وَأَحْيَاؤُهُمْ عِنْدَ النَّاسِ كَالْأَمْوَاتِ، الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فِي رَاحَةٍ، وَأَدْيَانُهُمْ فِي سَلَامَةٍ، وَقُلُوبُهُمْ سَاكِنَةٌ، وَجَوَارِحُهُمْ هَادِيَةٌ، وَهَذَا حِينَ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي نَضَارَةٍ، وَأُمُورُ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيَادَةٍ.
[ظُهُورُ الِاتِّجَاهِ الْعَقْلِيِّ]
فَمَضَتْ عَلَى هَذِهِ الْقُرُونِ مَاضُونَ، الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ، حَتَّى ضَرَبَ الدَّهْرُ ضَرَبَاتِهِ، وَأَبْدَى مِنْ نَفْسِهِ حَدَثَاتِهِ، وَظَهَرَ قَوْمٌ أَجْلَافٌ زَعَمُوا أَنَّهُمْ لِمَنْ قَبْلَهُمْ أَخْلَافٌ، وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَكْبَرُ مِنْهُمْ فِي الْمَحْصُولِ، وَفِي حَقَائِقِ الْمَعْقُولِ، وَأَهْدَى إِلَى التَّحْقِيقِ، وَأَحْسَنُ نَظَرًا مِنْهُمْ فِي التَّدْقِيقِ، وَأَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ تَفَادَوْا مِنَ النَّظَرِ لِعَجْزِهِمْ، وَرَغِبُوا عَنْ مُكَالَمَتِهِمْ لِقِلَّةِ فَهْمِهِمْ، وَأَنَّ نُصْرَةَ مَذْهَبِهِمْ فِي الْجِدَالِ مَعَهُمْ، حَتَّى أَبْدَلُوا مِنَ الطَّيِّبِ خَبِيثًا، وَمِنَ الْقَدِيمِ حَدِيثًا، وَعَدَلُوا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَبَعَثَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَوْجَبَ عَلَيْهِ دَعْوَةَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، وَامْتَنَّ عَلَى عِبَادِهِ إِتْمَامَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِالْهِدَايَةِ إِلَى سَبِيلِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٣١] فَوَعَظَ اللَّهُ ﷿ عِبَادَهُ بِكِتَابِهِ، وَحَثَّهُمْ عَلَى اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِهِ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: ١٢٥] لَا بِالْجِدَالِ وَالْخُصُومَةِ، فَرَغِبُوا عَنْهُمَا وَعَوَّلُوا عَلَى غَيْرِهِمَا، وَسَلَكُوا بِأَنْفُسِهِمْ مَسْلَكَ الْمُضِلِّينَ،
1 / 17