Sharhin Risalar Nasiha
شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
Nau'ikan
[الكلام في مسألة حي]
[13]
وكل من كان عليما قادرا .... لذاته وناهيا وآمرا
وباطنا لخلقه وظاهرا .... وقابلا لتوبهم وغافرا
فذاك حي غير ذي اعتلال
لما فرغ من الكلام على أنه تعالى عالم، قادر؛ عقبه بالكلام في أنه تعالى حي، وإنما وجب تأخير هذه المسألة عن كونه تعالى قادرا وعالما؛ لأن الذي علمنا به ذات الباريء -تعالى- هو وقوع الفعل من جهته؛ ووقوع الفعل من جهته دلالة على قدرته، وترتيبه دلالة على علمه، وذلك واقع لنا بالمشاهدة والإعتبار، قبل خطور هذه المسألة رأسا بالبال؛ فلذلك أخرنا مسألة حي عن مسألة قادر وعالم، وإن كانتا يترتبان في الصحة عليها؛ لاستحالة كون من ليس بحي عالما وقادرا.
قوله: (وكل من كان عليما قادرا): يريد كل من كان عالما ومعنى عليم وعالم واحد؛ إلا أن في عليم معنى المبالغة، ومعنى (قادر) قد قدمناه في مسألة قادر.
قوله: (لذاته): يريد أن ذاته كافية في حصول هذه الصفة له تعالى من دون مؤثر من فاعل ولا علة؛ لأن الفاعل والعلة لا يؤثران إلا بشرط التقدم على المفعول والمعلول، وقد تقدم في دلالة حدوث الأجسام وأنه تعالى محدثها ما يدل على أنه تعالى قديم لاستحالة وجود الأجسام من المحدث ؛ فوجب ثبوت صفاته تعالى([24]) للذات، وإذا ثبت أنه عالم قادر وجب كونه حيا، لاستحالة صحة معنى العلم والقدرة لمن رفعنا عن أذهاننا كونه حيا كالميت والجماد وسيأتي ما يزيده بيانا بمشيئة الله تعالى.
وقوله: (وناهيا لخلقه وآمرا) النهي([25]): قول القائل لغيره لا تفعل على وجه الإستعلاء بشرط الكراهة، وهو نقيض الأمر.
إذ الأمر قول القائل لغيره: إفعل أو لتفعل على وجه الإستعلاء بشرط الإرادة.
وذكر الأمر والنهي، وقبول التوب والمغفرة له وجه صحيح في الإستدلال على أنه تعالى حي، وإن كان إثبات الإرادة والكراهة تترتب على العلم بالحياة من حيث أن دليلنا على إرادته تعالى وكراهته؛ لا يوجد إلا من وقوع أفعاله، على وجوه مختلفة ، فذلك ملازم لدلالة كونه تعالى عالما قادرا ؛ وإذا كان الأمر كذلك فهو تعالى لا يأمر إلا بما يريد، ولا ينهى إلا عما يكره.
Shafi 130