152

Sharh Sahih al-Bukhari - Osama Suleiman

شرح صحيح البخاري - أسامة سليمان

Nau'ikan

جواز الإرسال إلى أهل الفضل عند الاحتضار
ثم قال البخاري رحمه الله تعالى: [حدثنا عبدان ومحمد قالا: أخبرنا عبد الله أخبرنا عاصم بن سليمان عن أبي عثمان قال: حدثني أسامة بن زيد ﵄ قال: أرسلت ابنة النبي ﷺ إليه]، وهي: زينب ﵂، ثم قال: [إن ابنًا لي احتضر فائتنا]، والمراد بالابن الذي كان يحتضر على الراجح عند العلماء، وحقق ذلك ابن حجر: أمامة بنت زينب ﵄ وأبوها هو: العاص بن الربيع ﵁، ولكنها لم تمت، بل عاشت حتى تزوجها علي بن أبي طالب ﵁، وقد تزوجها علي بعد موت فاطمة ﵂، ثم قال: [فأرسل يقرئ السلام]، وفي هذا جواز السلام من الغائب، ويؤيد ذلك: حديث جبريل ﵇ عندما جاء إلى النبي ﷺ وقال: (أقرئ خديجة السلام من ربها)، فحينما يسلم عليك الغائب ينبغي أن ترد ﵇.
كما في الحديث: أنه يجوز عند حلول المصيبة أن يرسل إلى أهل الفضل؛ ليقفوا بجوار المحتضر وليربطوا على قلبه.
ثم قال: [فأرسل لها يقول: (إن لله ما أخذ وله ما أعطى)]، أي: أن الأولاد الذين يأتون والذين يموتون ملك لله ﷿، (وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب)، فأمر النبي ﵊ للذي جاءه أن يأمرها بأن تصبر وتحتسب.
قال الشيخ ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين): وأفضل صيغة يعزى بها المسلم أن تقول له: اصبر واحتسب؛ لأن النبي ﷺ قال للرسول بأن يقول لها: (اصبري واحتسبي).
وهناك صيغ أخرى، كقول بعض الناس: البقاء لله، أو البقية في حياتك، وهذا اللفظ الأخير فيه اختلاف، فالعلماء يرون جوازه إن كان المقصود من هذا القول: الدعوة له ببقاء الحياة في الأعمال الصالحة، وليس معناه: أن الميت الذي مات عمره ناقص، وأنه أخذ البقية وأعطاها للحي.
وقدم الصبر على الاحتساب؛ لأن المقام مقام صبر، قال ذلك ابن حجر رحمه الله تعالى.
ثم قال: فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه: سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت ورجال، فرفع إلى رسول الله ﷺ الصبي].
وفيه جواز أن يبر المسلم قسم أخيه إذا أقسم عليه.
ثم قال: [ونفسه تتقعقع، قال: حسبته أنه قال: كأنها شن]، أي: تتحشرج، كالماء الذي يغلي في إناء معلق، [ففاضت عيناه ﷺ]، فهذه من المواقف التي بكى فيها النبي ﵊، فـ البخاري لفقهه العالي أتى بالحديث الأول؛ ليبين جواز البكاء على الميت إن كان بكاءً ليس معه نياحة، بينما هنا أراد أن يقول: إن البكاء المشروع لا شيء فيه، فقد بكى النبي ﷺ في مواضع وهذه منها، [فقال سعد: يا رسول الله ما هذا؟ قال: (هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء)، إذًا فالبكاء عند حلول المصيبة رحمة جعلها في قلوب عباده، وهذا يبين أن مذهب البخاري ﵀: جواز البكاء طالما لا يصاحبه نياحة.

8 / 4