Sharhin Wahalar Sha'irin Mutanabbi
شرح المشكل من شعر المتنبي
وقد يتوجه المعنى على أنهم أبصروا الطعن في قلوبهم دراكًا بالقرع قبل أن يروا نفس الرماح، كأن القرع قتلهم.
وليس قول من قال إن البيت مقلوب العجز والصدر، لان ذلك فاحش يذهب إلى أنه اراد: أصروا الرماح خيالًا، قبل أن يبصروا الطعن في القلوب دراكًا، استدلالًا بقوله:
يرى في النوم رُمحك في كُلاه ... ويخشى أن يراه في المنامِ
) اي عين تأملتكَ فلاقتْ ... كَ وطَرْفٍ رَنَا إليك فآلا (
اي أنك مُتهيب، فإذا رأتك العين تغشتها هيبتكُ، ولم تَتمل، منك فتصفك وصف من لقى الموصوف، وأيُّ طرف رَنَا إليك، فأنكر أن شعاعك يغلبه ويهرُه، فيمنعهُ إدامة النظر إليك، وكره عليك كقوله هو فيه:
كأن شعاع ضوء الشمس فيه ... ففي أجسامنا عنه انكسارُ
أراد:) أيُ طرف (، فاجتزأ بالأول عن الثاني، كقولهم، أينا فعل ذلك أخراه الله، أراد) أيى وأيك فَعل (. من أبيات الكتاب:
فأيي ما وأيكَ كان شرا ... فسبق إلى المنيةِ لا يراها
) كُلما أعجُلو النذير مسيرًا ... أعجلتهمُ جيادُهُ الإعجالا (
اي كلما آب إليهم المنذر بإقبال خيل سيف الدولة مُعْجلا سبقوه، كأن ذلك قد وَقع في روعهم قبل الإنذار، فُتعجِلُهُم خيلهُ عن العجلة التي تكلفُوها للهرب فخيلُ سيف الدولة منهم، في إعجالها إياهم، بمنزلتهم من النذير، في إعجالهم إياه.
) رُب أمر أتاك لا تعحمدُ الفُعال ... فيه وتحمدُ الأفعالا (
هؤلاء جيش من الروم، تزلوا على) الَدثَ (فنذروا بعسكر سيف الدولة، فانهزموا، فالانهزام محمود، والمنهزم غير محمود على ذلك، لأنهم فروا وخلوا له سبيله، اضطرارًا لا اختيارًا. والمضطر غي محمود على فعله، وإن كان فعله في ذاته حميدًا. وهذا كقوله هو:
فولى وأعطاك ابنه وجُنودهُ ... جميعًا، وما أعطى الجميعَ ليُحمدا
) وَقسى رُميت عنها فردت ... في قُلوب الرُّماةِ عنك النصالاَ (
اي رموك فأخطئوك، ورميتهم أنت فأصبتهم.
) أخذوا الطرقَ يَقصَعُون بها الرُّسل ... فكَان انقطاعُها إرسالاَ (
اي لما قطعوا الطُرقٌ، فلم يمكن الإرسال، استمع الناس وتطلعوا إلى عرفان الأنباء، فأحوجهم ذلك إلى إنعام البحث، حتى عرفوا مع انقطاع الرسُل، ما كانوا يعرفون بالإرسال أو اكثر، فكأن الانقطاع صار إرسالًا حين أنتج من معرفة أخبار الأعداء، وما كان يُنجه الإرسال.
) ما مضوا لم يُقاتلوك ولكنَّ ... القتال الذي كَفاكَ القتالا (
) لم يقاتلوك (: جملة في موضع الحال، اي هؤلاء - وإن لم يقاتلوك - فما مضوا غير مقاتلين لك. وذلك القتال هو علمهم بظفرك بهم، وعلمهم باعتيادك إبادتهم، وهو الذي حملهم على ترك القتال، فهو الذي كفالك القتال.
فقوله:) القتال (، نصب بلكن، و) الذي (؛ خبر لكن؛ اي، ولكن القتال القديم الذي علموه منك، هو الذي كفاك القتال أن.
) والثباتُ الذي أجادوا قديمًا ... علم الثابتين ذا الإجفالا (
اي لما ثبت للهاجمين منهم فبادوا، امتثل هؤلاء خلاف ذلك. خشية أن يحُل بهم ماحل بأوائلهم، فهربوا وأجفلوا، وكانوا من ذوى النجدة والثبات.
) بَسطَ الروعَ في النُّهير يمينًا ... فَتَولوا وفي الشمال شمالا (
إن شئت قلت: أتاهم الروع من أيمانهم وشماثلهم. وإن شئت قلت: ضاعف الرَّوْع عساكر سيف الدولة في عيونهم، ففروا ولم يَثبُتوا.
وله ايضا:
) يَقْمُصن في مثل المُدى من باردٍ ... يذرُ الفُحول وهُن كالخصيانِ (
القٌماص. والنزوان، حكى سيبويه عن العرب أفلا قماص بالعير، وقال هو مثل هذا الماء الذي ذكر المتنبي) أرسناس (داثم البرد مَشتى ومصيفًا، وكانت هذه الغزوة صيفية. فيقول: إن هذا الماء خصى الخيل، وآلمها البردُ إيلام المدى، وهي السكاكين، حتى قلص ذلك البرد الخصى، فعاد الفحلُ منهن كالخصي. وقال:) من باردٍ (، فوضع الصفة موضع الموصوف، لانه قواه بالنعت، وهي الجملة التي هي قوله:) يذر الفحول (فصارت الصفة كالاسم، بما هيأ لها من الوصفز ولولا ذلك لَقَبحُ. قال سيبويه: لو قلت ما أتاني اليوم إلا قوى، وإلا باردًا، لم يكن في قوة قولك: ما أتاني اليوم إلا رجلٌ قوى، وإلا ماء باردًا.
) والماء بين عَجَاجتينِ مُخلصٌ ... تتفرقانِ به وتلتقيفانِ (
1 / 77