317

Sharhin Maqasid a Ilmin Kalam

شرح المقاصد في علم الكلام

Mai Buga Littafi

دار المعارف النعمانية

Lambar Fassara

الأولى

Shekarar Bugawa

1401هـ - 1981م

Inda aka buga

باكستان

السادس أنه يجوز أن يؤثر الطاري في عدم السابق بشرط أن يسقط من الطاري مثل السابق من غير لزوم محذور والجواب أنه يعود الكلام في سقوط ذلك القدر من الطاري ويلزم المحذور نعم يتجه على الوجه الأخير أنه لو جعل زوال كل من الاستحقاقين بالآخر بأن يزيل جزء من هذا جزأ من ذلك وبالعكس إلى أن يفنى الأقل بالكلية ويبقى من الأكثر القدر الزائد لم يلزم شيء من المحالات لأنه يكون مزيلا للجزء الأخير من الأقل إلا أن الإمام إنما أورد هذا البرهان فيما إذا استحق المكلف عشرة أجزاء من الثواب ثم فعل معصية استحق بها عشرة أجزاء من العقاب فلا يرد عليه هذا لكن يتجه أن البيان يختص بما إذا تساوى الاستحقاقات والمعتزلة اضطربوا في مثله وزعم أبو هاشم أنه لا يجوز وقوع ذلك لأن المكلف إما في الجنة أو في النار وأجيب بأنه يجوز أن يرجح جانب الثواب فينزل برحمة الله تعالى منزل الكرامة ويحل بفضله دار المقامة أو يجمع بين الثواب والعقاب من غير خلوص أحدهما أو لا يثاب ولا يعاقب ويكون من أصحاب الأعراف على ما ورد في الحديث ويمكن دفع استدلال الإمام بأن الاستحقاق اعتبار شرعي ليس له تأثير وتأثر حقيقي وفناء بعد وجود بل معنى إحباط الطاعة أو استحقاق الثواب أن الله تعالى لا يثيب عليها ومعنى الموازنة أنه لا يثيب عليها ولا يعاقب على المعصية بقدرها من غير أن يتحقق في الخارج استحقاقات بينها منافاة ومفاناة وأما الثواب والعقاب فلا وجود لهما إلا في الآخرة وحينئذ لا اجتماع بينهما ولا اندفاع بل ذلك إلى حكم الله ومشيئته على وفق حكمته والأقرب ما قال إمام الحرمين أنه ليس بإزاء معرفة الله تعالى كبيرة يرى وزرها على أجرها فكان من حقهم أن يدرؤا بها جميع الكبائر فإذا لم يفعلوا ذلك بطل هذيانهم بتغالب الأعمال وسقوط أقلها بأكثرها ومما يجب التنبيه له أنه لا فرق عندهم بين أن يكون المعاصي طارية على الطاعات أو سابقة عليها أو متخللة بينهما وأن ما يوهم به كلام البعض من اختصاص الحكم بما إذا كانت الكبيرة طارية ليس بشيء قال المبحث الثاني عشر اتفقت الأمة ونطق الكتاب والسنة بأن الله تعالى عفو غفور يعفو عن الصغاير مطلقا وعن الكباير بعد التوبة ولا يعفو عن الكفر قطعا وإن جاز عقلا ومنع بعضهم الجواز العقلي أيضا لأنه مخالف لحكمة التفرقة بين من أحسن غاية الإحسان ومن أساء غاية الإساءة وضعفه ظاهر واختلفوا في العفو عن الكباير بدون التوبة فجوزه الأصحاب بل أثبتوه خلافا للمعتزلة حيث منعوه سمعا وإن جاز عقلا عند الأكثرين منهم حتى صرح بعض المتأخرين منهم بأن القول بعدم حسن العفو عن المستحق للعقاب عقلا قول أبي القاسم الكعبي لنا على الجواز أن العقاب حقه فيحسن إسقاطه مع أن فيه نفعا للعبد من غير ضرر لأحد وعلى الوقوع الآيات والأحاديث الناطقة بالعفو والغفران وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات أو يوبقهن بما كسبوا ويعفو عن كثير

﴿إن الله يغفر الذنوب جميعا

﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء

﴿وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم

وفي الأحاديث كثرة ومعنى العفو والغفران ترك عقوبة المجرم والستر عليه بعدم المؤاخذة لا يقال يجوز حمل النصوص على العفو عن الصغاير أو عن الكباير بعد التوبة أو على تأخير العقوبات المستحقة أو على عدم شرع الحدود في عامة المعاصي أو على ترك وضع إلا صار عليهم من التكاليف المهلكة كما على الأمم السالفة أو على ترك ما فعل ببعض الأمم من المسخ وكتبة الآثام على الجباه ونحو ذلك بما يفضحهم في الدنيا لأنا نقول هذا مع كونه عدولا عن الظاهر بلا دليل وتقييد للإطلاق بلا قرينة وتخصيصا للعام بلا مخصص ومخالفة لا لأقاويل من يعتد به من المفسرين بلا ضرورة وتفريقا بين الآيات والأحاديث الصحيحة الصريحة في هذا المعنى بلا فارق مما لا يكاد يصح في بعض الآيات كقوله تعالى

﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به

الآية فإن المغفرة بالتوبة تعم الشرك وما دونه فلا تصح التفرقة بإثباتها لما دونه وكذا تعم كل أحد من العصاة فلا تلائم التعليق بمن يشاء المفيد للبعضية وكذا مغفرة الصغاير على أن في تخصيصها إخلالا بالمقصود أعني تهويل شأن الشرك ببلوغه النهاية في القبح بحيث لا يغفر ويغفر جميع ما سواه ولو كبيرة في الغاية وأما باقي المعاني المذكورة فربما يكون في الشرك أقوى على مالا يخفى فلا معنى للنفي والمشهور في إبطال تقييدهم المغفرة بما بعد التوبة أن قبول التوبة وترك العقاب بعدها واجب عندهم فلا يتعلق بالمشيئة واعترض بأن ترك العقاب على الكبيرة بعد التوبة ليس واجبا كثواب المطيع بل بمقتضى الوعد بمعنى أنه واجب أن يكون كما هو المذهب عندكم ووعده بذلك ووفاؤه بما وعد هو المغفرة والعفو ولو سلم ففعل الله تعالى وإن كان واجبا عليه يكون بمشيئته وإرادته فيصح تعليقه بها والجواب أن المذهب عندهم على ما صرحوا به في كتبهم هو أن العقاب بعد التوبة ظلم يجب على الله تركه ولا يجوز فعله ثم الواجب وإن كان فعله بالإرادة والمشيئة لا يحسن في الإطلاق تعليقه بالمشيئة كقضاء الدين والوفاء بالنذر لأنه إنما يحسن فيما يكون له الخيرة في الفعل والترك على أنك إذا تحققت فليس هذا مجرد تعليق بالمشيئة بمنزلة قولك يغفر ما دونه إن شاء بل تقييدا للمغفور له بمنزلة قولك يغفر لمن يشاء دون من لا يشاء وهذا لا يكون في الواجب البتة بل في المتفضل به كقولك الأمير يخلع على من يشاء بمعنى أنه يفعل ذلك لكن بالنسبة إلى البعض دون البعض وبهذا يندفع إشكال آخر وهو أن المغفرة معلقة بالمشيئة فلا يدل على الوقوع لعدم العلم بوقوع المشيئة بل على مجرد الجواز وليس المتنازع وقد يدفع بأنه لا بد من وقوع المشيئة ليتحقق الفرق بين الشرك وما دونه على ما هو مقصود سوق الآية وهذا الدفع إنما يتم على رأي من يجعل التفرقة بينهما بوقوع العفو ولا وقوعه ويجعل العفو عن الكفر جايزا غير واقع وعليه الأشاعرة وكثير من المتكلمين قال للمانعين عقلا تمسكت الوعيدية القائلون بعدم جواز العفو عن الكبائر عقلا وهم البلخي وأتباعه بأنه إغراء على القبيح لأن المكلف يتكل على العفو ويرتكب القبايح وهذا قبيح يمتنع إسناده إلى الله تعالى وأجيب بعد تسليم قاعدة الحسن والقبح العقليين بأن مجرد احتمال العقوبة يصلح زاجرا للعاقل عن ارتكاب الباطل فكيف مع الآيات القاطعة بالعذاب والوعيدات الشايعة في ذلك الباب فكيف يكون احتمال تركها بل وقوعه في الجملة وبالنسبة إلى من لا يعلمه إلا الله مظنة للإغراء ومفضية إلى الاجتراء ألا ترى أن قبول التوبة مع وجوبه عندكم وعزم كل أحد عليها غالبا ليس بإغراء والتردد في نيل توفيقها لا يزيد على التردد في نيل كرامة العفو قال قيل ترك العفو أدعى إلى الطاعة فيكون لطفا فيجب فيمتنع العفو قلنا منقوض بقبول التوبة وتأخير العقوبة وإن ادعى وجه مفسدة في تركهما منعنا انتفاءه في ترك العفو فإن في العفو لطفا بالعبد في تأدية وظيفة مزيد الثناء على الله تعالى بالعفو والكرم والرأفة قال وسمعا تمسك القائلون بجواز العفو عقلا وامتناعه سمعا وهم البصريون من المعتزلة وبعض البغدادية بالنصوص الواردة في وعيد الفساق وأصحاب الكبائر إما بالخصوص كقوله تعالى في أكل أموال الناس

﴿ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا

وفي التولي عن الزحف

﴿ومأواه جهنم وبئس المصير

وفي تعدي حدود المواريث

﴿يدخله نارا خالدا فيها

) وإما بالدخول في العمومات المذكورة في بحث الخلود وإذا تحقق الوعيد فلو تحقق العفو وترك العقوبة بالنار لزم الخلف في الوعيد والكذب في الأخبار واللازم باطل فكذا الملزوم وأجيب بأنهم داخلون في عمومات الوعد بالثواب ودخول الجنة على ما مر والخلف في الوعد لوم لا يليق بالكريم وفاقا بخلاف الخلف في الوعيد فإنه ربما يعد كرما والقول بالإحباط وبطلان استحقاق الثواب بالمعصية فاسد كما مر فكيف كان ترك عقابهم بالنار خلفا مذموما ولم يكن ترك ثوابهم بالجنة كذلك والدفع بأنه لو صح أن يخلف الوعيد لصح أن يسمى مخلفا ليس بشيء لأن كثيرا من أفعاله بهذه الحيثية أعني لا يصح إطلاق اسم الفاعل ههنا عليه لإيهام النقص كما أنه يتكلم بالمجاز ولا يسمى متجوزا وكذا لا يسمى ماكرا ومستهزئا ونحو ذلك بل مع أنه ينجز وعد الثواب لا يسمى منجزا نعم لزوم الكذب في إخبار الله تعالى مع الإجماع على بطلانه ولزوم تبديل القول مع النص الدال على انتفائه مشكل فالجواب الحق أن من تحقق العفو في حقه يكون خارجا عن عموم اللفظ بمنزلة الثابت فإن قيل صيغة العموم المتعرية عن دليل الخصوص تدل على إرادة كل فرد مما يتناوله اللفظ بمنزلة التنصيص عليه باسمه الخاص فإخراج البعض بدليل متراخ يكون نسخا وهو لا يجري في الخبر للزوم الكذب وإنما التخصيص هو الدلالة على أن المخصوص غير داخل في العموم ولا يكون ذلك إلا بدليل متصل قلنا ممنوع بل إرادة الخصوص من العام والتقييد من المطلق شايع من غير دليل متصل ثم دليل التخصيص والتقييد بعد ذلك وإن كان متراخيا بيان لا نسخ وهذا هو المذهب عند الفقهاء الشافعية والقدماء من الخفية وكانوا ينسبون القول بخلاف ذلك إلى المعتزلة إلا أن المتأخرون منهم لا يعدون ذلك نسخا ويخصون التخصيص بما يكون دليله متصلا ويجوزون الخلف في الوعيد ويقولون الكذب يكون في الماضي دون المستقبل وهذا ظاهر الفساد فإن الإخبار بالشيء على خلاف ما هو كذب سواء كان في الماضي أو في المستقبل قال الله تعالى

﴿ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم

ثم قال

﴿والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم

على أن المذهب عندنا أن إخبار الله تعالى أزلي لا يتعلق بالزمان ولا يتغير بتغيير المخبر به على ما سبق في بحث الكلام فإن قيل فعلى ما ذكرتم يكون حكم العام هو التوقف حتى يظهر دليل الخصوص قلنا لا بل يجري على عمومه في حق العمل بل وفي حق وجوب اعتقاد العموم دون فرضيته وهذا البحث مستوفى في أصول الفقه وقد بسط الكلام فيه صاحب التبصرة بعض البسط وللإمام الرازي ههنا جواب إلزامي وهو أن صدق كلامه لما كان عندنا أزليا امتنع كذبه لأن ماثبت قدمه امتنع عدمه وأما عندكم فإن امتنع كذبه لكونه قبيحا فلم قلتم أن هذا الكذب قبيح وقد توقف عليه العفو الذي هو غاية الكرم وهذا كمن أخبر أنه يقتل زيد غدا ظلما ففي الغد إما أن يكون الحسن قتله وهو باطل وإما ترك قتله وهو الحق لكنه لا يوجد إلا عند وجود الكذب ومالا يوجد الحسن إلا عند وجوده حسن قطعا فهذا الكذب حسن قطعا ويمكن دفعه بأن الكذب في إخبار الله تعالى قبيح وإن تضمن وجوها من المصلحة وتوقف عليه أنواع من الحسن لما فيه من مفاسد لا تحصى ومطاعن في الإسلام لا تخفى منها مقال الفلاسفة في المعاد ومجال الملاحدة في العناد وههنا بطلان ما وقع عليه الإجماع من القطع بخلود الكفار في النار فإن غاية الأمر شهادة النصوص القاطعة بذلك وإذا جاز الخلف لم يبق القطع إلا عند شرذمة لا يجوزون العفو عنهم في الحكمة على ما يشعر قوله تعالى

﴿أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون

وغير ذلك من الآيات ووجه التفرقة أن العاصي قلما يخلو عن خوف عقاب ورجاء رحمة وغير ذلك من خيرات تقابل ما ارتكب من المعصية اتباعا للهوى بخلاف الكافر وأيضا الكفر مذهب والمذهب يعتقد للأبد وحرمته لا تحتمل الارتفاع أصلا فكذلك عقوبته بخلاف المعصية فإنها لوقت الهوى والشهوة وأما من جوز العفو عقلا والكذب في الوعيد إما قولا لجواز الكذب المتضمن الفعل الحسن أو بأنه لا كذب بالنسبة إلى المستقبل فمع صريح إخبار الله تعالى بأنه لا يعفو عن الكافر ويخلده في النار فجواز الخلف وعدم وقوع مضمون هذا الخبر محتمل ولما كان هذا باطلا قطعا علم أن القول بجواز الكذب في إخبار الله تعالى باطل قطعا قال خاتمة قد اشتهر من مذهب المعتزلة أن صاحب الكبيرة بدون التوبة مخلد في النار وإن عاش على الإيمان والطاعة مائة سنة ولم يفرقوا بين أن تكون الكبيرة واحدة أو كثيرة واقعة قبل الطاعات أو بعدها أو بينها وجعلوا عدم القطع بالعقاب وتفويض الأمر إلى أن الله تعالى يغفر إن شاء ويعذب إن شاء على ما هو مذهب أهل الحق إرجاء بمعنى أنه تأخير للأمر وعدم جزم بالعقاب أو الثواب وبهذا الاعتبار جعل أبو حنيفة من المرجئة وقد قيل له من أين أخذت الإرجاء فقال من الملائكة عليهم السلام قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا وإنما المرجئة الخالصة الباطلة هم الذين يحكمون بأن صاحب الكبيرة لا يعذب أصلا وإنما العذاب والنار للكفار وهذا تفريط كما أن قول الوعيدية إفراط والتفويض إلى الله تعالى وسط بينهما كالكسب بين الجبر والقدر ونحن نقول ينبغي أن يكون ما اشتهر منهم مذهب بعضهم والمختار خلافه لأن مذهب الجبائي وأبي هاشم وكثير من المحققين وهو اختيار المتأخرين أن الكبائر إنما تسقط الطاعات وتوجب دخول النار إذا زاد عقابها على ثوابها والعلم بذلك مفوض إلى الله تعالى فمن خلط الحسنات بالسيئات ولم يعلم عليه غلبة الأوزار لم يحكم بدخوله النار بل إذا زاد الثواب يحكم بأنه لا يدخل النار أصلا واضطربوا فيما إذا تساوى الثواب والعقاب وصرحوا بأن هذا بحسب السمع وأما بحسب العقل فيجوز العفو عن الكبائر كلها إلا عند الكعبي وذكر إمام الحرمين في الإرشاد أن مذهب البصريين وبعض البغداديين جواز العفو عقلا أو شرعا ولقد مننا بهذا على المعتزلة إن أدركوا ونهجنا لهم منهاجا إن سلكوا وإلا فمن لهم بعصمة تنجي أو توبة ترجي قال المبحث الثالث عشر في الشفاعة يدل على ثبوتها النص والإجماع إلا أن المعتزلة قصروها على المطيعين والتائبين لرفع الدرجات وزيادة المثوبات وعندنا يجوز لأهل الكبائر أيضا في حط السيئات إما في العرصات وإما بعد دخول النار لما سبق من دلائل العفو عن الكبيرة ولما اشتهر بل تواتر معنى من ادخار الشفاعة لأهل الكبائر كقوله عليه السلام ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وترك العقاب بعد التوبة واجب عندهم فليس للعفو والشفاعة كثير معنى وقد يستدل بقوله تعالى

﴿واستغفر لذنبك وللمؤمنين

أي لذنوب المؤمنين فيعم الكبائر وبقوله تعالى في حق الكفار

﴿فما تنفعهم شفاعة الشافعين

فإن مثل هذا الكلام إنما يساق حيث تنفع الشفاعة غيرهم فيقصد تقبيح حال الكفرة وتخييب رجائهم بأنهم ليسوا كذلك إذ لو لم تنفع الشفاعة أحدا لما كان في تخصيصهم زيادة تخييب وتوبيخ لهم لكنه مع هذا التكلف لا يفيد إلا ثبوت أصل الشفاعة ولا نزاع فيه نعم لو تم ما ذكره بعض أصحابنا من أن الشفاعة لا يجوز أن تكون حقيقة لزيادة المنافع بل لإسقاط المضار فقط والصغاير مكفرة عندكم باجتناب الكبائر فتعين أن تكون لإسقاط الكبائر لكان في إثبات أصل الشفاعة إثبات المطلوب إلا أن غاية متشبثهم في ذلك هو أن الشفاعة لو كانت حقيقة في طلب زيادة المنافع لكنا شافعين في حق النبي عليه السلام حين نسأل الله تعالى زيادة كرامته واللازم باطل وفاقا واعترض بأنه يجوز أن يعتبر فيها زيادة قيد ككون الشفيع أعلى حالا من المشفوع له أو كون زيادة المنافع محصولة البتة لسؤاله وطلبه وأجيب بأن الشفيع قد يشفع لنفسه فلا يكون أعلى وقد يكون غير مطاع فلا يقع المسؤل فضلا عن أن يكون لأجل سؤاله فإن قيل إطلاق الشفاعة على طلب المنافع مما لا سبيل إلى إنكاره كقول الشاعر

( فذاك فتى إن تأته في صنيعة

إلى ماله لم تأته بشفيع )

وكما في منشور دار الخلافة لسلطان محمود وليناك كورة خراسان ولقيناك بيمين الدولة وأمين الملة بشفاعة أبي حامد الإسفرائني قلنا نعم لكن لو كان حقيقة لا طرد فيما ذكرنا احتجت المعتزلة بوجوه

الأول الآيات الدالة على نفي الشفاعة بالكلية فيخص المطيع والتائب بالإجماع فتبقى حجة فيما وراء ذلك مثل قوله تعالى

﴿واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا

الآية والضمير في لا تقبل منها شفاعة ولا تنفعها شفاعة للنفس المبهمة العامة وكقوله تعالى

﴿من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة

وكقوله تعالى

﴿ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع

أي يجاب بمعنى لا شفاعة أصلا على طريقة قوله ولا ترى الضب بها يتحجر وكقوله تعالى

﴿وما للظالمين من أنصار

Shafi 239