Sharh Riyadh al-Salihin - Hutaybah
شرح رياض الصالحين - حطيبة
Nau'ikan
وجوب التحلل من المظالم في الدنيا
الحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: عن أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) رواه البخاري.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ عن النبي ﷺ قال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه) متفق عليه.
هذه أحاديث أخرى من كتاب رياض الصالحين للإمام النووي ﵀ في باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم، وقد ذكرنا آيات من كتاب الله ﷿ في تحريم الظلم، وأحاديث عن النبي ﷺ.
ومن الأحاديث هذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء) عند الإنسان لأخيه مظلمة، بأن ظلم أخاه يومًا مظلمة واحدة لا بد أن يتحلل منه، قال ﷺ: (فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).
يعني: لا بد أن يتدارك نفسه فالدنيا تمر وتزول، ويوم القيامة يوم العدل والحساب، الذي لا يؤدي الحقوق في الدنيا فسيؤديها يوم القيامة، وفي الدنيا سيؤدي المال مالًا ويمكن أن يعفو غريمه ويسامح، أما يوم القيامة فسيؤدي المال من حسناته.
والمفترض أن الإنسان يحتفظ بحسناته؛ لأنه لا يدري هل حسناته ستكفي بأن يدخل الجنة أو لا تكفي، وربنا أنعم على العبد بنعم لابد أن يشكر الله ﷿ عليها، يا ترى هل الأعمال التي عملها العبد تساوي شكر هذه النعم؟ قال ﷺ: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، إنما يدخل بفضل الله وبرحمته سبحانه).
فنعم ربنا تترى على عباده، ومهما عمل الإنسان من عمل فلن يوفي شكر هذه النعم، فهو غير قادر على أن يوفي شكر هذه النعم، وأيضًا قد يظلم الغير ولا يدري أن هذا الغير قد يسامحه، أو أنه يأتي يوم القيامة ويقول: هذا ظلمني أريد حقي من فلان! قال النبي ﷺ: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء)، قدم العرض لأنه أكثر مظالم الناس فيه، والعرض شيء معنوي، وهو محل المدح أو القدح، فعرض الإنسان كأن يقول: فلان كذاب، ففي هذه الحال طعن في عرضه.
وكذلك إذا قال: فلان مفتر فلان يأكل الرشوة فلان ظالم فهو يطعن في عرض هذا الإنسان، ومن ضمن الطعن في العرض أن يقول: فلان زان فلان يقذف المحصنات الغافلات فلان يفعل كذا.
من المظلمة في العرض: الغيبة والنميمة، بأن ينقل كلامًا من شخص لشخص، ويفسد فيما بينهما، فهذا من الطعن في عرض إنسان للإفساد بينهما، فهذا من ضمن المظالم التي سيدفع ثمنها يوم القيامة.
قال ﷺ: (من كانت عنده مظلمة من عرض أو من شيء) فـ (شيء) هنا نكرة في سياق الشرط فتعم، فمعناه: حتى لو كان شيئًا ليس له قيمة فسيحاسب عليه العبد يوم القيامة.
أحيانًا بعض الناس قد يتساهل في أمر المظالم في الأشياء التافهة، فقد يقول لك: أعطني القلم أكتب به، فيكتب ثم يضعه في جيبه، ثم يقول: أنا سأبحث عن صاحبه وأعطيه، وانتهى الأمر ولم يعطه؛ لأنه لا يوجد أحد يتابع بعده.
فهذه الأشياء التافهة هي من ضمن المظالم، فأنت ما يدريك أن صاحبه موافق على أخذه، ولعلك تأخذ الشيء فيقول صاحبه بعد ذلك: لن أعطي أحدًا شيئًا؛ لأنهم يأخذونها ولا يردونها، وتقول للإنسان: أعطني قلمك أكتب، فيقول لك: لا تنسه وتضيعه مثلما عمل الذي قبلك.
فأنت قد تستهين بالشيء وتمنع خيره غيرك، بغض النظر عن أنك ستؤديه يوم القيامة كما سنرى في بعض الأحاديث، قال لنا ﷺ: (قبل أن لا يكون دينار ولا درهم).
ورأينا في حديث النبي ﷺ كيف أنه خطب الناس وقال: (من كنت ظلمته في عرضه أو ماله فليستقد)، إذا كان النبي ﷺ يقول هذا الشيء وهو المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فغيره أولى أن يتحلل من الناس في شيء من عرض أو مال أو في الجسد أو غير ذلك، قبل أن يؤخذ منه حسنات يوم القيامة.
4 / 2