والثاني: أن الشكر على نعم الله كالاستهزاء به، كمن شكر ملكًا عظيمًا على لقمة وصلت إليه من جهته، بل اللقمة بالنسبة إلى الملك أعظم قدرًا من الدنيا كلها بالنسبة إلى الله ــ تعالى ــ فربما يكون الشكر حينئذٍ سببًا للعقاب فكان العقاب محتملًا.
ولقائل أن يقول: على الأول احتمال العقاب بترك الشكر، إما أن يكون واقعًا في نفس الأمر، أو لا. فإن كان الأول فالأمن منه من أجلّ الفوائد، وإن كان الثاني لزم أن تكون مواعدة الأنبياء بعد مجيئها على خلاف ما في الواقع وذلك باطل، بخلاف الشكر فإن الأنبياء لم يواعدوا عليه أصلًا.
لا يقال: الأنبياء لم يخبروا إلا بعد ورود الشرع، وليس الكلام فيه؛ لأن الاحتمال هو الامكان فلا يتحدد.
وأن يقول: التصرف في ملك الغير بغير إذنه لا يجوز مطلقًا، أو إذا تضرر به الغير. والأول ممنوع، والثاني مسلم، لكنه لا يتضرر، وسيجئ في كلامه.
وأن يقول: إن أريد بالإذن، إذن الشرع فهو عين النزاع، وإن أريد غيره، فلم لا يجوز أن يكون الاقتضاء العقلي إذنًا.
وأن يقول: احتمال العقاب إنما يكون بارتكاب قبيح، والقبح إن كان شرعيًا فخلاف المفروض، وإن كان عقليًا لزم مدعاهم.
وأما مسألة: الحكم على الأشياء قبل الشرع:
فمذهب الأشاعرة: أن الأفعال قبل الشرع لا حكم لها؛ ضرورة عدم