شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
Mai Buga Littafi
دار الوطن للنشر
Lambar Fassara
١٤٢٦ هـ
Inda aka buga
الرياض
Nau'ikan
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلي الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إي يوم الدين وسلم تسلينًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن هذا الكتاب يحتوي على تعليقات نافعه لفضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين ﵀ تعالي - لجمل كبيرة من الأحاديث الواردة في كتاب: «رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين» للإمام النووي ﵀ تعالي ـ.
وقد جاءت تلك التعليقات ضمن أحاديث شيخنا اليومية ﵀ تعالي - بعد صلاة العصر في الجامع الكبير بعنيزه. وتكررت طباعتها منذ الطبعة الأولي عام ١٤١٥هـ التي اعتني بها فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الله ابن محمد بن أحمد الطيار جزاه الله خيرا.
وإنفاذًا للقواعد والضوابط والتوجيهات التي قررها وعهد بها إلي اللجنة العلمية فضيلة شيخنا ﵀ تعالي - لإخراج مؤلفاته، تم - ولله الحمد - إعداد هذا الكتاب للنشر ومراجعة محتواه العلمي على أصوله المسموعة المسجلة.
نسأل الله تعالي أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، نافعًا لعباده، وان يجزي فضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، ويضاعف له المثوبة والأجر، إنه سميع قريب.
وصلي الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.
اللجنة العلمية
في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثيمين الخيرية
١٥/٩/١٤٢٤هـ
Shafi da ba'a sani ba
مقدمة الإمام النووي ﵀
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، تذكرة لأولى القلوب والأبصار وتبصرة لذوي الألباب والاعتبار، الذي أيقظ من خلقه من اصطفه فزهدهم في هذه الدار، وشغلهم بمراقبة وإدامة الأفكار، وملازمة الاتعاظ والأذكار، ووفقهم للدؤوب في طاعته والتأهب لدار القرار ن والحذر مما يسخطه ويوجب دار البوار، والمحافظة على ذلك مع تغاير الأحوال والأطوار.
احمده أبلغ حمد وأزكاه، وأشمله وأنماه.
وأشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم، الرؤوف الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وحبيبه وخليليه، الهدي إلي صراط مستقيم، والداعي إلي دين قويم ن صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين، وآل كل وسائر الصالحين.
أما بعد:
فقد قال الله تعالي: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (الذريات: ٥٦/٥٧) وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة؛ فإنها دار نفاد لا محل إخلاد، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشرع انفصام لا موطن دوام.
1 / 7
فلهذا كان الأيقاظ من أهلها هم العباد، وأعقل الناس فيها هم الزهاد؛ قال الله تعالي: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس: ٢٤) والآيات في هذا المعني كثيرة.
إن لله عبادًا فطنا ... طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا ... أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا ... صالح الأعمال فيها سفنا
فإذا كان حالها ما وصفته، وحالنا ما خلقنا له، ما قدمته؛ فحق على المكلف أن يذهب بنفه مذهب الأخيار، ويسلك مسلك أولى النهي والأبصار، ويتأهب لما اشر ت إليه، ويهتم بما نبهت عليه.
وأصوب طريق له في ذلك، وأرشد ما يسلكه السالكين: التأدب بما صح عن نبينا سيد الأولين والآخرين، وأكرم السابقين اللاحقين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين، وقد فال الله تعالي:) وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: من الآية٢) وقد صح عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه وأنه قال: «من
1 / 8
دل على خير، فله مثل أجر فاعله» وأنه قال: «من دعا إلي هدي كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقصه ذلك من أجورهم شيئًا) وأنه قال لعلي ﵁: «فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدا خير لك من حمر النعم» .
فرأيت أن أجمع مختصرًا من الأحاديث الصحيحة، مشتملًا على ما يكون طريقًا لصاحبه إلي الآخره، ومحصلًا لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعًا للترغيب والترهيب وسائر أنواع آداب السالكين: من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك من مقاصد العارفين.
وألتزم فيه أن لا أذكر حديثًا صحيحًا من الواضحات، مضافًا إلي الكتب الصحيحة المشهورات، وأصدر الأبواب من القرآن العزيز بآيات كريمات، وأوشح ما يحتاج إلي ضبط أو شرح معني خفي بنفائس من التنبهات.
1 / 9
وإذا قلت في آخر حديث: «متفق عليه» فمعناه: رواه البخاري ومسلم.
وأرجو إن تم هذا الكتاب أن يكون سائقًا للمعتني به إلي الخيرات، حاجزًا له عن أنواع القبائح والمهلكات.
وأنا سائل أخًا انتفع بشيء منه أن يدعو لي، ولوالدي، ومشايخي، وسائر أحبابنا، والمسلمين أجمعين، وعلى الله الكريم اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.
1 / 10
مقدمة الشارح
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران: ١٠٢) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء: ١» يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) (ايُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (الأحزاب ٧٠/٧١) .
أما بعد:
فإن اصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلي الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
فهذه الخطبة الطويلة المفيدة «لكتاب رياض الصالحين» الذي ألفه الشيخ الحافظ النووي ﵀ وهو كتاب جيد ولم يسبق لنا قراءته.
ورأيت أن نبدأ فيه ونسأل الله تعالي أن نتمه على خير؛ لأنه كتاب نافع للقلوب، وللأعمال الظاهرة والمتعلقة بالجوارح؛ لذلك ينبغي أن يعتني
1 / 11
بهذا الكتاب.
وقد طلب ﵀ ممن انتفع به أن يدعو له ولوالديه ولسائر المسلمين؛ فنسأل الله أن يغفر له ولوالديه ولسائر المسلمين، وأن يجمعنا وإياه وإخواننا المؤمنين في دار كرامته؛ إنه جواد كريم، وأسال الله أن يوفقنا لاتمامه، وأن ينفعنا بهن وأن يغفر لمؤلفه وأن يجزيه عن الإسلام والمسلمين خيرًا، والله الموفق.
الشارح
محمد بن صالح العثيمين
1 / 12
١- باب الإخلاص وإحضار النية في جميع الأعمال والأقوال البارزة والخفية
قال الله تعالي: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة: ٥) وقال تعالي:) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) (الحج: من الآية٣٧) وقال تعالي (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) (آل عمران: من الآية٢٩) .
[الشَّرْحُ]
قال المؤلف ﵀ تعالي: «باب الإخلاص وإحضار النية، في جميع الأعمال والأقوال البارز والخفية»:
«النية» محلها القلب، ولا محل لها في اللسان في جميع الأعمال؛ ولهذا كان من نطق بالنية عند إرادة الصلاة، أو الصوم، أو الحج، أو الوضوء، أو غير ذلك من الأعمال كان مبتدعًا قائلًا في دين الله ما ليس منه؛ لأن النبي صلي الله عليه وسم كان يتوضأ، ويصلي ويتصدق، ويصوم ويحج، ولم يكن ينطق بتالنية، فلم يكن يقول: اللهم إني نويت أن أتوضأ، اللهم إني نويت أن أصلي، اللهم إني نويت أن أتصدق، اللهم إني نويت أن أحج، لم يكن يقول هذا؛ وذلك لأن النية محلها القلب، والله ﷿ يعلم ما في القلب، ولا يخفي عليه شيء؛ كما قال الله تعالي في الآية التي ساقها المؤلف: (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ
1 / 13
تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ) (آل عمران: الآية٢٩) .
ويجب علي الإنسان أن يخلص النية لله سبحانه وتعالي في جميع عباداته، وأن لا ينوى بعباداته إلا وجه الله والدار الآخرة.
وهذا هو الذي أمر الله به في قوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ)، أي مخلصين له العمل، (وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) وينبغي أن يستحضر النية، أي: نية الإخلاص في جميع العبادات.
فينوى مثلًا الوضوء، وأنه توضأ لله، وأنه توضأ أمثالًا لأمر الله.
فهذه ثلاثة أشياء:
نية العبادة.
ونية أن تكون لله.
ونية أنه قام بها امتثالًا لأمر الله.
فهذا أكمل شيء في النية.
كذلك في الصلاة: تنوي أولًا: الصلاة، وأنها الظهر، أو العصر، أو المغرب، أو العشاء ن أو الفجر، أو ما أشبه ذلك، وتنوي ثانيًا: أنك إنما تصلي لله ﷿ لا لغيره، لا تصلي رياء ولا سمعة، ولا لتمدح على صلاتك، ولا لتنال شيئًا من المال أو الدنيا، ثالثًا: تستحضر أنك تصلي امتثالًا لأمر ربك حيث قال: (أَقِمِ الصَّلاة) (ْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) إلي غير ذلك من الأوامر.
وذكر المؤلف ﵀ عدة آيات كلها تدل على أن النية محلها
1 / 14
القلب، وأن الله - سبحانه وتعالي - عالم بنية العبد، ربما يعمل العبد عملًا يظهر أمام الناس أنه عمل صالح، وهو عمل فاسد أفسدته النية، لأن الله - تعالي - يعلم ما في القلب، ولا يجازى الإنسان يوم القيامة إلا على ما في قلبه، لقول الله تعالي:) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ) (فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ) (الطارق: ٨-١٠) يعني: يوم تختبر السرائر - القلوب - كقوله:) أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) (العاديات: ٩-١٠) .
ففي الآخرة: يكون الثواب والعقاب، والعمل والاعتبار بما في القلب.
أما في الدنيا: فالعبرة بما ظهر، فيعامل الناس بظواهر أحوالهم، ولكن هذه الظواهر: إن وافقت ما في البواطن، صلح ظاهره وباطنهن وسريرته وعلانيته، وإن خالفت وصار القلب منطويًا على نية فاسد، نعوذ بالله - فبما أعظم خسارته !! يعمل ويتعب ولكن لا حظ له في هذا العمل؛ كما جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «قال الله تعالي: أنا أغني الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه» .
فالله الله!! أيها الاخوة بإخلاص النية لله سبحانه وتعالي!!
واعلم: أن الشيطان قد يأتيك عند إرادة عمل الخير، فيقول لك: إنك
1 / 15
إنما تعمل هذا رياء، فيحبط همتك ويثبطك ولكن لا تلتفت إلي هذا، ولا تطعه، بل اعمل ولو قال لك: إنك إنما تعمل رياء أو سمعة؛ لأنك لو سئلت: هل أنت الآن تعمل هذا رياء وسمعة؟: لا!!
إذن فهذا الوسواس الذي أدخله الشيطان في قلبك، لا تلتفت له، وافعل لخير؛ ولا تقل: إني أرائي وما أشبه ذلك.
* * *
١- وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزي بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤس بن غالب القرشي العدوي ﵁ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امري ما نوي فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله، فهجرته إلي الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلي ما هاجر إليه»؛ متفق على صحته؛ رواه إماما المحدثين: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ابن المغيرة بن بردزبة الجعفي البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيساوي ﵄ في صحيحيهما اللذين هما اصح الكتب المصنفة.
1 / 16
[الشَّرْحُ]
لما كان هذا الباب في الإخلاص، إخلاص النية لله ﷿، وأنه ينبغي أن تكون النية مخلصة لله في كل قول، وفي كل فعل، وعلى كل حال، ذكر المؤلف من الآيات ما يتعلق بهذا المعني، وذكر ﵀ من الأحاديث ما يتعلق به أيضًا، وصدر هذا بحديث عمر بن الخطاب الذي قال فيه: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي»:
هاتان الجملتان اختلف العلماء ﵏ فيهما:
فقال بعض العلماء: إنهما جملتان بمعني واحد، وإن الجملة الثانية تأكيد للجملة الأولي.
ولكن هذا ليس بصحيح، وذلك لأن الأصل في الكلام أن يكون تأسيسا لا توكيدًا، ثم إنهما عند التأمل يتبين أن بينهما فرقًا عظيمًا؛ فالأولي سبب، والثانية نتيجة:
الأولي: سبب يبين فيها النبي صلي الله عليه وسلم أن كل عمل لابد فيه من نية، فكل عمل يعمله الإنسان وهو عاقل مختار، فلابد فيه من نية، ولا يمكن لأي عاقل مختار أن يعمل عملًا إلا بنية؛ حتى قال بعض العلماء: «لو كلفنا الله عملًا بلا نية، لكان من تكليف ما لا يطاق!» .
وهذا صحيح؛ كيف تعمل وأنت في عقلك، وأنت مختار غير مكره، كيف تعمل عملًا بلا نية؟ ! هذا مستحيل؛ لأن العمل ناتج عن إرادة
1 / 17
وقدرة، والإرادة هي النية.
إذن: فالجملة الأولي معناها أنه ما من عامل إلا وله نية، ولكن النيات تختلف اختلافًا عظيمًا، وتتباين تبتينًا بعيدًا كما بين السماء والأرض.
من الناس من نيته في القمة في أعلي شيء، ومن الناس من نيته في القمامة في أخس شيء وأدني شيء؛ حتى إنك لتري الرجلين يعملان عملًا واحدًا يتفقان في ابتدائه وانتهائه وفي أثنائه، وفي الحركات والسكنات، والأقوال والأفعال، وبينهما كما بين السماء والأرض، وكل ذلك باختلاف النية.
إذن: الأساس أه ما من عمل إلا بنية، ولكن النيات تختلف وتتابين.
نتيجة ذلك قال: «وإنما لكل أمري ما نوي»؛ فكل امريء له ما نوي: إن نوي الله والدار الآخر في أعماله الشرعية، حصل له ذلك، وإن نوي الدنيا، قد تحصل وقد لا تحصل.
قال الله تعالي:) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) (الاسراء: الآية١٨) ما قال: عجلنا له ما يريد؛ بل قال: (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ)، لا ما يشاء هو؛ (لِمَنْ نُرِيدُ) لا لكل إنسان، فقيد المعجل والمعجل له؛ فمن الناس: من يعطي ما يريد من الدنيان ومنهم: من يعطي شيئًا منه، ومنهم: من لا يعطي شيئًا أبدا.
أما: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (الاسراء: ١٩) لابد أن يجني ثمرات هذا العمل الذي أراد به وجه الله والدار الآخرة.
1 / 18
إذن «إنما لكل امري ما نوي» .
وقوله: «إنما الأعمال بالنيات..إلخ» هذه الجملة والتي قبلها ميزان لكل عمل؛ لكنه ميزان الباطن، وقوله ص فيما أخرجه الشيخان عن عائشة رضي الله عها: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» ميزان للأعمال الظاهرة.
ولهذا قال أهل العلم: «هذان الحديثان يجمعان الدين كله» حديث عمر: «إنما الأعمال بالنيات» ميزان للباطن، وحديث عائشة: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا» ميزان للظاهر.
ثم ضرب النبي صلي الله عليه وسلم مثلًا يطبق هذا الحديث عليه، قال: «فمن كانت هجرته إلي الله ورسوله، فهجرته إلي الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلي ما هاجر إليه»:
«الهجرة»: أن ينتقل الإنسان من دار الكفر إلي دار الإسلام. مثل أن يكون رجل في أمريكا - وأمريكا دار كفر - فيسلم، ولا يتمكن من إظهار دينه هناك، فينتقل منها إلي البلاد الإسلامية، فهذه هي الهجرة.
وإذا هاجر الناس، فهم يختلفون في الهجرة.
الأول: منهم من يهاجر، ويدع بلده إلي الله ورسوله؛ يعني إلي شريعة
1 / 19
الله التي شرعها الله على رسوله صلي الله عليه وسلم هذا هو الذي ينال الخير،، وينال مقصوده؛ ولهذا قال: «فهجرته إلي الله ورسوله»؛ أي فقد أدرك ما نوي.
الثاني من المهاجرين: هاجر لدنيا يصيبها، يعني: رجل يحب جمع المال، فسمع أن بلاد الإسلام مرتعًا خصبًا يصيبها خصبًا لاكتساب الأموال، فهاجر من بلد الكفر إلي بلد الإسلام؛ من أجل الماء فقط، لا يقصد أن يستقيم دينه، ولا يهتم بدينه، ولكن همه المال.
الثالث: رجل هاجر من بلد الكفر إلي بلد الإسلام؛ يريد امرأة يتزوجها، قيل له: لا نزوجك إلا في بلاد الإسلام، ولا تسافر بها إلي بلد الكفر، فهاجر من بلده - إلي بلاد الإسلام؛ من أجل أن يتزوج هذه المرأة.
فمريد الدنيا ومريد المرأة، لم يهاجر إلي الله ورسوله، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم «فهجرته إلي ما هاجر إليه»، وهنا قال «إلي ما هاجر إليه» ولم يقل «فهجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها» فلماذا؟
قيل: لطول الكلام؛ لأنه إذا قال: فهجرته إلي دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها؛ صار الكلام طويلًا، فقال: «هجرته إلي ما هاجر إليه»
وقيل: بل لم ينص عليهما؛ احتقارًا لهما، وإعراضًا عن ذكرهما؛ فلأنهما حقيران؛ أي: الدنيا، والزوجة. ونية الهجرة - التي هي من أفضل الأعمال - لإرادة الدنيا والمرأة؛ نية منحطة سافلة، قال: «فهجرته إلي ما هاجر إليه» فلم يذكر ذلك احتقارًا، لأنها نية فاسدة منحطة.
1 / 20
وعلي كل حال، سواء هذا أو الجميع؛ فإن هذا الذي نوي بهجرته الدنيا، أو المرأة التي ينكحها، لا شك أن نية سافلة منحطة هابطة، بخلاف الأول الذي هاجر غلي الله ورسوله صلي الله عليه وسلم.
أقسام الهجرة:
الهجرة تكون للعمل، وتكون للعامل، وتكون للمكان.
القسم الأول: هجرة المكان: فأن ينتقل الإنسان من مكان تكثر فيه المعاصي، ويكثر فيه الفسوق، وربما يكون بلد كفر إلي بلد لا يوجد فيه ذلك.
وأعظمه الهجرة من بلد الكفر إلي بلد الإسلام، وقد ذكر أهل العلم إنه يجب علي الإنسان أن يهاجر من بلد الكفر إلي بلد الإسلام إذا كان غير قادر علي إظهار دينه.
وأما إذا كان قادرًا علي إظهار دينه، ولا يعارض إذا أقام شعائر الإسلام؛ فإن الهجرة لا تجب عليه، ولكنها تستحب، وبناء علي ذلك يكون السفر إلي بلد الكف أعظم من البقاء فيه، فإذا كان بلد الكفر الذي كان وطن الإنسان؛ إذا لم يستطع إقامة دينه فيه؛ وجب عليه مغادرته، والهجرة منه.
فذلك إذا كان الإنسان من أهل الإسلام، ومن بلاد المسلمين؛ فإنه لا يجوز له أن يسافر إلي بلد الكفر؛ لما في ذلك من الخطر على دينه، وعلي أخلاقه، ولما في ذلك من الخطر على دينه، وعلي أخلاقه، ولما في ذلك من إضاعة ماله، ولما في ذلك من تقوية اقتصاد الكفار، ونحن مأمورون بأن نغيظ الكفار بكل ما نستطيع، كما قال
1 / 21
الله تبارك وتعالي:) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: ١٢٣) وقال تعالي: (وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئًا يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة: من الآية١٢٠) .
فالكافر إيا كان، سواء كان من النصارى، أو من اليهود، أو من الملحدين، وسواء تسمي بالإسلام أم لم يتسم بالإسلام، الكافر عدو لله ولكتابه ولرسوله وللمؤمنين جميعًا، مهما تلبس بما تلبس به؛ فإنه عدو!!
فلا يجوز للإنسان أن يسافر إلي بلد الكفر إلا بشروط ثلاثة:
الشرط الأول: أن يكون عنده علم يدفع به الشبهات؛ لأن الكفار يوردون على المسلمين شبهًا في أخلاقهم، وفي كل شيء يوردون الشبهة؛ ليبقي الإنسان شاكا متذبذبا، ومن المعلوم أن الإنسان إذا شك في الأمور التي يجب فيها اليقين؛ فإنه لم يقم بالواجب، فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره - الإيمان بهذه - يجب أن يكون يقينًا؛ فإن شك الإنسان في شيء من ذلك فهو كافر.
فالكفار يدخلون علي المسلمين الشك، حتى إن بعض زعمائهم صرح قائلًا: لا تحاولوا أن تخرجوا المسلم من دينه إلي دين النصارى، ولكن يكفي أن تشككوه في دينه؛ لأنكم إذا شككتموه في دينه سلبتموه الدين، وهذا كاف، أنتم أخرجوه من هذه الحظيرة التي فيها الغلبة والعزة والكرامة ويكفي. أما أن تحاولوا أن تدخلوه في دين النصارى - المبني
1 / 22
علي الضلال والسفاهة - فهذا لا يمكن، لأن النصارى ضالون، كما جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم، وإن كان دين المسيح ﵊ دين حق، لكنه دين الحق في وقته قل أن ينسخ برسالة النبي صلي الله عليه وسلم فإن الهدي والحق فيما جاء به الرسول صلي الله عليه وسلم.
الشرط الثاني: أن يكون عنده دين يحميه من الشهوات؛ لأن الإنسان يدفع به الشبهات. الذي ليس عنده دين إذا ذهب إلي بلاد الكفر انغمس؛ لأنه يجد زهرة الدنيا، هناك شهوات، من خمر، وزني، ولوط. كل إجرام موجود في بلاد الكفر. فإذا ذهب إلي هذه البلاد يخشي عليه أن ينزلق في هذه الأوحال، إلا إذا كان عنده دين يحميه. فلابد أن يكون عند الإنسان دين يحميه من الشهوات.
الشرط الثالث: أن يكون محتاجًا إلي ذلك؛ مثل أن يكون مريضًا؛ يحتاج إلي السفر إلي بلاد الكفر للاستشفاء، أو يكون محتاجًا إلي علم لا يوجد في بلد الإسلام تخصص فيه؛ فيذهب إلي هناك ويتعلم، أو يكون الإنسان محتاجًا إلي تجارة، يذهب ويتجر ويرجع. المهم أنه لابد أن يكون هناك حاجة ولهذا أري أن الذين يسافرون إلي بلد الكفر من أجل السياحة فقط. أري أنهم آثمون، وأن كل قرش يصرفونه لهذا السفر فإنه
1 / 23
حرام عليهم، وإضاعة لمالهم، وسيحاسبون عنه يوم القيامة؛ حين لا يجدون مكانًا يتفسحون فيه أو يتنزهون فيه، حين لا يجدون إلا أعمالهم، لأن هؤلاء يضيعون أوقاتهم، ويتلفون أموالهم، ويفسدون أخلاقهم، وكذلك ربما يكون معهم عوائلهم، ومن عجب أن هؤلاء يذهبون إلي بلاد الكفر التي لا يسمع فيها صوت مؤذن، ولا ذكر ذاكر، وإنما يسمع فيها أبواق اليهود، ونواقيس النصارى، ثم يبقون فيها مدة هم وأهلوهم وبنوهم وبناتهم، فيحصل في هذا شر كثير، نسأل الله العافية والسلامة.
وهذا من البلاء الذي يحل الله به النكبات التي تأتينا، والتي نحن الآن نعيشها كلها بسبب الذنوب والمعاصي، كما اقل الله تعالي: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: ٣٠) نحن غافون، نحن آمنون في بلادنا. كأن ربنا غافل عنان كأنه لا يعلم، كأنه لا يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
والناس يعصرون في هذا الحوداث، ولكن قلوبهم قاسية والعياذ بالله! وقد قال الله سبحانه:) وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) (المؤمنون: ٧٦) أخذناهم بالعذاب، ونزل بهم، ومع ذلك ما استكانوا إلي الله، وما تضرعوا إليه بالدعاء، وما خافوا من سطوته، ولكن قست القلوب - نسأ الله العافية-وماتت؛ حتى أصبحت الحوادث المصيرية تمر على القلب وكأنها ماء بارد، نعوذ بالله من موت القلب وقسوته، وإلا لو كان الناس في
1 / 24
عقل، وفي قلوب حية، ما صاروا علي هذا الوضع الذي نحن عليه الآن، مع أننا في وضع نعتبر أننا في حال حرب مدمرة مهلكة، حرب غازات الأعصاب والجنود وغير ذلك، ومع هذا لا تجد أحدًا حرك ساكنًا إلا أن يشاء الله، هذا لا شك أنه خطأ، إن أناسا في هذه الظروف العصيبة ذهبوا بأهليهم يتنزهون في بلاد الكفر، وفي بلاد الفسق وفي بلاد المجون والعياذ بالله!
والسفر إلي بلاد الكفر للدعوة يجوز؛ إذا كان له أثر وتأثير هناك فإنه جائز، لأنه سفر لمصلحة، وبلاد الكفر كثير من عوامهم قد عمي عليهم الإسلام، لا يدرون عن الإسلام شيئًا، بل قد ضللوا، وقيل لهم إن الإسلام دين وحشية وهمجية ورعاع، ولا سيما إذا سمع الغرب بمثل هذه الحوادث التي حصلت علي أيدي من يقولون إنهم مسلمون، سيقولون أين الإسلام؟! هذه وحشية!! وحوش ضارية يعدو بعضها علي بعض ويأكل بعضها بعضا، فينفر الناس من الإسلام بسبب أفعال المسلمين، نسأل الله أن يهدينا جميعًا صراطه المستقيم.
القسم الثاني: هجرة العمل، وهي أن يهجر الإنسان ما نهاه الله عنه من المعاصي والفسوق كما قال النبي صلي الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهي الله عنه» فتهجر كل ما حرم الله
1 / 25