Sharhin Fitarin Rana
شرح طلعة الشمس على الألفية
Nau'ikan
القولين أولهما، وهو أن الاستثناء عائد لجميع الجمل إلا لقرينة تصرفه عن ذلك، وهو القول الذي صححه البدر الشماخي -رحمه الله تعالى- وحكاه عكرمة عن ابن عباس، وهو قول أبي عبيدة، والعامة من فقهائنا، واعلم أنه لا خلاف في رجوعه إلى الأخيرة، ولا إلى الجميع مع القرينة، وإنما الخلاف في الظهور عند عدم القرينة، وثمرة الخلاف تظهر في آية القذف، وهي قوله تعالى: { والذين يرمون المحصنات } إلى قوله: { ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا } (النور: 4)، هل يعود الاستثناء إلى قوله: { وأولئك هم الفاسقون } فقط، فلا تقبل شهادة القاذف وإن تاب؟ أم يعود إلى الجميع فتقبل شهادة من تاب؟ والحجة لنا على من منع رجوع الاستثناء إلى جميع الجمل المتقدمة أن التشريك بالعطف صيرها كالجملة الواحدة ولأن العطف رابط، وأيضا فالاستثناء في ذلك كالشرط وكالاستثناء بمشيئة الله تعالى، وقد ثبت أنه إذا قال قائل: والله لا أكلت، ولا شربت، ولا ضربت -إن شاء الله- أو إلا أن يشاء الله تعالى عاد إلى الجميع اتفاقا، وأيضا فقد ذكر سعيد بن المسيب أن عمر-رضي الله عنه- قال للذين شهدوا على المغيرة حين جلدهم: "من رجع منكم أجزنا شهادته"، ثم تلا الآية، وأيضا لو استثنى عقيب كل جملة لعد عيبا واستهجانا من الكلام احتج القائلون بأنه عائد إلى الجملة الأخيرة فقط بأمور: أحدهما: لو رجع إلى كل الجمل المعطوف عليها لرجع قوله تعالى: { إلا الذين تابوا } (النور: 4)، إلى الجلد كما رجع إلى الشهادة، والإجماع واقع على أن التوبة لا تسقط حد القذف.
وثانيهما: أن المعلوم من الاستثناء في نحو على عشرة إلا أربعة، إلا اثنين، عائد إلى الأخيرة فكذلك غيره.
وثالثها: أن الجملة الثانية مثلا حائلة بين المستثنى والمستثنى منه فكانت كالسكوت بينهما.
??وأجيب عن الاحتجاج الأول: بأن الحد خرج عن ذلك بدليل خاص به، وهو أن القذف حق الآدمي فلا يسقط بالتوبة كغيره من الحقوق، فوجب لهذا القياس قصره على ما بعده، ونحن إنما نقول بعوده إلى الجميع مع عدم الدليل الصارف له عن ذلك.
?? وأجيب عن الاحتجاج الثاني: بأنه إنما كان ذلك الاستثناء وهو الاثنين عائد إلى ما قبله فقط لعدم العطف الجامع، ثم أن رده إلى الكل متعذر، فكان الأقرب أولى كما أنه إذا تعذر رده إلى الأقرب كان الأول أولى نحو قوله: على العشرة إلا اثنين، فإنه عائد إلى العشرة، وقال بعضهم في الجواب عن ذلك الاحتجاج أن إجماع الصحابة خص رجوعه بالأخيرة، وهو مسلم إن صح ثبوت الإجماع على ذلك.
?? وأجيب عن الاحتجاج الثالث: بأن العطف صير جميع الجمل المتعاطفة بمنزلة الجملة الواحدة فلم تكن المتوسطة كالسكوت قالوا حكم الأول متيقن، والدفع مشكوك فيه.
وأجيب بأنه يجوز أن يكون وضعه للجميع، كما لو قام دليل واحتج القائل بالاشتراك بوجهين:
- أحدهما: أنه يحسن الاستفهام عما يرجع إليه الاستثناء بعد الجمل.
وأجيب: بأنه يسأل عنه للجهل بحقيقته، أو لرفع الاحتمال فلا يكون حسن السؤال عنه دليلا على اشتراكه.
- وثانيهما: أن صحة إطلاقه بعد الجمل لغير قرينة تبين ما يعود إليه دليل على اشتراكه بينهما إذ الأصل في الاستعمال الحقيقة لا المجاز.
Shafi 153