ومعنى قوله : وعصفت به عصفها بالفضاء ، فيه معنى لطيف ؛ يقول : إن الريح إذا عصفت بالفضاء الذي لا أجسام فيه كان عصفها شديدا لعدم المانع ؛ وهذه الريح عصفت بذلك الماء العظيم عصفا شديدا ؛ كأنها تعصف في فضاء لا ممانع لها فيه من الأجسام .
الساجي : الساكن . والمائر : الذي يذهب ويجيء . وعب عبابه : أي ارتفع أعلاه . وركامه : ثبجه وهضبه . والجو المنفهق : المفتوح الواسع . والموج المكفوف : الممنوع من السيلان ، وعمد يدعمها : يكون لها دعامة . والدسار : واحد الدسر وهي المسامير .
والثواقب النيرة : المشرقة . وسراجا مستطيرا ، أي منتشر الضوء ؛ يقال : قد استطار الفجر ، أي انتشر ضوؤه . ورقيم مائر ، أي لوح متحرك ، سمي الفلك رقيما تشبيها باللوح ، لأنه مسطح .
فأما القطب الراوندي فقال : إنه عليه السلام ذكر قبل هذه الكلمات أنه أنشأ حيوانا له أعضاء وأحناء ، ثم ذكر ههنا أنه فتق السماء ، وميز بعضها عن بعض ، ثم ذكر أن بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام ، وهي سبع سموات ، وكذلك بين كل أرض أرض ، وهي سبع أيضا . وروى حديث البقرة التي تحمل الملك الحامل للعرش ، والصخرة التي تحمل البقرة ، والحوت الذي يحمل الصخرة .
ولقائل أن يقول : إنه عليه السلام لم يذكر فيما تقدم أن الله تعالى خلق حيوانا ذا أعضاء ، ولا قوله الآن : ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، هو معنى قوله تعالى : ' أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما ' ، ألا تراه كيف صرح عليه السلام بأن البارئ سبحانه خلق الهواء الذي هو الفضاء ، وعبر عن ذلك بقوله : ثم أنشأ سبحانه فتق الأجواء ، وليس فتق الأجواء هو فتق السماء ! فإن قلت : فكيف يمكن التطبيق بين كلامه عليه السلام وبين الآية ؟ قلت : إنه تعالى لما سلط الريح على الماء فعصفت به ، حتى جعلته بخارا وزبدا ، وخلق من أحدهما السماء ومن الآخر الأرض ، كان فاتقا لهما من شيء واحد ، وهو الماء . فأما حديث البعد بين السموات وكونه مسيرة خمسمائة عام بين كل سماء وسماء ، فقد ورد ورودا لم يوثق به ؛ وأكثر الناس على خلاف ذلك وكون الأرض سبعا أيضا خلاف ما يقوله جمهور العقلاء ، وليس في القرآن العزيز ما يدل على تعدد الأرض إلا قوله تعالى : ' ومن الأرض مثلهن ' ، وقد أولوه على الأقاليم السبعة . وحديث الصخرة والحوت والبقرة من الخرافات في غالب الظن ، والصحيح أن الله تعالى يمسك الكل بغير واسطة جسم آخر .
ثم قال الراوندي : السكائك : جمع سكاك ، وهذا غير جائز ، لأن فعالا لا يجمع على فعائل ؛ وإنما هو جمع سكاكة ، ذكر ذلك الجواهري .
Shafi 60