116

Sharh Riyad as-Salihin

شرح رياض الصالحين

الوصية بحق الجار
والأحاديث التي جاءت عن النبي ﷺ كثيرة فمنها: حديث ابن عمر وعائشة ﵄ قالا: قال رسول الله ﷺ: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
وصية جبريل للنبي ﷺ بأن يحافظ على جاره ويحفظه ويصنع له خيرًا، وهذه الوصية للنبي ﷺ ولأمته، وهذه الوصية ليست من قبل جبريل وإنما هي أمر من الله ﷿.
ولقد أوصى الله تعالى في القرآن بوصايا فقال: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ﴾ [النساء:١١]، وذكر ميراث البنت والزوج والزوجة والأخ والأخت وغير ذلك، وظن النبي ﷺ أنَّ الله تعالى سينزل آيات فيها الوصية بميراث الجار، فقال: (حتى ظننت أنه سيورثه).
والجار إما أن يكون جارًا وقريبًا في الوقت نفسه ويكون مسلمًا، أو يكون جارًا كافرًا، أو يكون جارًا مسلمًا فهؤلاء لهم حقوق.
فإذا كان الجار مجاورًا وقريبًا ومسلمًا فله ثلاثة حقوق: الحق الأول: حق الجوار، جنبك وبجوارك فأنت ستعرف مدخله ومخرجه، ويحتاج إليك وتحتاج إليه.
والحق الثاني: حق الإسلام، وللمسلم على المسلم حقوق.
والحق الثالث: حق القرابة، إذا كان بينك وبينه رحم.
فإذا كان جارًا غريبًا ولكنه مسلم، فله حق الجوار وحق الإسلام عليك.
وإذا كان جارًا كافرًا فليس له إلا حق الجوار، فلا تؤذ جارك.
فهذه الحقوق التي أمرنا الله ﷿ بأدائها، فلو أن كل إنسان عرف الحقوق وأدَّى الواجبات لاستراح الناس، وكل إنسان يعرف الحقوق التي أوجبها الله على عباده، فقد شرع لنا منهاجًا للحياة نعيش تحت ظله، فنأتمر بأمره وننتهي بنهيه، فيجب علينا مراعاة حق الجار فنحافظ عليه.
والمحافظة عليه كانت معروفة في الجاهلية، وكانوا يعدون ذلك من مكارم الأخلاق، فكانوا يرون أن الجار له حق عظيم جدًا وخاصة إذا كان الجار ليس موجودًا فيراعون حق زوجته أو كريمته، ويغضون الطرف عنها، يقول عنترة بن شداد وهو شاعر جاهلي: وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها فلم يؤمروا بغض البصر وإنما كان عندهم احترام للجار.

13 / 4