Sharkh Bukhnir akan Madhabin Darwin
شرح بخنر على مذهب دارون
Nau'ikan
فبقي علينا أن نعرف مصدر هذه الكريات الأولى؛ أي أصل الصورة العضوية الأولى التي يقول دارون: إن الخالق نفخ فيها نسمة الحياة، أتولدت ذاتيا طبيعيا أم خلقت وأودعت نواميس النمو؟ على أن الوقوف عند هذا الحد نقص في مذهب دارون؛ لأن خلق الصورة إذا صح مرة فلا مانع يمنع تكراره مرات متوالية على ممر الدهور.
فلم يبق إذن إلا مسألة التولد الذاتي، التي هي اليوم المحور الذي يدور عليه علم الأحياء. فإنه إذا أمكن لنا أن نبين أن ظهور الأحياء إنما هو نتيجة طبيعية لقوى طبيعية؛ ظهرنا بمذهب دارون على كل ما تضمنه العالم العضوي، ولم تخف علينا منه خافية؛ لأنه أمر مقرر اليوم أن الحيوانات والنباتات، حتى أكثرها تركيبا، مؤلفة جميعها من الصورة العضوية الأولى؛ أي الكرية فقط كما يعلم من تكوينها الجنيني.
وإذا تقرر ذلك استغنينا عن التولد الذاتي في الأحياء العليا به في الأحياء الدنيا؛ أي في الكرية الأولى أو فيما هو أبسط منها أيضا، ولا يصح غير ذلك. ولقد كانوا في السابق يطلقون التولد الذاتي على الأحياء الدنيئة حيوانات كانت أو نباتات، كالذباب والديدان وغيرها؛ لتعذر معرفة أصلها، ولكنهم عدلوا عن ذلك لما رأوا بواسطة الميكروسكوب أن الأحياء المذكورة أصلها من بيضات أو جراثيم صغيرة جدا، وقد اطلعوا به على سر الطرق التي تتكون بها هذه الجراثيم غالبا، وعرفوا به أيضا أدنى الأحياء المؤلفة من كرية واحدة فقط، والمسماة حيوانات نقيعية؛ وسميت هكذا لأنها ترى بالمكروسكوب جموعا تتنامى بسرعة عظيمة في المناقيع العضوية. وريثما اكتشفت هذه الحيوانات النقيعية حصل جدال شديد بين الطبيعيين على ذاتية ظهورها وعدم ذاتيته، ولم يفتر قليلا حتى أثاره بعض علماء الفرنسيس، وتطارحوه في جمعية العلوم بباريس. على أن البت في هذه القضية غير متيسر بالوسائل التي لنا؛ لأن الدليل الامتحاني اللازم حينئذ عرضة للخلل، وما دامت الأحوال المناسبة في الطبيعة لتولد الكريات الأولى تولدا ذاتيا غير معروفة كما ينبغي، فلا يمكن إيجاد هذه الأحوال بعد تجريد الهواء والماء وغيرهما من الجراثيم. على أن الكرية نفسها مع شدة بساطتها ذات بناء هو من التركيب، بحيث يمتنع معه صدورها من الجماد رأسا، بل ظهورها كذلك يعتبر في العلم معجزة أو هو كظهور إحدى الأحياء العليا من الجماد رأسا. وربما كانت الكرية منتهى نمو سابق، فلا يرجى منها الوقوف على أصل الحياة، بل يلزم أن يبحث فيما قبلها من الصور المكتشفة حديثا التي لم تبلغ درجة الكرية بعد، والتي هي نوع من الحويصلات الصغيرة الحية، أو هي مخاط يكاد يكون لا شكل له.
على أنه وإن كانت الامتحانات لا تؤيد حدوث التولد الذاتي اليوم، إلا أن ذلك لا يجعل حل المسألة ممتنعا فلسفيا. وربما كان عدم حدوثه اليوم لتغير فيما يقتضيه من الأحوال التي كانت له في أول تكون الأرض؛ فإن الأرض كما لا يخفى قد مرت بأدوار كثيرة مختلفة جدا، ربما كان بعضها أكثر مناسبة لحدوث التولد الذاتي من وقتنا الحاضر، وليس في هذا الافتراض شيء من الإغراب أو الامتناع، وربما استغنينا عنه أيضا؛ لأن استمرار التقدم في العلم لا بد أن يقوى على هذه العوائق.
وعندي أن التولد الذاتي لا يزال يحصل حتى اليوم، وكثير من الطبيعيين الذين تعلقوا على درس هذه المسألة منذ ظهور مذهب دارون يعتقد ذلك نظيري أيضا.
ومن جملتهم الدكتور جستاف جيجر - مدير بستان الحيوان في فينا - فإنه قد خص رسالته الثالثة من «رسائله في الحيوان» بمسألة ظهور الأحياء الأولى، وأوضح ذلك جليا مهتديا بمذهب دارون، قال - بعد أن ذكر في مقدمته وجود حزبين متضادين في هذه المسألة، وهما أصحاب ما فوق الطبيعة والطبيعيون - ما نصه:
إنه لما تجاول هذان الحزبان في المرة الأولى، وكانت معرفة الأشياء لا تزال ناقصة بما يقصر معه ذرع أذكى العلماء عقلا وأوسعهم علما ، ضاق على الطبيعيين مجال البرهان حتى أتوا على بينات ناقصة يسخر بها.
وأما اليوم فقد انقلبت الحال، إذ كثرت مستندات الطبيعيين البالنتولوجية، والجيولوجية، والجغرافية، والنباتية، والتشريحية، والفيزيولوجية، والأمبريولوجية، وأول ما ظهر كتاب دارون، وبدت لهم حقائق ما لم يكونوا يدركونه استأنفوا الجدال، فاستظهروا على خصومهم أصحاب ما فوق الطبيعة الذين كان النصر قد استتب لهم تحت قيادة كوفيه، وردوهم على أعقابهم وحصروهم ضمن استحكاماتهم التي تزعزعت أركانها بصدمات القياس والبرهان.
والحرب القائمة بينهم اليوم حرب عوان، سيكون لها شأن عظيم في تاريخ العلم، كشأن حرب الثلاثين سنة في الحياة الدينية! كيف لا وأعظم المسائل التي يسعى العلم لحلها هو بلا شبهة ما تعلق بالحياة العضوية، فلا شك أن يكون شأن هذه الحرب أعظم ما في تاريخ العلم. ا.ه.
وعند جيجر أن أول الأحياء كان في الماء وتركيبه من العناصر المركبة منها الأحياء الحاضرة؛ أي من الكربون والهيدروجين والأكسيجين والأزوت خاصة. ومن ثم أيضا من مركب الكربون والأكسيجين؛ أي الحامض الكربونيك الذي كان كثيرا في الهواء الأول. وكذلك من النشادر الكثير الأزوت بحيث يظهر أن الأحياء ظهرت أولا في سوايل من محلول كربونات النشادر.
Shafi da ba'a sani ba