخروج فودعتها فأوصتها سالمة بابنتها خيرا وركبت وسار حسان في ركابها، فعادت القهرمانة وقد سرها ألا تكون ميمونة في الخباء لئلا تطلع على سر تلك المقابلة، فلما مضت سالمة صحبت مريم إلى غرفتها فمشت معها وهي تفكر في هانئ وبعده عنها، فلما دخلت الغرفة ورأته هناك بغتت وتصاعد الدم إلى وجنتيها، وغلب عليها الحياء فأرسلت خمارها على عينيها، وأطرقت وقد صبغ الحياء وجهها فأضفى عليها ذلك مزيدا من الجمال والجاذبية في عيني هانئ، أما هو فقد كان أثناء انتظاره في الغرفة على مثل الجمر، وقد خيل إليه أن الساعة التي مضت في أثناء انتظارها بضعة شهور، فلما سمع وسوسة الخلاخل والدمالج وراء جدران الغرفة علم أن القهرمانة قادمة، ثم ما لبث أن رآها تدخل ومريم في أثرها، فلما رأى اصطباغ وجه مريم بالحياء زاد هياما بها فنهض لاستقبالها، فسمع القهرمانة تقول وهي تتظاهر بأن وجوده كان هناك اتفاقا: «ما الذي جاء بك في هذا الصباح يا حضرة الأمير؟»
قال: «لقد جئت لأرى وجهك يا خالة.»
فضحكت القهرمانة وقالت: «لا أظن أن وجهي تعجبك تجعداته، وكأني قد علمت بقدومك فأتيت إليك بهذا الوجه، فهل تعرفه؟»
فابتسم هانئ وقد غلب عليه الغرام وقال: «لقد عرفته وكلفت به ولكن هل هو يعرفني؟ لست أدري.»
Shafi da ba'a sani ba