Sharh Riyadh al-Salihin - Hutaybah
شرح رياض الصالحين - حطيبة
Nau'ikan
شدة العقاب على أخذ حقوق الناس
خطب النبي ﷺ في حجة الوداع، وفيها قوله ﷺ: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا، في شهركم هذا).
هذا الكلام لمن يعقل الشهر الحرام والبلد والحرام، في مناسك الحج والإحرام يقول لنا: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام)، كحرمة هذا اليوم العظيم يوم الحج الأكبر، في هذا الشهر ذي الحجة، في هذا البلد الحرام، فمن يعقل يعرف أن هذا اليوم يوم عظيم جدًا، وحرمة هذا اليوم شديدة يقول لك: حرمة المسلم كحرمة هذا اليوم.
وطالما أنا أعرف أن للمسلم حرمة إذًا كيف أقع في حرمة المسلم؟ كيف أغتابه؟ كيف أفسد بينه وبين غيره؟ كيف أتحمل مظلمة آتي يوم القيامة يسألني الله عنها، ويفضح الله ﷿ الظالم بسببها؟ من الأحاديث حديث عدي بن عميرة ﵁، عن النبي ﷺ قال: (من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه كان غلولًا).
المخيط: الفتيلة التي تدخل في الإبرة، يا ترى كم قيمتها؟ الإنسان قد يعمل في مكتبة ثم يأخذ دبوسًا من المكتب يدبس به الورق التابعة له، ثم ترمى، فهو مسئول على ذلك عند الله ﷿.
النبي ﷺ يقول: الذي نستعمله على عمل يأخذ منه إبرة أو مخيطًا فما فوقه كان غلولًا يأتي به يوم القيامة، والغلول قد جعلها النبي ﷺ أشد من السرقة.
فقام رجل أسود من الأنصار وقال: يا رسول الله! اقبل عني عملك، نحن تعودنا على المبالغة في الكلام، فكل إنسان يظن في نفسه أنه أمين، وأنه سيؤدي ما أمر الله ﷿ به، لكن هذا الرجل فهم أنه إذا كانت الإبرة سنعاتب عليها فأنا ممكن أنسى شيئًا أو آخذه دون تعمد، فقال: اقبل عني عملك هذا، لا أريد أن أشتغل لك في شيء، قال له النبي ﷺ: ومالك؟ قال: سمعتك تقول: كذا وكذا.
فقال له: هو ما قلت، أي فإن استطعت أن تعمل دون أن تمد يدك ولا على إبرة فاعمل، وهنا لم يستح النبي ﷺ أن يقول له ذلك.
وانظر إلى حديث وفد الأشعريين، فقد كانوا أناسًا طيبين جدًا! وكان النبي ﷺ يمدحهم بأشياء تدل على أنهم أهل تكافل وتعاون فيما بينهم، يأتي اثنان منهم مع أبي موسى الأشعري إلى النبي ﷺ فإذا بهم يطلبون من النبي ﷺ أن يستعملهم عنده على الصدقات أو على غيرها، فيقول لهم: (إنا لا نولي هذا العمل من طلبه).
يقول ﷺ: (إن أخونكم عندنا من طلب العمل)، يعني: أنه يختار شخصًا أمينًا نقيًا على جمع الصدقات من الناس ويوزعها، فهذا أمين لأن النبي ﷺ هو الذي اختاره، أما أن يذهب شخص إلى النبي ﷺ ويقول له: استعملني، فلا.
فكان هذا الجواب الشديد: (أخونكم عندنا من طلب العمل)، يعني: أكبر خائن عندي الإنسان الذي يأتي إلي يقول: استعملني على هذه الأشياء، وقال: (إنا لا نولي هذا العمل من طلبه)، صلوات الله وسلامه عليه.
4 / 6