Sharhin Wahalar Sha'irin Mutanabbi
شرح المشكل من شعر المتنبي
) أنالهُ الشرف الأعلى تقدُمُهُ ... فما الذي بتوقي ما أتى نالُوا (
اي توخي التقدم في جوده وجُرأته، فنال بهما الشرف، على أن الجود يفقر، والجُرأة تُهلك. فما الذي ناله غيره بتوقيه القفر إن جادَ، والموت إن أقدم؟ وله ايضا:
) وَصلت إليك يدٌسواء عندها البازى ... الأشيهبُ والغُرابُ الأبقعُ (
يعني بذلك الموت، جعل له يدًا، لقولهم: أخذه الموت إذا الأخذ أكثر ما يكون باليد. ولذلك سَموا القُوة يدًا، لأنها إنما تكمل باليد، اوقعوا اسم الجارحة على العَرَض. وقوله:) سواء عندها البازى الأشيهبُ والغُرابُ الأبقعُ (: ضرب البازي مثلًا للأرفع، والغراب الأبقع مثلا للأوضع، اي الموت يُسوى بين الفاضل والمفضول، والرفيع والوضيع، حتى لا يفرق بينهما، بل هما متساويان فيه، وكلاهما طُعمة لفيه، فهو نحو قول الآخر:
لو كُشفت للناس أغطيةُ الثرى ... لم يُعرف المولى من العبدِ
اي قد استويا في التغير بالمنزلةز ونحو قول المتنبي ايضا:
يموتُ راعي الضأن في جهلهِ ... مِيتة جاليُنوسَ في طِبه
وقوله:) سواء عندها (: خبر مبتدأ مقدم، والبازى الأشيهب، مبتدأ. وانما آثرنا ذلك، لان) سواء (نكرةٌ وإن تقوى بقوله:) عندها (. و) البازى الأشيهب (معرفة. وإذا اجتمع معرفة ونكرة فالمبتدأ المعرفه، والخبر النكرة، ألا ترى أن سيبويه لما قال في قوله: مررت برجل سواء هو والعدلُ، حين فرغ من الجر،) وإنما جعلت هو مبتدأ، حذرًا أن يوُهمك أن) سواء (هو المبتدأ (.
وقطع ألف الوصل في قوله:) والبازى الأشيهب (لانه في أول المصرع الثاني، فكأنه آخذ في بيت آخر. وهذا مما أجازه سيبويه في الأنصاف خاصة. قال: إن الأنصاف مواضع فُصول وأنشد:
ولا يُبادُر في الشتاء وليُدنا ... القدر يُنزلُها بغير جمالِ
) وَتصالحتْ ثمرُ السياط وَخيلُهُ ... وأوَت إليها سُوقُها والأذرُعُ (
ثمر السياط: عُقد عذباتها. وقيل: أطرافها، وهو الصحيح. وجعل الثمر لها تنممي استعارة، وحسن ذلك أن الثمرة إنما تكون في طرف العود. وإما ما رُوى عن مجاهد في قوله تعالى:) وكان له ثمر (من أن) الثمر (الذهب والفضة، فإنما هو عندي على التفاؤل وذلك أن الذهب والفضة جماد، والجماد لا ينمي والثمر نام، فسُمي هذا الذي لا ينمى باسم الذي ينمى تفاؤلا. يقولم إنه كان يُديم ضرب الخيل بالسياط، لحرب عدو، او لمحاولة فتنة، او لطرد قنص، فكأن السياط كانت محاربة للخيل تؤلمها، والخيل محاربة لها، بكراهتها إياها، فالآن إذا مات لم يبق من يزجُرُ خيلًا إلى الحرب، ولا نهب، ولا طرد، فكأن ثمر السياط قد صالحت خيله حتى سكنت إليها سوقها وأذرعها، لما فقدته من ضربها. وقوله: أوت: اي رجعت آمنة لها، ساكنة إليها.
وله ايضا:
) حتأم نحُن نُساري النجم في الظلمِ ... وَما سُراهُ على خُف ولا قَدَم (
يعجب من طول مساراته للكواكب، على أن سُراه هو متكلف. وسرى الكواكب طبيعي فيقول: كيف أقدر بهذه السُّرى المتكلفة على مسايرة النجم ونحن على خف وقدم، وكلاهما حيوان، وذلك نور يسير بجرية الفللك؟ وحذف الألف من) ما (لان) ما (إذا اتصلت بحرف الجر في حد الاستفهام حذفت منها الألف، فحتى بمعنى إلى، فكانه قال:) إلى ما؟ (إلى إلى اي وقت؟
) وضلاَيُحسُّ بأجفان يُحس بها ... فقد الرُّقادِ غريبٌ بات لَم يَنم (
اي والنجم مع خفة السُّرى عليه، وهوانها لديه، لا يُمنع رقادًا كما نمنعه نحن، فكلفتنا أشد، بل الكُلفة لنا خاصة. ومعنى قوله:) فقد الرقاد (: لطيف، لان ما ليس في طبعه أن يَرقُد، لا يقال فيه) فَقد رُقادًا (وإنما اراد أن النجم ليس بحيوان يغذوه النوم، ويُصلح شأنه، فإذا سرى فقدَ الرقاَ فآذاه ذلك. وقوله:) ولا بحس بأجفان (: نَفي عنه الأجفان، لان الجفن إنما لذي الرُّوح.
فيقول، ليس النجم بذي رُوح فيكون له جفن ينفعُه الكَرىَ، ويضره السَّهر. وبنفي هذا العضو الجسماني، أخرج النجم من النوع الحيواني.
) وَنترُكُ الماء لا ينفك من سفرٍ ... ما سارَ في الغيمِ منه سار في الأدمِ (
1 / 93