Sharhin Fitarin Rana
شرح طلعة الشمس على الألفية
Nau'ikan
والحجة لنا على جواز نسخ القرآن بالسنة المتواترة ما قدمنا ذكره من الأحاديث الناسخة لبعض القرآن، والوقوع دليل الجواز، وأيضا فالسنة المتواترة حجة توجب العلم؛ فجاز نسخه بها كالكتاب، وأيضا فقوله تعالى: { لتبين للناس ما نزل إليهم } (النحل: 44) دليل على جواز ذلك؛ لأن النسخ نوع بيان، وتنسخ السنة بالقرآن كنسخ وجوب التوجه إلى بيت المقدس واستقباله الثابت بالسنة بقوله تعالى: { فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } (البقرة: 150)، وكنسخ صوم يوم عاشوراء، وكان واجبا بالسنة، بقوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } (البقرة: 185)، ومنع الشافعي وغيره من جواز نسخ السنة بالكتاب، والحجة لنا على جوازه ما قدمنا ذكره في الأمثلة من وقوع ذلك، والوقوع دليل الجواز، وأيضا فإن القرآن أقوى من السنة، فيصح نسخها به، ووجه كونه أقوى منها هو أنه معجز بخلافها، وأيضا فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقر معاذا في تقديمه الحكم بالكتاب على الحكم بالسنة.
احتج المانعون من جواز ذلك بأمرين:
? أحدهما: قوله تعالى: { لتبين للناس ما نزل إليهم } (النحل: 44)، فدلت الآية على أن الكتاب يبين بالسنة، وأن البيان للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والنسخ نوع من البيان.
? وثانيهما: أنه لو وقع نسخ الكتاب بالسنة لكان ذلك منفرا للسامع، حيث خالف ما جاء به.
أجيب عن الأول: بأن المراد من قوله تعالى: { لتبين للناس ما نزل إليهم } (النحل: 44)، أي لتليغهم ذلك، سلمنا أن البيان في الآية متوجه إلى الرسول؛ فغاية ما فيه أن الرسول مبين، فأين المانع من صحة البيان بغيره؟!.
وأجيب عن الثاني: بأنه إذا علم أن جميع ما جاء به الرسول من الله، وأنه وحي يوحى، فلا تنفير فيه، وتنسخ السنة بالسنة والمتواتر بالمتواتر والآحادي بالآحادي، مثال ذلك: قوله - صلى الله عليه وسلم - : "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها"، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في شارب الخمر: "فإن شربها الرابعة فاقتلوه"، ثم أتي بمن شربها في الرابعة فلم يقتله، فنسخ قوله بتركه.
Shafi 291