وإن كان محدثا فلا يخلو، إما أن يشغل الحيز عند حدوثه أو لا يشغله، فإن شغله فهو من قبيل الأجسام، وإن لم يشغله فهو من قبيل الأعراض، ولا يجوز أن يكون ما ذهبوا إليه من الطبع والإحالة جسما، لأن الأجسام تنقسم إلى حيوان وجماد، والجماد لا يصح الفعل منه؛ لأنه ليس بحي ولا قادر، والفعل لا يصح إلا من حي قادر، ولا يجوز إضافة هذه الأرزاق من الناميات والمائعات والجامدات إلى جسم حي؛ لأنه لا يكون حيا إلا بحياة، ولا قادرا إلا بقدرة؛ لاستحالة أن يكون حيا وقادرا لذاته لأن ذلك من صفات القديم، سبحانه، التي يستحيل حصولها في غيره لما يأتي بيانه فيما بعد إن شاء الله تعالى، والقادر بالقدرة لا يصح منه فعل الأجسام.
ولا يجوز أن يكون الطبع والإحالة من قبيل الأعراض، لاستحالة صحة الفعل من الأعراض؛ لأن الفعل لا يصح إلا من حي قادر، ويستحيل أن يكون العرض حيا قادرا؛ لأنه لو كان حيا قادرا لم يحل في غيره، ولوجب أن تكون حياته لذاته، فيكون مثل الله -تعالى- ولا مثل له على ما يأتي بيانه، والحيوة والقدرة لا يوجبان إلا بشرط الاختصاص، والاختصاص لا يكون إلا بالحلول، وحلول العرض في العرض محال، لأن أحدهما لا يكون حالا والآخر محلا أولى من العكس، وذلك يؤدي إلى أن لا ينفصل الحال من المحل، وذلك محال إذ يعلم كل عاقل متأمل أن صفة أحدهما غير صفة الآخر، فبطل أن يكون العرض قادرا ولا حيا، وإذا لم يكن حيا ولا قادرا إستحال وجود الأفعال من قبله، وهذه جمل تحتاج إلى شرح طويل أضربنا عنه ميلا إلى الإختصار كما وعدنا في أول الكتاب، فقد رأيت تهدم مذهب هؤلاء القوم فنعوذ بالله من التكمه في الضلالة، والخبط في ميدان الجهالة.
ومما يؤيد ما قلناه أن في هذه الأرزاق أثر الصنع والتدبير، وذلك لا يكون إلا من عليم قدير، وذلك ظاهر في الحيوانات والزرائع، وسائر الأرزاق التي تدل على وجود الصانع.
عدنا إلى شرح ألفاظ القافية:
Shafi 75