شرح سنن أبي داود للعباد
شرح سنن أبي داود للعباد
Nau'ikan
شرح حديث: (أن النبي ﷺ كان إذا ذهب المذهب أبعد)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الطهارة.
باب التخلي عند قضاء الحاجة: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد - عن محمد -يعني: ابن عمرو - عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة (أن النبي ﷺ كان إذا ذهب المذهب أبعد)].
قول الإمام أبي داود السجستاني رحمة الله عليه: [كتاب الطهارة]، هذا هو أول كتاب في كتابه السنن، وجرت عادة المحدثين والفقهاء عندما يكتبون في الأحكام أنهم يقدمون كتاب الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج، ويجعلون بين يدي الصلاة كتاب الطهارة؛ لأن الطهارة شرط في صحة الصلاة، فلزم أن تكون متقدمة عليها؛ فيجعلون الطهارة قبل الصلاة؛ لأنه لا صلاة إلا بطهارة، ولا صلاة إلا بوضوء، كما قال ﷺ: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، فمن أجل ذلك كانوا يقدمون كتاب الطهارة على كتاب الصلاة والزكاة والصيام والحج.
قوله: [باب التخلي عند قضاء الحاجة].
التخلي هو: الذهاب للخلاء، أو أن يكون الإنسان في مكان خالٍ عن الناس بحيث لا يرى عورته أحد، وكانوا يذهبون إلى المكان الخالي لقضاء الحاجة، وكان هذا قبل أن توضع الكنف في البيوت، ولما وضعت الكنف في البيوت كانوا يقضون حوائجهم فيها.
ومن هدي الرسول ﷺ: أنه كان إذا أرد أن يقضي حاجته أن يذهب بعيدًا عن الناس.
أورد أبو داود رحمة الله عليه حديث المغيرة بن شعبة: (أن النبي ﷺ كان إذا ذهب المذهب أبعد)، يعني: كان إذا ذهب إلى المكان الذي يقضي فيه حاجته ذهب بعيدًا عن الناس.
والذهاب إلى مكان بعيد عن الناس أمر مطلوب؛ لأن النبي ﵊ كان يفعله، ولما يترتب على ذلك من فوائد، منها: ألا يرى عورته أحد، وأما أن يرى شخصه من مكان بعيد وهو يقضي الحاجة فهذا أمر لا يؤثر.
ومنها: أنه إذا كان بعيدًا عن الناس لا يسمع صوت بخلاف ما إذا كان قريبًا من الناس فإن الناس يسمعون ذلك الصوت منه.
فإذًا: يستدل بهذا الحديث على أن الإنسان إذا كان في مكان خالٍ وعراء وفضاء من الأرض أن عليه أن يذهب بعيدًا عن الناس، وهذا من آداب قضاء الحاجة، وأما إذا كان في مكان مستور كالأبنية والحجب التي توضع دون رؤية الناس من القماش أو الجلود أو الخيام أو غير ذلك؛ فإن هذا مما يحصل به المقصود.
فالمقصود هو: التستر والبعد عن الناس حتى لا يروا عورته، فإذا كان في مكان خالٍ بعيدًا عن الناس، وإذا كان في مكان أعد لذلك كالكنف فإنه يكون بذلك مستترًا عن الناس، ولا سبيل للناس إلى رؤيته.
4 / 3