ثم انخلع عن ذلك كله، فأقبل على العبادة، وخرج من بغداد قاصدًا بيت الله الحرام لأداء الحجِّ، وكان ذلك في ذي القعدة من سنة (٤٨٨) هـ (١)، ودخل بعد الحجِّ دمشق فلبث بها قليلًا، ثم انتقل منها إلى بيت المقدس، وأقام به مدة، ثم عاد إلى دمشق وأقام بها نحوًا من عشر سنين في الاعتكاف والعبادة والاجتهاد في الطاعة، وصنَّف كتابه إحياء علوم الدين وغيره في هذه الفترة (٢).
ثم قصد مصر وأقام بالاسكندريَّة مدة (٣)، ثم قفل راجعًا إلى خراسان، فمرَّ ببغداد ولم يقم بها طويلًا، وقد عقد بها مجلسًا للوعظ، وحدَّث بكتابه الإحياء (٤). ثم خرج منها متوجِّهًا إلى وطنه طوس، فلازم بيته مشتغلًا بالتفكر والعبادة. فلمَّا آلت الوزارة في بغداد إلى فخر الملك الحَّ عليه والتمس منه التدريس وشدَّد عليه في ذلك، فأجابه الغزالي إلى ما أراد، فقدم نيسابور فدرَّس بنظاميَّتها وجلس للإفادة (٥).
ثم ترك التدريس بها، وعاد إلى بيته، واتخذ في جواره مدرسة لطلبة العلم، ورباطًا للصوفيَّة، فكان يتردد بينهما للعبادة والتدريس (٦). ثم كان خاتمة أمره إقباله على الحديث، ومجالسة أهله، ومطالعة الصحيحين وغيرهما، واستمر على هذه الحال حتى وفاته (٧).
_________
(١) انظر: وفيات الأعيان ٣/ ٢١٧، طبقات السبكي ٦/ ١٩٧.
(٢) انظر: المصدرين الأخيرين.
(٣) انظر: وفيات الأعيان ٣/ ٢١٧، طبقات السبكي ٦/ ١٩٩.
(٤) انظر: طبقات السبكي ٦/ ٢٠٠، مؤلفات الغزالي ص: ٢٤.
(٥) انظر: السير ١٩/ ٣٢٤، البداية والنهاية ١٢/ ١٨٦.
(٦) انظر: المرجعين السابقين، وطبقات السبكي ٦/ ٢١٠.
(٧) انظر: تبيين كذب المفتري ص: ٢٩٦، طبقات السبكي الموضع السابق.
المقدمة / 20