Sharhin Wahalar Sha'irin Mutanabbi
شرح المشكل من شعر المتنبي
وإن شئت كان) مَنْ (هو المفعول الأول، و) ها (من) بلغتها (هو المفعول الثاني. وهذا كما تقول: كَسَوْتُ زيدًا الثوب، وكسوت الثوب زيدًا. و) حسناء (ها هنا: صفة أقيمت مقام الموصوت، اي امرأة حسناء. وقد غلبت هذه الصفة غَلَبة الأسماء، وهي من باب) فعلاء (التي لا أفعل لها من جهة السماع.
وله ايضا:
) تَعسَ المهَارى غير مَهريٍّ غَدا ... بُمصورٍ لبس الحرير مُصورا (
تعس المَهاري: دعاء على نوع المهاري، وهي إبل منسوبة إلى مهرة ابن حيدان. وإنما دعا عليهن، لأنهن جُندُ البينَ، ومُقطٍّعةٌ ما بين الحبيبين، اي أتعسهُن الله فلا انتعشنَ. ثم استثنى منها) المَهري (الذي ركبته محبوبتُه.
وقد كان أولى أن يُدعى عليه من سائر المهاري، لانفراده بالحبيب، وحمله إياه، لكن استثناه، لأنه يحمله، فيقيه الرُّجلة، وما يلحق معها من الكسل والكَلَل. وقوله:) بمصور (: اي بستر رُقم عليه صورة شخص قد لبس حريرًا مصورًا، ومن عادة عقائل العرب رَقم الحجال، كقوله:
كأن فُتاتَ العِهن في كل منزلٍ ... نَزلنَ به حبُّ الفنَا لم يُحطمِ
وذلك أن حب الفَنا أخكر، مالم يكُسر ذهبت حمرته.
وإن شئت قلت:) بمصور (: يعني هودجًا عليه حرير مصور، وإنما جعل الهودج مصورًا، لأنه ذو شكل، وكلُ شكلٍ مُصور.
) نافستُ فيه صُورةً في سترها ... لو كُنتُها لَخفيتُ حتى يظهرا (
كان دُون هذا المحبوب ستر فيه صُورة. فيقول: حَسَدت هذه الصورة على قربها منه. فلو كنت مكان الصورة، أو كنت إياها: لَخَفِيتُ فزُلت عن وجهه، ليزول الستر، فتظهر للعيون.
فإن قلت: لا يلزم زوال الستر الحامل الصورة، لمكان زوال الصورة، لأن الصورة تخطيط موضوع فيه، والتخطيط عَرَض.
قلنا: لو ارتفعت الصورة المنتقشة في ذات الستر، لارتفع الجوهر الحامل لها. وإنما ارتفاع التخطيط عن المخطوط، وبقاء الجوهر بعد ذلك مُتَوَهمٌ لا مَوجُود.
وإذا تأملت البيت فهو شعري لا حقيقي، لان من الصور الموضوعية في الثياب ما يمكن إزالته، ومنها مالا يمكن. وأحسن مافي ذلك أن يقال: إن المتنبي عنى الصورة بالخرقة الحاملة لها.
) لاَتتربِ الأيدي المُقيمةُ فوقهُ ... كِسرى مُقام الحاجبِيِن وقيصرا (
كِسرَى وكَسرَى: لغتان. واختار ابن السكيت الكسر. وقالوا: تَرب الرجل: قل مالُه، وأترب: كثر ماله. اي لا تفتقر الأيدي المصورة التي أتقنت هذه الصورة صنعًا، وأجادتها وضعًا، فأقامت كسرى وقيصر ملكي فارس والروم لها مُقام الحاجبين، فحجباها وإنما عنى بذلك صورتيهما لا ذواتهما، لان ذلك ليس في الإمكان، إذ الصورة الصناعية لا تقبل طبيعة الحيوان.
) ولو استطعتُ إذا اغتدت رُوادُهُم ... لمنعتُ كل سحابةٍ أن تقطُرا (
الرُّوادُ: منتجو الكلأ، وافتراق العرب من حلالها إنما هو للنجعة بهم، يقدمون الرُّواد ليخبروهم بمواقع الماء، في مواضع الكلأ. وفي المثل:) لايكذب الرائدُ أهله (. فإذا أخبرهم بوجود ذلك ظَعنوا. وان أخبرهم بعدمه، سكنوا فلم يظعنوا. فإذن إنما سبب الفراق نزول المطر، وظهور الخُضر. فيقول: لو كان في قوتي أن تطيعني السحاب، لنهيتهن عن المطر، لئلا يجد رائدهم أرضًا مُخصبة، ولا روضة مُعشبة، يدعوهم إليها، ويدلُّهم عليها. فلو كان ذلك من قوتي لم يفارقوني.
) فإذا السحابُ أخو غُراب فراقهمْ ... جعل الصَّياحَ ببينِهْم أن يُمطرا (
1 / 96