164

Sharh Riyad as-Salihin

شرح رياض الصالحين

فضل إكرام أهل بيت رسول الله وبيان فضلهم
من الأبواب الذي يذكرها لنا ﵁: إكرام أهل بيت رسول الله ﷺ.
وأهل بيت النبي ﷺ يطلق على بني هاشم والذين ذريتهم من قبيل السيدة فاطمة ﵂، وأولاد علي بن أبي طالب من غير فاطمة، وأولاد جعفر بن أبي طالب، وكذلك أولاد عقيل بن أبي طالب، وكذلك العباس عم النبي ﷺ وأولاده.
ونساء النبي ﷺ، قال الله ﷿: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب:٣٣] فكان السياق في ذكر نساء النبي ﷺ وأهل بيته، فهن من أهل بيته صلوات الله وسلامه عليه.
قال سبحانه: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج:٣٢] والشعيرة هي العبادة ومن العبادة حب الله ﷿، وحب رسول الله ﷺ، وحب آل بيت النبي صلوات الله وسلامه عليه.
يقول يزيد بن حيان: (انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم).
وهو صحابي فاضل له مناقب كثيرة وكان كبير في السن لما ذهب إليه هؤلاء.
قال: (فلما جلسنا إليه قال له حصين: لقد لقيت يا زيد خيرًا كثيرًا) يعني: نحن من التابعين ما رأينا النبي ﷺ، وأنت رأيت النبي ﷺ، وسمعت حديثه، وغزوت معه وصليت خلفه.
(لقد لقيت يا زيد! خيرًا كثيرًا، حدثنا يا زيد! ما سمعته من رسول الله ﷺ؟ قال زيد ﵁: يا ابن أخي! والله لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسبت بعض الذي كنت أعي من رسول الله، فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه! ثم قال: قام رسول الله ﷺ يومًا فينا خطيبًا بماء يدعى خمًا ما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد: ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب) صلوات الله وسلامه عليه.
التذكير بالموت، فيذكرهم صلوات الله وسلامه عليه بذلك حتى لا ينسوا وحتى يعلموا أنه بشر مثلهم صلوات الله وسلامه عليه، يأتي عليه القدر ويأتي عليه الموت كما يأتي عليهم، فيذكرهم ﷺ يقول: (فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين).
يعني: شيئين عظيمين وقال: (ثقلين) لثقلهما وعظمتهما وكبر شأنهما.
قال: (وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال: وأهل بيتي) وهذا الأمر الثاني الذي تركه النبي ﷺ فيهم.
قال: (وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ فقال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده) صلوات الله وسلامه عليه.
ونساء النبي ﷺ الكل يعرف قدرهن وسيراعي حقهن، وهن محرم عليهن الزواج بعد رسول الله وبالتالي ستنقطع ذرياتهن، أما باقي أهل بيت النبي فإنهم سيستمرون في التناسل، وينسى الناس أنهم من بيت النبي فلا يعرفون لهم قدرهم.
قال: (ولكن أهل بيته من حرم عليه الصدقة) فقد شرف الله ﷿ أهل بيت النبي ﷺ وحرم عليهم الصدقة التي سماها النبي ﷺ أوساخ الناس، فالصدقة (الزكاة) تحرم على النبي ﷺ وتحرم على آله بيته صلوات الله وسلامه عليه إلى يوم القيامة.
قال أي الحصين: (ومن هم؟ فقال: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، قال: كل هؤلاء حرموا الصدقة؟ قال: نعم).
فالغرض: أن المؤمنين من بني هاشم إلى قيام الساعة هم آل النبي ﷺ بنو العباس وبنو عقيل وبنو جعفر وبنو علي ﵃ فهؤلاء هم أهل بيت النبي ﷺ.
والغرض: أن النبي ﷺ أوصى بهم أن يراعوا، وأن يحبهم الإنسان، فقد كانوا أتقياء في حياة النبي ﷺ.
وكان من ضمن أقارب النبي ﷺ الأشقياء: أبو لهب الذي مات على الكفر والذي أخبر الله عنه وقال: ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ﴾ [المسد:١].
فالمقصود بآل بيته هم كل من والى الله ورسوله ﷺ، وكان من ذرية الذين ذكرنا، وكان مطيعًا لله ﷿، فإنه يحب بقرابته من النبي ﷺ، فحبه أولًا لطاعته لله ﷿ ولاتباعه لسنة النبي ﷺ، ويزيد عليه أنه من أقرباء النبي ﷺ ومن آل بيته، وقد أوصى النبي ﷺ بذلك.
في رواية أخرى قال: (ألا وإني تارك فيكم ثقلين: أحدهما كتاب الله وهو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على ضلالة)، فكتاب الله ﷿ هو النور من الله، أي: فيه الهدى والنور، فأمر النبي ﷺ أن يأخذ المسلمون بكتاب الله وأن يستمسكوا به، وقال لنا النبي ﷺ في الحديث: (وأهل بيتي)، وقال أبو بكر الصديق ﵁: (ارقبوا محمدًا في أهل بيته) صلوات الله وسلامه عليه.
وجاء في الأحاديث الأمر بالإحسان وصلة الأرحام، والإحسان للوالدين وللأقرباء وصلة الأرحام، وكذلك المعاملة بالمودة وبالرحمة مع أقربائهم، وإذا كان الإنسان يراعي أهل ود أبيه فليراع قرابة النبي صلوات الله وسلامه عليه بالتوقير والاحترام والإحسان، طالما أنهم على شرع الله ﷿، ومتبعون لهدي النبي ﷺ.
نسأل الله ﷿ أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وصلة الأرحام.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

16 / 8