Sharhin Wahalar Sha'irin Mutanabbi
شرح المشكل من شعر المتنبي
) فإن فارقتني أمطارُهُ ... فأكثر غُدرانها ما نضب (
المطر: ذو مادة: والغدير لا مادة له؛ إنما هو القطعة من الماء؛ يغادرها السيل، اي يتركها؛ فجعل عطاياه أمطارًا، لكونها ذات مادة؛ وجعل ما حصل عنده من عطايا - وقد انقطع جوده عنه بفراقه له - بمنزلة الغُدران التي لا مادة لها. فيقول: إن كنتُ رحلتُ عنه وانقطعت عني جوائزُ، فقد جمعت من سوالقها وعوارفها مالم ينفذ أكثرها بعد.
) وَيَسْتنصران الذي يعُبدانِ ... وعندهما أنه قد صُلبْ (
يسفه النصارى، ويستضعف أخلاقهم حين يتنصرون بالمسيح ﵇ وهم يعتقدونه ميتًا مصلوبًا، ولم ينصر نفسه حينئذ.
وله ايضا:
) كفى بك داء أن نرى الموتَ شافيا ... وحَسبُ المنَايَا أن يكُن أمانيا (
الفرق بين الباء التي في) بك (وبين التي في قوله تعالى:) وكفَى باللهِ شهيدًا (أن الباء في كفى بالله داخلةٌ على الفاعل. وفي بك داخلة على المفعول، اي كفاك داء. ويجوز أن يكون كفى بدائك داء، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مُقامه، وداء في كل ذلك نصب على التميز. ومعنى البيت: كفى بما تلقاه من شدة الزمن، وتناهي المكروه، حتى أدى لك إلى تمني الموت، واعتدادك به شافيًا يعظم بذلك مثونة ما يلقاه. ومن العَجَشب أن يُلاقي الإنسان بلية، تجعلُ المنية من أجلها أمنية.
) تمنيتها لما تَمَنيت أن ترى ... صديقًا فأعيا أو عدوا مُدايا (
اي تمنيت المنية حين تمنيت صديقًا مصافيًا، أو عدوًا مداريًا، فكلاهما أعوزك وأعياك. فأما تمنيه الصديق فسجية مألوفة، وأمنية معروفة؛ لأنه ريحانة الفؤاد، وإنما هو الصديق المخلص الوداد.
واما تمنيه العدو المداجيا، فهو الخطب العجيب، والخبر الغريب، لأنل لا نعلم أن أحدًا تمنة لقاء عدُو، ولكنه إنما عرض بأنه فقد العزة، ولم يُؤت ما كانت همته له لا مَحةً اليه، وعينه طامحة عليه، فنَدر بذلك قدرُة، وهان على عدوه خَطَرُه؛ فجاهر بمداجاته، ولم يتكلف مداراته، تهاونًا منه به، ولو كان على عدوه قديرًا، أو في نفسه خطيرًا، لتكلف له المداجاة، وبين أنه إنما يُلاينُك عدوك ويداجيك، إذا رآك بحال يحذر بها منك.
يقول: أنا لا صديق يُصفني، ولا عدو يداجيني، فأية ملأربة لي في الحياة؟ بل أحب إلى منها لقاء الوفاء.
) حببتُك قلبي حُبك من نأي ... وقد كان غدارًا فكُن أنت وافيا (
) من نأى (: يقول لسيف الدولة. يقول لقلبه: أنا أحببتك قبل حبك لهذا النائي، وصحبتك قبل إياه فعليك أن تبقى لي؛ وتسلو عن هذا الغادر الذي يستعمل الوفاء لي؛ فإنك لم تفعل فقد عذرتني بحبك هذا الذي غدرني؛ ولو أسعده الوزن بأن يقول: وقد كان غادرًا؛ ليُطابق قوله وافيًا؛ لكنا أذهب في الصناعة، وأدل على الاستطاعة. وقلبي: نداء مضاف؛ اي ياقلبي. ولا يجوز أن يكون بدلًا من الكاف؛ لان المخاطب لا يبدل منه كما لا يبدل من المخبر عن نفسه لان المخاطب والمخبر عن نفسه قد أمن التباسُهما، فقد أغنى ذلك عن الإبدال منهما إذ البدل إنما هو البيان.
قال سيبويه: فإن قلت: بي المسكين كان الأمر، أو بك المسكين مررت، لم يجز. ثم احتج بمثل هذا الذي ذكرت لك.
) تماشي بأيد كلما وافتِ الصفا ... تَقَشنَ به صدر البُزاةِ حوافيا (
تماشي؛ يعني الخيل، اي تتماشى بأيد قد سقطت نعالها من السفر. وما في الطريق من الحصى والمدر، لكن حوافرها شداد حداد. إذا وافت الصفا - وهي أصلب ما تكون من مواطن الحجر - نقشت فيها أمثال صدور اليزاة لشدتها. وصدر: مفرد موضوع موضع الجمع، لانه مضاف إلى جمع. وهو كثير فلي النظم ومنثور الكلام. كقوله تعالى:) إنَّ المُتَّقين في جَنّاتٍ ونهرْ (اراد؛ وأنهار. لان مياه الجنة أنهار لا نهر واحد. ألا تراه يقول كثيرا في وصف الجنة:) تًجْري من تَحْتِها الأنهارُ (وقال:) فيها أنهارُ من ماء غير آسنٍ (إلى آخر الآية.
واما في الشعر فقوله:
لاتنُكروا القتلى وقد سُبيناَ ... في حلقكُمْ عظمٌ وقد شجينا
ورواه بعضهم:) صُدر البُزاة (اراد؛ جمع) أصدر (وهو العظيم الصدر. ولا يعجبني. إن الحافر إنما يصون صدر البازي - لو صور - لا جملة البازي كلها. والصفا: جمع واحدته:) صفاة (، وألفه منقلبة عن واو، لقولهم: الصفوان والصفواء.
1 / 83