بسم الله الرحمن الرحيم سألتني - أدام الله توفيقك - أن ألخص لك شرح القصائد السبع، مع القصيدتين اللتين أضافهما إليها أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي - قصيدة النابغة الذبياني الدالية، وقصيدة الأعشى اللامية - وقصيدة عبيد بن الأبرص البائية تمام العشر، وذكرت أن الشروح التي لها، طالت بإيراد اللغة الكثيرة، والاستشهادات عليها، والغرض المقصود منها معرفة الغريب، والمشكل من الإعراب، وإيضاح المعاني، وتصحيح الروايات، وتبيينها، مع جميع الاستشهادات التي لابد منها، من غير تطويل يمل، ولا تقصير بالغرض يخل، فأجبتك إلى ملتمسك، واستعنت بالله عل شرحها، من غير إخلال بما يجب إيراده مع الاختصار، والله الموفق للسداد، والهادي إلى طريق الرشاد. معلقة امرئ القيس قال امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الملك بن عمرو المقصور - الذي اقتصر على ملم أبيه - ابن حجر آكل المُرَار بن عمرو بن معاوية بن الحارث الأكبر بن معاوية بن مرتع، وقال قوم: ابن معاوية بن ثور بن مرتع، وإنما سمي مرتعا لأنه كان من أتاه من قومه رتعه، أي جعل له مرتعا لماشيته - وهو عمرو بن معاوية بن ثور، وهو كندة بن عفير - وإنما سمى

1 / 2

كندة لأنه كند أباه نعمته، ويكنى أبا الحارث. (قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبِ وَمَنْزِلِ ... بِسُقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ) هو من الضرب الثاني من الطويل، والقافية متدارك. السقط: ما تساقط من الرمل، وفيه ثلاث لغات: سِقْط، وسَقْط، وسُقْطٌ. واللوى: حيث يسترق الرمل، فيخرج منه إلى الجدد. وقوله (قفا) فيه ثلاثة أقوال، أحدها: أن يكون خاطب رفيقين له. والثاني: أن يكون خاطب رفيقا واحدا فثنى؛ لأن العرب تخاطب الواحد مخاطبة الاثنين، قال الله ﵎ مخاطبا لمالك: (ألقيا في جَهَنَّمَ) وقال الشاعر: فإن تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ انْزَجِرْ ... وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمِ عِرْضًا مُمَنَّعَا أَبِيتُ عَلَى بَابِ القَوَافِي كَأَنَّمَا ... أُصَادِي بِهَا سِرْبًا مِنَ الوَحْشِ نُزَّعَا وقال الآخر: فَقُلْتُ لِصَاحِبي: لاَ تَحْبِسَانَا ... بِنَزْعِ أُصُولِهِ وَاجْتَزَّ شِيحَا والعلة في هذا أن أقل أعوان الرجل في إبله وماله اثنان، وأقل الرفقة ثلاثة، فجرى كلام الرجل على ما قد ألف من خطابه لصاحبه، قالوا: والدليل على ذلك إنه خاطب الواحد، والبصريون ينكرون هذا؛ لأنه إذا خاطب الواحد مخاطبته الاثنين وقع الإشكال. وذهب المبرد في قوله تعالى: (ألْقِيَا في جَهَنَّم) إلى إنه ثناه للتوكيد، معناه ألق ألق، وخالفه الزجاج فقال: ألقيا مخاطبة

1 / 3

الملكين وكذلك (قفا) إنما هو مخاطبة صاحبيه. والقول الثالث: إنه أراد قفن بالنون فأبدل الألف من النون، وأجرى الوصل مجرى الوقف، وأكثر ما يكون هذا في الوقف. و(نبك) مجزوم لأنه جواب الأمر، والجيد أن يقال: نبك جواب شرك مقدَّر، كأن التقدير قفا أن تقفا نبك؛ لأن الأمر لا جواب له في الحقيقة. ألا ترى أنك إذا قلت للرجل (أطع الله يُدخلك الجنة) معناه أطع الله أن تطعه يُدخلك الجنة، لأنه لا يدخل الجنة بأمرك، إنما يدخلها إذا أطاع الله. و(ذكرى) والذكر واحد، وقوله: (من ذكرى) من تتعلق بنبك، وذكرى جر بمن، وهي مضافة إلى الحبيب. والمنزل: نسق على الحبيب، والباء من قوله: (بسقط اللوى) يجوز أن تتعلق بقفا وبنبك وبقوله منزل. وقوله: (بين الدخول فحومل) دخول: موضع، وحومل: موضع آخر. وكان الأصمعي يرويه (بين الدخول وحومل) ويقول: لا يقال المال بين زيد فعمرو، إنما يقال: بين زيد وعمرو، ومن رواه (فحومل) بالفاء يقول: أن الدخول موضع يشتمل على مواضع، وكذلك حومل، فلو قلت: عبد الله بين الدخول - تريد بين مواضع الدخول - تم الكلام، كما تقول: دورنا بين مصر، تريد بين أهل مصر؛ فعلى هذا عطف بالفاء، وأراد بين مواضع الدخول وبين مواضع حومل. (فَتُوضِحَ فَالْمِقْرَاةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُهَا ... لمِاَ نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ) تُوضح والمقراة: موضعان، وهذه المواضع التي ذكرها ما بين إمرة إلى أسود العين، وأسود العين: جبل، وهي منازل كلاب.

1 / 4

وموضع (توضح والمقراة) جر عطف على حومل، والمقراة في غير هذا الموضع: الغدير الذي يجتمع فيه الماء، من قولهم (قريت الماء في الحوض) إذا جمعته. ومعنى قوله (لم يعف رسمها) قال الأصمعي: أي لم يدرس لما نسجته من الجنوب والشمال، فهو باق ونحن نحزن، ولو عفا لاسترحنا، وهذا كقول ابن أحمر. أَلاَ لَيْتَ المَنَازِلَ قَدْ بَلِينَا ... فَلاَ يَرْمِينَ عَنْ شَزَنٍ حَزِينَا أي فلا يرمين عن تحرف وتشدد. يقال (شزن فلان ثم رمى) أي تحرف في أحد شقيه، وذلك أشد لرميه. ويقال شَزَنٌ وشُزُنٌ بمعنى واحد. ومعنى البيت ليتها بليت حتى لا ترمى قلوبنا بالأحزان والأوجاع، وكان الأصمعي يذهب إلى أن الريحين إذا اختلفتا على الرسم لم تعفواه، ولو دامت عليه واحدة لعفته؛ لأن الريح الواحدة تسفي على الرسم فيدرس، وإذا اعتورته ريحان فسقت عليه إحداهما فغطته ثم هبت الأخرى كشفت عن الرسم ما سفت الأولى. وقيل: معناه لم يعف رسمها للريح وحدها، وإنما عفا للمطر والريح وغير ذلك. وقيل: معناه لم يعف رسمها من قلبي وهو في نفسه دارس، يقال: عفا الشيء يعفو عَفْوًا وعُفُوًا وعفاء؛ إذا درس، وعفاه غيره: درسه. وقوله: (لما نسجتها) ما في معنى تأنيث، والتقدير للريح التي نسجت المواضع، الهاء تعود على الدخول وحومل وتوضح والمقراة، ونسجت: صلة ما، وما فيه من الضمير يعود على ما، ومثله: أَلِفَ الصُّفُونَ فَلاَ يَزَالُ كَأَنَّهُ ... مِمَّا يَقُومُ عَلَى الثَّلاَثِ كَسيرًا أي كأنه من الخيل التي تقوم على الثلاث، أو من الأجناس التي تقوم على الثلاث، ويروى (لما نسجته) والهاء تعود على الرسم. وقال بعض أهل اللغة: يجوز أن يكون

1 / 5

ما في معنى المصدر، يذهب إلى أن التقدير لنسجها الريح، أي للتي نسجتها الريح، ثم أتى بمن مفسرة فقال (من جنزب وشمأل)؛ ففي نسجت ذكر الريح؛ لأنه لما ذكر المواضع والنسج والرسم دلت على الريح، فكنى عنها لدلالة المعنى عليها، ولم يجرأ أبو العباس أحمد بن يحيى أن يكون ما في معنى المصدر قال: لأن الفعل يبقى بلا صاحب، كأن أبا العباس لم يجز أن يكون في نسجت ذكر الريح، وفي الشمال لغات، يقال: شمال، وشمأل، وشأمل، وشَمَل، وشَمْلٌ، وشمول، قال الشاعر في الشأمل: وَهَبَّتِ الشّأْمَلُ الْبَلِيلُ، وَإِذْ ... بَاتَ كَمِيعُ الْفَتَاةِ مُلْتَفِعَا وقال آخر، وهو جرير في الشمْل بإسكان الميم: أَتَى أَبَد مِنْ دُونِ حِدْثَانِ عَهْدِهَا ... وَجَرَّتْ عَلَيْها كَلُّ نَافجةٍ شَمْلِ وقال عمر بن أبي ربيعة في الشمَل بفتح الميم: أَلَمْ تَرْبَعْ عَلَى الطَّلَلِ ... وَمَغْنَى الْحَيِّ كَالخِلَلِ تُعَفِّى رَسْمَهُ الأرْوَا ... حُ مَرُّ صَبًا مَعَ الشَّمَلِ وقال ابن ميادة في الشَّمُول: وَمَنْزِلَة أُخْرَى تَقَادَمَ عَهْدُهَا ... بِدِى الرِّمْثِ تَعفُوهَا صَبًا وَشَمُولُ (تَرَى بَعَر الأرْآم فِي عَرَصَاتِهَا ... وَقِيعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ)

1 / 6