شرح سنن أبي داود للعباد
شرح سنن أبي داود للعباد
Nau'ikan
رد الحديث الغريب إذا كان في رواته من لا يحتمل تفرده أو كان شاذًا
إذا كان الحديث الغريب في رجاله من لا يحتمل تفرده فإنه لا يفيد شيئًا، وكذلك إذا جاء شاذًا، وذلك بأن يأتي من طريق واحدة مخالفة للطرق الأخرى الصحيحة، فهو صحيح لولم يخالف، لكن الإشكال جاءه من المخالفة للثقات حيث لا يمكن الجمع، ولا يمكن النسخ، ولا يمكن الترجيح.
أما إذا أمكن أن يجمع بين الأحاديث، وأن يحمل هذا على شيء وهذا على شيء، فإعمال النصوص أولى من إهمال شيء منها، ولكن إذا لم يمكن إلا أن يرجح بعضها على بعض؛ لأن الراوي روى شيئًا خالف فيه الثقات فيصار إلى الترجيح، وذلك مثل الحديث الذي في صحيح مسلم في قصة صلاة الكسوف: أن الرسول ﷺ صلاها بثلاث ركوعات.
جاء عن الثقات عند البخاري وغيره: أنها ركعتان في كل ركعة ركوعان وسجودان وليس فيها أكثر من سجودين؛ لكن جاء في بعض الروايات في مسلم ثلاثة ركوعات، والقصة واحدة كلها تتحدث عن موت إبراهيم وصلاة الرسول ﷺ يوم مات إبراهيم صلاة الكسوف، فلا يمكن أن يجمع بينها ولا يقال بالنسخ لأن القصة واحدة، ولم يبق إلا الترجيح، وهو أن ترجح رواية الثقات على رواية الثقة الذي خالف الثقات.
ولهذا عندما يعرفون الحديث الصحيح، يقولون: ما روي بنقل عدد تام الضبط، متصل السند، غير معلل شاذ.
فليس مجرد ثقة الرجال واتصال الإسناد كافيًا، بل لابد مع ذلك أن يسلم من الشذوذ والعلة، والشذوذ هو مخالفة الثقة للثقات.
بعض العلماء قال: من شرط الصحيح: أن يكون له طريقان فأكثر.
ولكن هذا رده أكثر العلماء وأنكروه على من قاله؛ لوجود أحاديث معتبرة وصحيحة جاءت من طريق واحد.
يقول أبو داود ﵀: [الأحاديث التي وضعتها في كتاب السنن أكثرها مشاهير، وهي عند كل من كتب شيئًا من الحديث إلا أن تمييزها لا يقدر عليه كل الناس].
أي: أن معرفة الحديث المشهور والحديث الغريب لا يتأتى إلا بجمع الطرق، وأما مجرد أن يقف الإنسان على حديث ولا يفتش عن الشواهد والمتابعات؛ فإن هذا لا يميزه كل أحد ولا يقدر عليه كل أحد، ولا يستطيع أن يحكم على غرابته إلا من عنده اطلاع واستيعاب.
3 / 5