في سائر العلوم والفنون التي ما كانت في الدنيا، قيل: إنهم بنوا بها جسرًا من الطين والماء عوضًا عن الأجر١.
وإذا كان الغزو المغولي للشرق الأدني قد نتج عنه ذلك الركودُ العلمي والأدبي، إلا أنه كان ركودًا مؤقتًا؛ حيث أخذ النشاط يدب في هذين الميدانين، وذلك بعد أنْ استقر المغول في البلاد التي فتوحها؛ ويرجع ذلك إلى أن بعض المؤلفات العلمية قد نجت من أيدي المغول وبخاصة ما كان منها في المدن الجنوبية من البلاد الخوارزمية.
ثم أخذ المغول يتقبلون آراء المسلمين وأفكارهم، ورغبوا تدريجيا في اعتناق المدنية الإسلامية. ليس هذا فحسب، بل وجدنا الكثيرين من سلاطينهم قد اعتنق الإسلام، مثل أبغا بك، وغازان، وأبي سعيد وغيرهم، وبرز كثير من العلماء والأدباء بفضل تشجيع المغول لهم، ومن أشهر هؤلاء في عهد هولاكو العلاّمة نصير الدين الطوسيُّ أستاذ ركن الدين الأستراباذي. وقد امتاز الطوسيُّ بأبحاثه في علم الفلك فشجعه المغول وبنوا له مرصدا عظيمًا في مراغة بأذربيجان، ومكتبة بجانبه، يقال إنها كانت تحوي أربعمائة ألف من المجلدات.
وقد امتاز الطوسيُّ أيضًا بمؤلفاته القيمة في الجبر والهندسة والطبيعة والحكمة والأخلاق وآلات الرصد، كما اشتهر بترجمة كثير من الكتب اليونانية في مختلف العلوم، وكان من أكبر المشتغلين بالعلوم العقلية بعد ابن سينا.
_________
١ النجوم الزاهرة: ٧/ ٥١.
1 / 19