Sharh Usul I'tiqad Ahl al-Sunnah by Al-Lalika'i - Hasan Abu Ashbal
شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي - حسن أبو الأشبال
Nau'ikan
النهي عن التبتل والاختصاء والغلو في الدين
قال: [أخبرنا حميد أنه سمع أنس بن مالك ﵁ يقول: إن النبي ﵊ قال: (والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم لله، فمن رغب عن سنتي فليس مني)]، فهذه سمة من سمات السواد الأعظم وهم أهل السنة والجماعة، أنهم معتدلون في التمسك بالسنة فلا يغالون فيها ولا يجافون عنها.
وهذا الحديث له مناسبة: لما ذهب ثلاثة نفر إلى بيت من بيوت النبي ﵊ فسألوا عن عبادته، فلما أخبرتهم عائشة ﵂ بعبادة النبي ﵊ كأنهم تقالوها، قالوا: هذه عبادة قليلة، والنبي ﵊ ليس مثلنا، فهو رجل قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيعبد أو لا يعبد، قد أخذ الوعد من الله ﷿ ألا يعذبه بل يدخله الجنة، وأما نحن فإننا نحتاج إلى عبادة بل وإلى مشقة في العبادة حتى نحظى بشيء مما حظي به النبي ﵊، قالوا: لابد أن نكلف أنفسنا أعظم من ذلك من الأعمال والعبادة والصلاح والتقوى والطاعة وغير ذلك، فأما أحدهما فقال: (إني لا أتزوج النساء قط.
وأما الثاني فقال: فإني لا أنام على فراش قط.
والثالث قال: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر) وظل كل واحد منهم يتزهد زهدًا لم يؤمر به، حتى ذهب بعضهم واستأذن من النبي ﵊ وهو عثمان بن مظعون ﵁ في الاختصاء، حتى لا يكون له رغبة في النساء، وينقطع للتبتل؛ أي: ينقطع للعبادة.
قال: [قال: أنس ﵁: (استأذن عثمان بن مظعون النبي ﵊ في الاختصاء ولو أذن له لاختصينا)]، ولكنه ﵊ لم يأذن.
لماذا طلب عثمان بن مظعون هذا؟ لأجل أن ينقطع للعبادة فلا يكون له رغبة في النساء، فالمرأة التي تسل مبايضها لا ترغب في الرجال، والرجل الذي يختصي لا يرغب في النساء قط، وإنما حمل عثمان بن مظعون على مثل هذا الطلب أنه أراد أن ينقطع للتبتل، والتبتل هو الانقطاع للعبادة، ولكن النبي ﵊ لم يأذن له بذلك؛ لأن الدين الإسلامي وسط بين الروحانية وبين المادية، فلابد للبدن من حاجة ولابد للروح والقلب من حاجة، ولذلك رد النبي ﵊ على عثمان بن مظعون هذا الطلب.
فهؤلاء القوم لما أتوا إلى بيت من بيوت النبي ﵊ وطلبوا منه ذلك الطلب أو سألوا عن عبادته فتقالوها، خرج عليهم النبي ﵊.
قال: (ألستم القوم الذين قلتم: كيت وكيت.
قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أما إني أخشاكم لله وأتقاكم له).
ومن الذي يشك أن أفضل الخلق على الإطلاق هو النبي ﵊؟ وما حاز على هذه الأفضلية إلا بتقواه وطاعته لله ﷿.
(أما إني أخشاكم لله وأتقاكم لله وأعلمكم بالله).
وفي رواية البخاري، ومسلم: (أما إني أتقاكم لله وأعلمكم بالله) أي: من جهة العلم والعمل، فهو من حيث العلم بالله فهو أعلم الخلق، ومن حيث التقوى هو أتقى الناس علمًا وعملًا.
قال: (ولكني أصوم وأفطر، وأتزوج النساء، وأنام وأصلي؛ فمن رغب عن سنتي) أي: زهدًا فيها حبًا في غيرها (فليس مني).
أي: قد اتخذ سنة غير سنتي، واهتدى بهدي غير هدي، ولاشك أن هذا ضلال وانحراف.
فلابد من التمسك بسنة النبي ﵊ على المراد الذي أراده النبي ﵊، ولابد من التمسك بكتاب الله على مراد الله ﷿، وليس على مراد أحد، وليس على مراد عالم من العلماء فضلًا عن عامي من عامة الناس، فلابد من التمسك بكتاب الله على مراد الله، ومن التمسك بالسنة على مراد صاحبها ﵊، فلا يجتهد أحد اجتهادًا مخلًا بالآداب والأخلاق والسلوكيات التي أمرنا بها النبي ﵊، وهذا الحديث أيضًا ورد عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما.
6 / 3