فنهضت وهي تقول: «لم أرها منذ غروب شمس الأمس وليس أحد أعلم برواحها وغدوها من مريم.» ثم خرجت وهي تتمايل وتتدحرج، وطال غيابها ثم عادت ومريم معها وهي تقول: «لم أجدها في أي مكان فهي بلا شك في غير هذه الأخبية.»
ولما دخلت مريم فاحت رائحة طيبها، وابتسم لها عبد الرحمن رغم غضبه من ميمونة وخوفه من فرارها بعد أن عرفت حقيقتها وكان في وجه مريم من المعاني والملامح ما لا يستطيع معها الناظر غير الإعجاب بها والانشراح لرؤيتها، فكيف بهانئ بعد أن ملكت فؤاده واستولت على عواطفه حتى أصبح يغار عليها من النسيم، فأصبح عند دخولها كله آذان وعيون يرقب ما يبدو منها أو من عبد الرحمن عند المقابلة، ولا مسوغ لتلك الغيرة غير الحب الشديد؛ لأن الحب يدعو إلى الغيرة حتى من أقرب الناس نسبا وأبعدهم شبهة، وهاك لسان حال المحب الغيور يخاطب حبيبته:
أغار عليك من نظري ومني
ومنك ومن خيالك والزمان
ولو أني وضعتك في عيوني
إلى يوم القيامة ما كفاني
أما عبد الرحمن فما لبث أن ابتسم لمريم وأمرها بالجلوس، ثم ابتدرها بالسؤال عن ميمونة فقالت: «لم أشاهدها منذ مساء الأمس، وقد قضيت كل ما مضى من هذا النهار وأنا أبحث عنها؛ لأنها رفيقتي ومعزيتي على غياب والدتي.»
فقال: «وهل عرفت سببا يدعو إلى خروجها؟»
قالت: «لم أعرف شيئا من هذا القبيل، ولكنني رأيت منها ما يدل على الاضطراب والقلق منذ أصيل الأمس، فلم أعبأ بذلك ولا سألتها عن سببه.»
قال: «هل رأيت أحدا جاءها بكتاب أو خطاب في صباح الأمس؟»
Shafi da ba'a sani ba