Sharh Zad al-Mustaqni - Al-Shanqiti - Tafreegh

Muhammad Ibn Muhammad Al-Mukhtar Al-Shinqiti d. Unknown
71

Sharh Zad al-Mustaqni - Al-Shanqiti - Tafreegh

شرح زاد المستقنع - الشنقيطي - التفريغ

Nau'ikan

مسألة الشك في نجاسة الماء أو طهارته قال المصنف ﵀: [وإن شك في نجاسة ماءٍ أو غيره، أو طهارته بنى على اليقين]. بعد أن ذكر المصنف أقسام المياه سيذكر الآن مسائل تعمُّ بها البلوى، وهي مسائل الشبهة والشك في طهارة الشيء ونجاسته، ومن عادة أهل العلم رحمةُ الله عليهم أنهم يذكرون مسائل الشك في الطهارة والحدث في كتاب الطهارة، ويجعلون هذه المسائل قاعدةً عامة. والأصل في هذه المسائل: أن الشريعة كلفت المكلف بما يستيقنه أو يغلب على ظنه، أما ما شك فيه وتوهم فهذا لا يبنى عليه حكم. وكثيرًا ما يسأل الناس: عندي إناء فيه ماء طهور، ثم شككت، هل أصابته نجاسة صبي كان يلعب بجواره فهو نجس أو لم تصبه فهو طهور؟!! وهذه مسائل يحتاج إليها الناس كثيرًا وتعمُّ بها البلوى؛ فإن الإنسان قد يكون في غرفة فيها فراش، وعليها صبيان يلعبون أو يعبثون، ثم يشكُ في كون نجاسة أحدهم أصابت ذلك الفراش فلا يصح أن يصلي عليه، أم أن الفراش طاهر فيجوز له أن يصلي عليه؟! إذًا فالناس يحتاجون إلى معرفة أحكام الشك الذي يطرأ على الأشياء الطاهرة، فقال ﵀: (وإن شك في نجاسة ماء أو غيره أو طهارته بنى على اليقين). قال: (وإن شك في نجاسة ماء أو غيره) أي شيء حتى ولو كان طعامًا، فلو كان عندك كأسٌ من الماء وشككت هل هذا الكأس طاهر أم نجس؟ ترجع إلى اليقين، والأصل في الأشياء أنها طاهرة حتى يدل الدليل على نجاستها، فإذا كان عند الإنسان فراش، وكان الصبيان يلعبون على هذا الفراش وخرج عنهم، ثم جاء بعد يوم أو يومين وشك: هل بال أحدهم في ثوبه ثم جلس على هذا الفراش ونجسه؟ نقول: اليقين أن الفراش طاهر، والقاعدة تقول: اليقين لا يزال بالشك هذه قاعدة من قواعد الشريعة، وهي إحدى القواعد الخمس المتفق عليها: الأولى منها: (الأمور بمقاصدها). والثانية: (اليقين لا يُزال بالشك). والثالثة: (المشقة تجلب التيسير). والرابعة: (الضرر يزال). والخامسة: (العادة محكمة). وكل قاعدة منها يندرج تحتها من المسائل والفروع ما لا يحصى كثرة، وقد يندرج تحت القاعدة الواحدة ما لا يقل عن مائة مسألة من مسائل الفقه، فمنها مسألتنا التي معنا في قاعدة: (اليقين لا يزال بالشك). هذه القاعدة التي فرعنا عليها الحكم الذي معنا دليلها ما جاء من حديث عبد الله بن زيد أنه قال: (شُكي إلى النبي ﷺ الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا). أي: أن النبي ﷺ اشتكى إليه بعض الصحابة، أن الرجل يقوم في الصلاة، ثم يأتيه الشيطان ويقول له: خرج منك ريح، انتقض وضوءك، أنت لست على طهارة، فقال ﷺ: (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا). يعني: حتى يتيقن الحدث كما تيقن الطهارة، فدل هذا على أن اليقين لا يزال بالشك، ومنه قوله ﵊ في الحديث الصحيح عند الترمذي وغيره: (إذا صلى أحدُكم فلم يدرِ واحدةً صلى أو اثنتين، فليبن على واحدة، فإن لم يتيقن اثنتين صلى أو ثلاثًا فليبن على اثنتين، فإن لم يدرِ أثلاثًا صلى أو أربعًا فليبن على ثلاث، فإن لم يدرِ أأربعًا صلى أو خمسًا فليبن على أربع، ثم ليسجد سجدتين قبل أن يسلم) وجه الدلالة: أن النبي ﷺ اعتبر اليقين وألغى الشك. ولذلك العلماء أخذوا من الحديث قاعدة وقالوا: (اليقين لا يزال بالشك)، أي: الشيء الذي أنت على طمأنينة به ويقين به لا يزيله الشك كحديث النفس والوسوسة، فأنت في الفراش على يقين من أن فراش الغرفة طاهر، ولم تجد أثر البول على الفراش فتقول: (اليقين) وهو كون الفراش طاهرًا (لا يزال بالشك) وهو وسوسة النفس ببول الصبي عليه، وهذا أصل عظيم يتفرع عليه من المسائل ما لا يحصى كثرة، وسيمر علينا -إن شاء الله- في كتب العبادات والمعاملات. فهنا إذا شك في طهارة شيء ونجاسته بنى على اليقين، فلو أن الثوب كان معلقًا ثم تطاير بولٌ في مكان قريب من الثوب، وشككت هل الثوب أصابه البول أو لم يصبه، فاليقين أن الثوب طاهر، والشك أنه نجس، فتقول: (اليقين) وهو طهارة الثوب (لا يزال بالشك) وهذا من رحمة الله. فلو أن الناس فُتح عليهم باب الوسوسة ما استطاع أحدٌ أن يصلي، ولوجدوا في ذلك من الحرج والضيق والمشقة ما الله به عليم، حتى ولو كان الثوب فيه نجاسة حقيقة وأنت لم تدرِ فإن صلاتك تصح وتجزئك عند الله جل وعلا، وهذا من رحمة الله ﷿. فقال المصنف ﵀: (ومن شك في نجاسة ماء أو غيره أو طهارته بنى على اليقين) فإذا شككت في الماء من كونه طاهرًا أو نجسًا، أو شككت في الطعام من كونه طاهرًا أو نجسًا بنيت على اليقين من كونه طاهرًا، واستبحت أكله وشربه حتى تستيقن النجاسة.

5 / 5