Sharhin Maqasid a Ilmin Kalam
شرح المقاصد في علم الكلام
Mai Buga Littafi
دار المعارف النعمانية
Lambar Fassara
الأولى
Shekarar Bugawa
1401هـ - 1981م
Inda aka buga
باكستان
Nau'ikan
وثانيهما التخلخل والتكاثف ويقال في بيان ذلك أن الانتقال في الكم إما أن يكون من النقصان إلى الزيادة أو من الزيادة إلى النقصان والأول إما أن يكون بورود مادة يزيد في كمية الجسم وهو النمو أو بدونه وهو التخلخل كما في هواء باطن القارورة عند مصها والثاني إما أن يكون بنقصان جزء وهو الذبول كما في المدقوق أو بدونه وهو التكاثف كما في هواء باطن القارورة عند النفخ فيها ويتمسكون في إمكان التخلخل والتكاثف بأن الجسم مركب من الهيولي والصورة والهيولي لا مقدار لها في نفسها وإنما هي قابلة للمقادير المختلفة بحسب ما سبق من الأسباب المعدة فيجوز أن ينتقل من المقدار الصغير إلى الكبير وهو التخلخل وبالعكس وهو التكاثف وإنما بنوا ذلك على الهيولي لأنها عندهم محض قابل يتوارد عليه الصور والمقادير المختلفة من غير أن يقتضي معينا من ذلك بخلاف ما إذا جعل الجسم بسيطا واحدا متصلا في نفسه كما هو عند الحس فإنه ربما يختص كل جسم بمقدار معين لا ينتقل عنه وبهذا يندفع ما ذكره الإمام من أنه لا حاجة في ذلك إلى إثبات الهيولي بل يتأتى على رأي من يجعل المقدار زائدا على الجسم عرضا قائما به سواء كان هو بسيطا أو مركبا من الهيولي والصورة لأن نسبته إلى جميع المقادير على السوية كالهيولي ولأنه إذا كان بسيطا كان الجزء والكل متساويين في الطبيعة والحقيقة فجاز اتصاف كل منهما بمقدار الآخر مالم يمنع مانع وانتقال الجزء إلى مقدار الكل تخلخل وعكسه تكاثف نعم لا بد في ذلك من أن يصير الجزء منفصلا إذ مع كونه جزء يمتنع أن يكون على مقدار الكل ضرورة وإما الاعتراض بأنه لو جاز ذلك لجاز أن تصير القطرة على مقدار البحر وبالعكس فجوابه بعد تسليم استحالة ذلك أن انتقال الجسم عن مقداره يكون لا محالة بقاسر فجاز أن يكون للقسر حد معين لا يمكن تجاوزه كما جاز على القول بالهيولي أن يكون لكل مادة حظ من المقدار لا يتجاوزه وبالجملة فالمقصود بيان إمكان التخلخل والتكاثف وهو لا ينافي الامتناع في بعض الصور لمانع على أن اشتراط الانفصال في إمكان انتقال الجزء إلى مقدار الكل محل نظر دقيق وقد يستدل على الوقوع بأن الماء إذا تجمد يصغر مقداره وهو تكاثف والجمد إذا ذاب يعظم مقداره وهو تخلخل وبأن القارورة إذا مصت خرج منها هواء كثير فلو لم يتخلخل الباقي لزم الخلاء وإذا نفخت فيها دخلها هواء كثير فلو لم يتكاثف لزم التداخل أعني اشتغال حيز واحد بجسمين وهو ضروري الاستحالة ( قال وقد يقال ) يعني قد يراد بالتخلخل الانفشاش أي تباعد أجزاء الجسم بحيث تداخلها جسم غريب كالهواء وبالتكاثف الاندماج أي تقارب الأجزاء بحيث يخرج ما بينها من الجسم القريب وهما من قبيل الوضع لرجوعهما إلى هيئة نسبة الأجزاء بعضها إلى البعض ثم لا يخفى أن هذا الانتقال بالنظر إلى الأجزاء حركة أينية وأما بالنسبة إلى الكل فحركة في الكم على طريق النمو وإن لم يكن نموا وفي الوضع بحسب الداخل حيث تبدلت نسبة الأجزاء بعضها مع البعض كما للفلك بحسب الخارج حيث تبدلت نسبتها إلى الأمور الخارجة فإن قيل فعلى الأول لا تنحصر الحركة في الكم في الاعتبارات الأربعة قلنا لا كلام في عدم الانحصار وفي أن قولنا الانتقال من النقصان إلى الزيادة لورود المادة نمو ليس على إطلاقه وإلى هذا يشير قولنا وقد يكون ازدياد المقدار بورود المادة لا على تناسب طبيعي وهو الورم أو على تناسب طبيعي لكن لا في جميع الأقطار وهو السمن فإنه وإن كان ازديادا طبيعيا بانضياف مادة الغذاء إلى المتغذي كالنمو لكنه لا يكون في الطول على تلك النسبة ولا يختص بوقت معين ولا يكون له غاية ما يقصدها الطبع بخلاف النمو ومقابل السمن هو الهزال فيكون انتقاصا طبيعيا لكن لا في جيمع الأقطار وقد يقال له الذبول أيضا وتحقيق الكلام إنه إذا ورد على الجسم ما يزيد في مقداره فإذا أحدثت الزيادة منافذ في الأصل فدخلت فيها واشتبهت بطبيعة الأصل واندفعت أجزاء الأصل إلى جميع الأقطار على نسبة واحدة في نوعه فذلك هو النمو وزواله بسبب انفصال تلك الأجزاء عن أجزاء الأصل هو الذبول وإذا لم يقو الغذاء على تفريق الأجزاء الأصلية والنفوذ فيها بل انضم إليها من غير أن تتحرك الأعضاء الأصلية إلى الزيادة وإن كان الجسم متحركا إلى الزيادة في الجملة فذلك هو السمن وانتقاصه الهزال فالمخصوص باسم النمو والذبول حركة الأعضاء الأصلية ( قال الرابعة ) يعني من المقولات التي يقع فيها الحركة الكيف ويسمى استحالة وذلك كانتقال العنب من البياض إلى السواد وانتقال الماء من البرودة إلى الحرارة شيئا فشيئا على التدريج وأنكر بعضهم ذلك فمنهم من زعم أن في الماء مثلا أجزاء نارية كامنة تبرز بالأسباب الخارجة فيحس بالحرارة ومنهم من زعم أنه يرد عليه من الخارج أجزاء نارية ومنهم من زعم أن بعض أجزائه يصير نارا بطريق الكون والفساد والكل فاسد بدلائل وإمارات ربما تلحق الحكم بالضروريات على ما فصل في المطولات أدناها أن جبلا من كبريت يشتعل بقدر يسير من النار فلو كان ذلك لظهور الأجزاء النارية الكامنة لكانت لكثرتها أولى بأن يشتعلها ويحس بها أو الواردة لكانت بقدر الوارد وإن حرارة الماء الشديد السخونة لو كانت بانقلاب بعض أجزائه نارا من غير استحالة لفارقته تلك النارية صاعدة بطبعها أو انطفت ببرد الماء ورطوبته فلم يحس بها على إنك ستعرف في بحث الكون والفساد أن الماء لا يصير نارا لا بعد صيرورته هواء وحينئذ يتصعد بطريق البخار ( قال والحق ) قد سبقت إشارة إلى أن الحركة الوضعية عائدة إلى الحركة الأينية فههنا يريد نفي الحركة في الكم والكيف مع التنبيه على منشأ توهمهما وذلك إنا نجد الجسم ينتقل على سبيل التدريج من كمية إلى كمية أخرى أزيد أو أنقص ومن كيفية إلى كيفية أخرى تضاد الأولى أو تماثلها من غير أن يظهر لنا تفاصيل ذلك وأزمنة وجود كل منها فنتوهم أن ذلك حركة إذ لا نعقل من الحركة إلا تغيرا على التدريج لكن لا حركة عند التحقيق لأن معنى التدريج المعتبر في الحركة أن لا يكون دفعة لا بحسب الذات ولا بحسب الأجزاء والانتقال ههنا إنما هو دفعات يتوهم من اجتماعها التدريج لأن ما بين المبدأ والمنتهى من مراتب الكميات أو الكيفيات متمايزة بالفعل ينتقل الجسم من كل منها إلى آخر دفعة كما في صيرورة الأرض ماء ثم هواء ثم نارا مع الاتفاق على أن مجموع ذلك ليس حركة جوهرية من الأرض إلى النار لظهور تفاصيل المراتب وأزمنة وجوداتها ويدل على نفي الحركة في الأمور المتمايزة بالفعل سواء كانت كميات أو كيفيات أو جواهر أن الوسط بين المبدأ والمنتهى إن كان واحدا فظاهر أنه لا حركة وإن كان كثيرا فتلك الكثرة سواء كان اختلافها بالنوع أو بالعدد إما أن تكون غير متناهية وهو محال ضرورة كونها محصورة بين حاصرين وإما أن تكون متناهية وهو يستلزم تركب الحركة من أمور لا تقبل القسمة إذ لو انقسمت إلى أمور متغايرة تنقل الكلام إلى كل واحد منها وهلم جرا فيكون ما فرض متناهيا غير متناه هف وتركب الحركة مما لا يقبل الانقسام باطل لاستلزامه وجود الجزء الذي لا يتجزأ وكون البطء لتخلل السكتات أما الأول فلانطباق الحركة على ما فيه الحركة وأما الثاني فلأن السريع إذا تحرك جزءا فالبطيء إن تحرك مثله دائما لزم تساويهما أو أكثر لزم كونه أسرع أو أقل لزم انقسام مالا ينقسم فلم يبق إلا أن يكون له فيما بين أجزاء الحركة سكنات وسيجيء بيان بطلان اللازمين وهذا بخلاف الحركة الأينية فإن الوسط الذي بين المبدأ والمنتهى أعني امتداد المسافة واحد بالفعل يقبل بحسب الفرض انقسامات غير متناهية فإن قيل يجوز أن يكون كل واحد من تلك الآحاد المتناهية قابلا لانقسامات غير متناهية فلا يلزم تركب الحركة مما لايقبل الانقسام قلنا هذا غير مفيد إذ التقدير أن الانتقال إلى كل من تلك الآحاد دفعي والحاصل أن امتناع تركب الحركة مما لا ينقسم يقتضي أن يكون امتدادها الموهوم منطبقا على أمر قابل لانقسامات غير متناهية على ما هو شأن الكم المتصل سواء كان عارضا بجسم واحد كما في الحركة في الماء أو لأجسام مختلفة كما في الحركة من الأرض إلى السماء لا على كم منفصل متناهي الآحاد سواء كان معروضه جوهرا أو كما متصلا أو كيفا أو غير ذلك وبهذا يندفع ما يتوهم من أنه إذا جازت الحركة في المسافة لكونها معروضة لما يقبل الانقسام لا إلى نهاية ففي الكم القابل لذلك بحسب ذاته أولى ( قال ولا يثبت للحركة في باقي المقولات ) يعني لا دليل على ثبوت الحركة في الجوهر والمتى والإضافة والملك وأن يفعل وأن ينفعل بل ربما يقام الدليل على نفيها أما الجوهر فلأنه بعد ثبوت الكون وتوارد الصور على المادة الواحدة فالانتقال إلى كل منها دفعي لأن الجوهر لا يقبل الأشداد فلا يكون حدوثه على التدريج وذلك لأنه لو قبل الاشتداد فإما أن يبقى في وسط الاشتداد نوع الجوهر الذي منه الانتقال فلا يكون التغير فيه بل في لوازمه أو لا يبقى فيكون ذلك انتفاء لااشتدادا وهذا منقوض بالحركة في الكيف وقد يحتج بأن المتحرك لا بد أن يكون موجودا والمادة وحدها غير موجودة لما سيجيء من امتناع وجودها بدون الصورة وتحقيقه أن الحركة في الصور إنما تكون بتعاقب الصور على المادة بحيث لا تبقى صورة زمانا وعدم الصورة توجب عدم المادة لكونها مقومة للمادة بخلاف الكيف فإن عدمه لا يوجب عدم المحل وجوابه ما سيجيء من أن تقوم المادة إنما هو بصورة ما فعدم الصورة المعينة إنما يوجب عدمها لو لم يستعقب حدوث صورة أخرى وأما ما قيل من أن تغيرات الجواهر أعني الأجسام بصورها لا تقع في زمان لأن الصور لا تشتد ولا تضعف بل تقع في آن وتغيراتها بكيفياتها وكمياتها وألوانها وأوضاعها تقع في زمان لأنها تشتد وتضعف ومعنى الاشتداد هو اعتبار المحل الواحد الثابت بالقياس إلى حال فيه غير قار تتبدل نوعيته إذا قيس ما يوجد فيه في آن ما إلى ما يوجد في آن آخر بحيث يكون ما يوجد في كل آن متوسطا بين ما يوجد في الآنين المحيطين به ويتجدد جميعها على ذلك المحل المتقوم دونها من حيث هو متوجه بتلك التجددات إلى غاية ما ومعنى الضعف هو ذلك المعنى بعينه إلا أنه يوجد في آن آخر من حيث هو متصرف بها عن تلك الغاية فالأخذ في الشدة والضعف هو المحل لا الحال المتجدد المتصرم ولا شك أن مثل هذا الحال يكون عرضا لتقوم المحل دون كل واحدة من تلك الهويات وأما الحال الذي تتبدل هوية المحل المتقوم بتبدله وهي الصورة فلا يتصور فيها اشتداد ولا ضعف لامتناع تبدلها على شيء واحد متقوم يكون هو هو في الحالين فجمع بين الوجهين مع تفصيل وتحقيق ويرد عليه ما سبق مع أنا لانم تبدل هوية المادة تبدل الصورة وقد صرح ابن سينا بأن الوحدة الشخصية للمادة مستحفظة بالوحدة النوعية للصورة لا بالوحدة الشخصية وأما المتى فذكر في النحاة أنه لا بد للحركة من متى فلو وقعت حركة في المتى لكان للمتى متى وهو باطل وذكر في الشفاء أن الانتقال فيه دفعي لأن الانتقال من سنة إلى سنة ومن شهر إلى شهر يكون دفعة ثم قال ويشبه أن يكون حالة كحال الإضافة في أن الانتقال لا يكون فيه بل يكون الانتقال الأول في كم أو كيف ويكون الزمان لازما لذلك التغير فيعرض بسببه فيه التبدل كما أن الإضافة طبيعة غير مستقلة بل تابعة لغيرها فإن كان المتبوع قابلا للأشد والأنقص فكذا الإضافة إذ لو بقيت غير متغيرة عند تغير شيوعها لزم استقلالها قال الإمام وهذا هو الحق لأن متى نسبة إلى الزمان والنسبة طبيعة غير مستقلة فهي تابعة لمعروضها في التبدل والاستقرار وكذا الملك لأنها مقولة نسبية وقيل لأنها توجد دفعة ثم قال وأما أن يفعل وأن ينفعل فأثبت بعضهم فيهما الحركة والحق بطلانه أما أن يفعل فلأن الشيء إذا انتقل من التبرد إلى التسخن مثلا فإن كان التبرد باقيا لزم التوجه إلى الضدين أعني البرودة والسخونة في زمان واحد وإن لم يكن باقيا بل إنما وجد التسخن بعد وقوف التبرد وبينهما زمان سكون لا محالة فليس هناك انتقال من التبرد إلى التسخن على الاستمرار وما يقال من أن الشيء قد ينسلخ عن اتصافه بالفعل يسيرا يسيرا لا من جهة ينقص قبول الموضوع لتمام ذلك الفعل بل من جهة هيئته فذلك عائد إلى أن فتور القوة أو انفساخ العزيمة أو كلال الآلة تكون يسيرا يسيرا أو بتبعية ذلك يحصل التبدل في الفاعلية فما يوهم من التغير التدريجي في أن يفعل نفسه إنما هو فيما يتم به الفعل كما إذا توهم في أن ينفعل بناء على تحققه فيما يتم به الانفعال كالقابل وهذا ما قال في المواقف الحق أنها تبع الحركة أما في القوة إرادية كانت أو طبيعية أو في الآلة وأما في القابل وأتى في القابل بلفظ أما دون أو تنبيها على ما ذكرنا فإن قيل ما ذكر في الإضافة من عدم استقلالها لكونها من الأعراض النسبية كاف في الجميع على ما أشار إليه الإمام ولا حاجة إلى ما ذكروا من التطويل والتفصيل قلنا ليس معنى عدم استقلال الإضافة مجرد كونها نسبية وإلا انتفض بالاين والوضع بل معناه كونها تابعة لمعروضها في الأحكام ولهذا قال ابن سينا بعد إثبات التضاد في الاين والمتى والوضع وأن يفعل وأن ينفعل أن التضاد لا يعرض الإضافة لأن الإضافات طبايع غير مستقلة بأنفسها فيمتنع أن يعرض لها التضاد لأن أقل درجات المعروض أن يكون مستقلا بتلك المعروضية وأما كون الأحر ضدا للأبرد كالحار للبارد فلأن الإضافة لما كانت طبيعية غير مستقلة بل تابعة لمعروضها وجب أن يكون في هذا الحكم أيضا تابعة وإلا لكانت مستقلة فيه ( قال وأما المتحرك ) غني عن الشرح ( قال وأما المحرك ) يريد انقسام الحركة بالذات إلى الأقسام الثلاثة وأما مطلق الحركة فينقسم إلى أربعة عرضية وقسرية وإرادية وطبيعية وإن كانت العرضية لاتخ عن الأقسام الثلاثة ولهذا قيل الحركة إن كانت تبعا لحركة جسم آخر فعرضية وإلا فإن كان محركها موجودا في غير الجسم المتحرك فقسرية وإن كان موجودا فيه نفسه فإن كان من شأنه الشعور والقصد فإرادية وإلا فطبيعية والمراد بكون المحرك في المتحرك أعم من أن يكون جزأ منه أو متعلقا به التعلق المخصوص كتعلق النفوس الإنسانية بأبدانها والنفوس الفلكية بأفلاكها فيعم تحرك الحجر هبوطا والإنسان يمنة ويسرة والفلك استدارة فإن قيل فعلى رأي من يجعل الممكنات كلها مستندة إلى الله تعالى ابتداء هل يتأتى هذا التقسيم أم تكون الحركات كلها قسرية قلنا بل يتأتى بأن يراد بالمحرك ما جرت العادة بخلق الحركة معه كما يفصح عنه وصفهم بعض الحركات بكونه اختياريا ( قال فحركة النفس إرادية ) قد أشكل الأمر في بعض الحركات أنها من أي قسم من الأقسام الثلاثة لا سيما حركة النبض فقد كثر اختلاف الناس في أنها طبيعية أو إرادية وعلى التقديرين فأينية أو وضعية أو كمية ولكل من الفرق تمسكات مذكورة في المطولات سيما شروح الكليات ونحن نقتصر على ذكر ما هو أقرب وأصوب فنقول أما حركة النفس فإرادية باعتبار طبيعية باعتبار على ما قال بعض المتأخرين من الحكماء أنها تتعلق بالإرادة من حيث وقوع كل نفس في زمان يتمكن المتنفس من أن يقدمه على ذلك الزمان وأن يؤخره منه بحسب إرادته لكنها لا تتعلق بالإرادة من حيث الاحتياج الضروري إليها فهو طبيعي من حيث الحاجة إلى مطلق التنفس وإرادي من حيث إمكان تغير التنفسات الجزئية عن أوقات تقتضيها الحاجة ويكون وقوعها في تلك الأوقات على مجراها الطبيعي وهذا معنى ما قال صاحب القانون أن حركة التنفس إرادية يمكن أن تغير عن مجراها الطبيعي والاعتراض بأنه لا إرادة للنائم فيلزم أن لا يتنفس ليس بشيء لأن النائم يفعل الحركات الإرادية لكن لا يشعر بإرادته ولا يتذكر شعوره ولذلك قد تحرك الأعضاء بسبب الملالة عن بعض الأوضاع ويحكها عند الحاجة إلى الحك ولا يشعر بذلك وأما حركة النمو فظاهر أنها طبيعية إذ طبيعة النامي تقتضي الزيادة في الأقطار عند ورود الغذاء ونفوذه فيما بين الأجزاء وكذا النبض عند المحققين فإنها ليست بحسب القصد والإرادة ولا بحسب قاسر من خارج بل بما في القلب من القوة الحيوانية وميل الجمهور إلى أنها مكانية وقيل بل وضعية وقيل كمية فإن قيل الحركة الطبيعية لا تكون إلا إلى جهة واحدة بل لا تكون إلا صاعدة أو هابطة على ما صرحوا به قلنا ذلك إنما هو في البسائط العنصرية وأما الطبيعية النباتية أو الحيوانية فقد تفعل حركات إلى جهات وغايات مختلفة وطبيعة القلب والشرايين من شأنها للروح إحداث حركة فيها من المركز إلى المحيط وهي الانبساط وأخرى من المحيط إلى المركز وهي الانقباض لكن ليس الغرض من الانبساط تحصيل المحيط ليلزم الوقوف ويمتنع العود بل جذب الهواء البارد المصلح لمزاج الروح ولا من الانقباض تحصيل المركز بل دفع الهواء المفسد للمزاج والاحتياج إلى هذين الأمرين مما يتعاقب لحظة فلحظة فيتعاقب الآثار المتضادة عن القوة الواحدة ( قال ومنهم ) يعني هرب بعضهم عن الأشكال المذكورة بمنع انحصار الحركة بالذات في الأقسام الثلاثة وجعل طريق القسمة أن الحركة إما ذاتية أو عارضة والذاتية إن كانت على نهج واحد فبسيطة وإلا فمركبة والبسيطة إن كانت تابعة لإرادة فإرادية كحركة الفلك وإلا فطبيعية كالحركة الهابطة للحجر النازل من الهواء والمركبة إن لم يكن من خواص الحيوانات فنباتية كالنمو وإن كانت فإما أن تكون تابعة للإرادة وهي الإرادية كالشيء أو لا وهي التسخرية كالنبض والعارضة إن كان المحرك كجزء من المتحرك فعرضية إرادية أو مكانا له بالطبع فعرضية طبيعية وإلا فقسرية ( قال ثم العلة ) يعني أن الحركة الطبيعية في البسائط العنصرية وإن كانت على نهج واحد بمعنى كونها إلى الحيز الطبيعي لكنها قد تختلف بحسب الأحوال كصعود الماء إذا وقع تحت الأرض وهبوطه إذا وقع فوق الهواء بيان ذلك أن العلة للحركة الطبيعية ليست هي الجسمية المشتركة بين الأجسام وإلا لزم دوام الحركة وعمومها للأجسام واتحاد جهة الحركات الطبيعية ضرورة تحقق المعلول عند تحقق العلة وليست أيضا الطبيعية المختصة بذلك الجسم وإلا لزم دوام الحركة لما ذكرنا بل هي الطبيعة الخاصة بشرط مقارنة أمر غير طبيعي هو زوال حالة ملائمة فيتحرك الجسم بطبعه طلبا لتلك الحالة الملائمة ويقف لطبعه عند الوصول إليه ثم لا خفاء في أن الأحوال الملائمة بطبايع الأجسام مختلفة بحسب اختلاف الطبايع مثلا الحالة الملائمة للأرض أن تكون تحت الماء والهواء والنار وللماء أن يكون فوقها وتحت الأخيرين وعلى هذا القياس فمن ههنا يختلف جهات الحركة ولما كانت الحركة لطلب الحالة الملائمة لا لمجرد الهرب عن الحالة الغير الملائمة كانت أولوية الجهة التي إليها الحركة ظاهرة ولا خفاء في أن معنى طلب الحالة الملائمة ههنا التوجه إليها بحيث إذا حصل الوصول إليها حصل الوقوف كما في الغايات الإرادية كما أن معنى الهرب عن الحالة الغير الملايمة الانصراف عنها فلا يختص هذا بالحركة الإرادية كما يتوهم من ظاهر معناهما اللغوي الموقوف على الشعور والإدراك ثم لما كان زوال الحالة الملائمة كحصول الماء في حيزه مثلا قد يكون بخروجه قسرا إلى فوق فيتوجه عند زوال القاسر إلى تحت وقد يكون بالعكس فبالعكس جاز في الحركة الطبيعية بجسم واحد أن يختلف جهتها فتارة يكون إلى فوق وتارة إلى تحت ( قال المبحث الرابع ) اختلال الحركات قد يكون بالماهية وقد يكون بالعوارض واتحادها قد يكون بالشخص وقد يكون بالنوع وقد يكون بالجنس ثم قد يوصف بالتضاد وقد يوصف بالانقسام فيشير في هذا المبحث إلى بيان ماهية الحركة وقد سبق أن الحركة تتعلق بأمور ستة فاتفقوا على أن تعلقها بثلاثة منها وهي ما فيه وما منه وما إليه بمنزلة الذاتي يختلف باختلافه ماهية الحركة وتعلقها بالثلاثة الباقية بمنزلة العرضي لا يختلف باختلافه ماهية الحركة بل باختلاف المحرك لا يختلف هويتها أيضا فبنوا على ذلك أنه إذا اتحد المبدأ والمنتهى وما فيه الحركة اتحدت الحركة بالنوع وإن اختلف المتحرك أو المحرك أو الزمان لأن تنوع المعروضات أو الأسباب لا يوجب تنوع العوارض والمسببات لجواز قيام نوع منها كالحرارة بموضوعين مختلفي الماهية كالإنسان والفرس وحصوله لمؤثرين مختلفين كالنار والشمس وبهذا يظهر أن لا أثر للاختلاف بالقسر والطبع والإرادة فالحركة الصاعدة للنار طبعا وللحجر قسرا وللطير إرادة لا تختلف نوعا وأما الأزمنة فلا يتصور فيها اختلاف الماهية ولو فرض فلا خفاء في جواز إحاطتها بحقيقة واحدة والتمسك بأنها عارضة للحركة واختلاف العارض لا يوجب اختلاف المعروض ضعيف لما سبق من أن هذا التعلق بالزمان غير تعلق الحركة التي جعل الزمان عارضا لها فإنها إنما هي حركة الفلك الأعظم وإذا اختلف المبدأ والمنتهى اختلفت الحركة وإن كان ما فيه واحدا أما في الأين فكالحركة الصاعدة مع الهابطة وأما في الكيف فكالحركة من البياض إلى السواد على طريق التصفر ثم التحمر ثم التسود مع الحركة من السواد إلى البياض على طريق التحمر ثم التصفر ثم التبيض وكذا إذا اختلف ما فيه وإن اتحد المبدأ والمنتهى كالحركة من نقطة إلى نقطة على الاستقامة معها على الانحناء وكالحركة من البياض إلى السواد على طريق الأخذ في الصفرة ثم الحمرة ثم السواد معها على طريق الأخذ في الخضرة ثم النيلية ثم السواد وما ذكر في المواقف من أنه لا بد من وحدة ما فيه وما منه وما إليه إذ لو اختلف ما فيه اختلف النوع كالتسخن والتسود ليس على ما ينبغي لأن هذا إنما يصح للتمثيل دون التعليل وكأنه أراد أنه يختلف النوع عند اختلاف مجرد ما فيه كما يختلف عند اختلاف الأمور الثلاثة مثل التسخن والتسود أو كان الأصل كالتسخن والتبرد فصحف إلى التسود وأما وحدة الحركة بالتشخص فلا بد فيها من وحدة الأمور الستة سوى المحرك للقطع بأن حركة زيد غير حركة عمرو وحركة زيد اليوم غير حركته أمس وحركته من هذا الموضع غير حركته من موضع آخر وحركته من نقطة معينة إلى نقطة غير حركته منها إلى نقطة أخرى وحركته من نقطة إلى نقطة أخرى بطريق الاستقامة غيرها بطريق الانحناء وكذا في الكم والكيف والوضع لكن لا خفاء في أن وحدة ما فيه أعني وحدته الشخصية تستلزم وحدة ما منه وما إليه من غير عكس فلهذا يكتفى بوحدة الموضوع والزمان وما فيه لا يقال ينبغي أن يكتفى بوحدة الموضوع والزمان لاستلزامها وحدة المسافة ضرورة أن حركة زيد في زمان معين لا تكون إلا في مسافة معينة لأنا نقول هذا إنما يكون عند اتحاد جنس الحركة وإلا فيجوز أن ينتقل في زمان معين من أين إلى أين ومن وضع إلى وضع ومن مقدار إلى مقدار ومن كيف إلى كيف بل ومع اتحاد الجنس أيضا لا يصح على الإطلاق لجواز النمو والتخلخل والتسخن والتسود في زمان واحد وأما وحدة المحرك فلا عبرة بها في وحدة الحركة لأن الحركة الواحدة التي لا يكثر فيها بالفعل أصلا قد يقع بمؤثرات متعددة كحركة الجسم في المسافة بتلاحق الجواذب وحركة الماء في الحرارة بتلاحق النيران ولا يلزم من ذلك اجتماع المؤثرين على أثر واحد لأن تأثير كل إنما يكون في أمر آخر هو بمنزلة البعض من الحركة وهذا التبعض والتجزي لا يقدح في وحدتها على الاتصال لأنه بمجرد الوهم من غير انقسام بالفعل وكذا ما يتوهم من تكثرها باعتبار نسبتها إلى المحركات فإنه لا يبطل وحدتها الاتصالية كما يتوهم بحركة الفلك مع اتصالها انقسامات بسبب الشروق والغروب والمسامتات فإن قيل إن أريد الحركة بمعنى القطع أعني الامتداد الموهوم فلا وجود لها في الخارج أو بمعنى الكون في الوسط أعني الحالة المستمرة الغير المستقرة فهو أمر كلي والواقع بهذا المحرك جزئي مغاير للواقع بذاك فلا تتصور حركة واحدة بالشخص واقعة بمحركين قلنا الظاهر هو الأول ومعنى كونه وهميا أنه بصفة الامتداد والاجتماع لا يوجد إلا في الوهم وإلا فأبعاضها المتوهمة موجودة في الخارج لكن على التجدد والانقضاء كالزمان لا على الاجتماع والاستقرار كالخط مثلا وهذا المجموع الوهمي قد يتحد بالشخص مع تعدد المحرك كالخط الواحد يقع بعض أجزائه بفاعل وبعضها بفاعل آخر لكن ميل الإمام الرازي إلى الثاني وقد حقق القول فيه بأن الحركة بمعنى التوسط بين المبدأ والمنتهى أمر موجود في الآن مستمر باستمرار الزمان ويصير واحدا بالشخص بوحدة الموضوع والزمان وما فيه وإذا فرضت للمسافة حدود معينة فعند وصول المتحرك إليها يعرض لذلك الحصول في الوسط إن صار حصولا في ذلك الوسط وصيرورته حصولا في ذلك الوسط أمر زائد على ذاته الشخصية وهي باقية عند زوال الجسم من ذلك الحد إلى حد آخر وإنما يزول عارض من عوارضها وليس الحصول في الوسط أمرا كليا يكون له كثرة عددية لأن ذلك إنما يكون لو كان في المسافة كثرة عددية حتى يقال الحصول في هذا الحد من المسافة غير الحصول في ذلك وليس كذلك لأن المسافة متصل واحد لا أجزاء لها بالفعل فالحركة فيها عند اتحاد الموضوع والزمان لا تكون إلا واحدا بالشخص وإن أمكن فرض الأجزاء فيه كالخط الواحد وذلك لأن المعتبر في الكلية إمكان فرض الجزئيات لا الأجزاء وهو غير ممكن ههنا ثم قال هذا ما عندي في هذا الموضع المشكل العسر وأنت خبير بما بين طرفي كلامه فإن قيل كيف جاز الاكتفاء بوحدة الموضوع والزمان وما فيه في الوحدة الشخصية دون النوعية حيث احتيج إلى اعتبار وحدة ما منه وما إليه أيضا قلنا لأن المعتبر في وحدة الحركة بالشخص وحدة هذه الأمور بالشخص وفي وحدتها النوعية وحدتها بالنوع وظاهر أن وحدة ما فيه بالشخص تستلزم وحدة ما منه وما إليه ووحدته بالنوع لا تستلزم وحدتهما بالنوع كما في النمو مع الذبول والتسخن مع التبرد والتسود مع التبيض ونحو ذلك بقي ههنا بحث وهو أن تنوع الحركة وما فيه وما منه وما إليه ظاهر في الكم والكيف والوضع فإن المقادير العارضة لبدن الإنسان من الطفولية إلى الكهولة مثلا أنواع مختلفة وكذا ألوان العنب وأوضاع الفلك وأما في الاين فمشكل لأنهم يجعلون الحركة الصاعدة والهابطة بين نقطتين معينتين من الأرض والسماء مختلفتين بالنوع لاختلاف ما منه وما إليه دون ما فيه والحركة من نقطة إلى نقطة على الاستقامة وأخرى بينهما على الانحناء مختلفتين بالنوع لاختلاف ما فيه دون ما منه وما إليه والحركة على الاستقامة يمنة ويسرة فرسخا أو أكثر متفقة بالنوع لعدم الاختلاف في شيء من الأمور الثلاثة فلم يعتبروا في هذا الاتفاق والاختلاف بحال طبائع الأجسام المحيطة بالمتحرك بل بحال الأيون أنفسها وظاهر أن كون الاين الذي للحجر في أسفل الهواء مخالفا بالنوع للأين الذي في أعلاه وكون الأيون التي في الأوساط متفقة بالنوع تحكم إذ لا تفاوت إلا بالقرب من المركز أو المحيط وهو أمر عارض ولو أخذ مجموع المعروض والعارض وجعل نوعا فمثله ثابت في الأوساط غايته أنه لا يكون على تلك الغاية من القرب والبعد وكذا الكلام في الأيون التي تترتب على استقامة المسافة أو انحنائها والتي تترتب على الاستقامة يمنة ويسرة فإن الاختلاف النوعي والاتفاق فيها مما ليس بظاهر وغاية ما يمكن في ذلك أن الحركة لما انطبقت على المسافة التي هي امتداد متصل وقد تقرر عندهم أن المستقيم والمنحنى نوعان من الكم كالاستقامة والانحناء من الكيف جعلوا الحركة أيضا كذلك ولهذا توصف هي أيضا بالاستقامة والاستدارة وهذا بخلاف الزمان المنطبق على الحركة لأنه واحد لا يعرض له التكثر والانقطاع بالفعل وأما في الصعود والهبوط فذكر الإمام أن الطرفين وإن لم يختلفا بالماهية لكنهما اختلفا بالمبدأية والمنتهية وهما متقابلان تقابل التضاد وهذا القدر كاف في وقوع الاختلاف بين الحركتين ويرد عليه أن هذا جار في كل حركة من مبدأ إلى منتهى مع الرجوع عنه إلى ذلك المبدأ إلا أن يقال لما كان مبدأ الصعود والهبوط ومنتهاهما في جهتين حقيقتين لا يتبدلان اصلا فلا يصير العلو سفلا أو بالعكس بخلاف سائر الجهات اعتبر ذلك ولهذا لا يمكن اعتبار الصاعدة هابطة أو بالعكس بخلاف الحركة يمنة ويسرة ( قال وأما أن وحدتها الجنسية ) ذكروا أن الوحدة الجنسية للحركة إنما تكون بوحدة ما فيه جنسا أعني المقولة حتى أن الحركة في الكم مع الحركة في الكيف والأين والوضع أجناس مختلفة وحركة النمو والذبول والتخلخل والتكاثف جنس واحد وكذا في الكيف وغيره وصرح الإمام بأن اتحاد حركات المقولة الواحدة اتحاد في الجنس العالي ثم يتناول على ترتيب أجناس المقولة مثلا الحركة في الكيف جنس عال وتحته الحركة في الكيفية المحسوسة وتحتها الحركة في المبصرات وتحتها الحركة في الألوان وعلى هذا القياس ولا خفاء في أن هذا إنما يصح إذا لم يكن مطلق الحركة جنسا لما تحته بل يكون مقولية الحركة على الأربع بالاشتراك اللفظي فلا يتحقق مطلق شامل أو بالتشكيك فيكون المطلق عرضيا للأقسام لا ذاتيا والأول باطل يمثل ما مر في الوجود كيف والتغير التدريجي الذي هو حاصل قولهم كمال أول لما هو بالقوة من حيث هو بالقوة مفهوم واحد يشمل الكل وأما الثاني أعني التشكيك فذهب إليه الكثيرون تمسكا بأن الحركة كمال أي وجود الشيء لشيء من شأنه ذلك والوجود مقول بالتشكيك ورد بأن الكبرى طبيعية لا كلية لأن المقول بالتشكيك مفهوم الوجود لا ما صدق هو عليه من الأفراد ومنعه آخرون لأنه لا يتصور كون بعض أقسام الحركة أولى أو أقدم أو أشد في كونها حركة بل لو أمكن نفي الاتصاف بالوجود كالعدد يكون لبعض أقسامه تقدم على البعض في الوجود لا في العددية فيكون التشكيك عائدا إلى الوجود فإن قيل على تقدير التواطؤ لا يثبت الجنسية لجواز أن يكون عارضا كالماشي قلنا هذا مع أنه بعيد غير مقيد أما البعد فلأنه لا يعقل من الحركة في الكيف مثلا إلا تغير على التدريج من كيفية إلى كيفية وأما عدم الإفادة فلأن القول بأن الوحدة الجنسية يتوقف على وحدة ما فيه إنما يتم إذا ثبت عدم جنسية مطلق الحركة ولا يكفي عدم ثبوت الجنسية وقد يقال لو كانت الحركة جنسا لأقسامها لزادت المقولات على العشر لأنها لا محالة يكون جنسا عاليا بل ربما يكون فوق المقولات الأربع فيبطل كونها أجناسا عالية ويجاب بالمنع لجواز أن يكون من مقولة أن ينفعل على ما سبق مع وقوعها في المقولات الأربع بالمعنى الذي ذكرنا وإنما يلزم ما ذكر لو كانت الحركة الواقعة في الكم من الكم وفي الكيف من الكيف وفي الأين من الأين وفي الوضع من الوضع فإنه يمتنع حينئذ كون مطلق الحركة مندرجة تحت شيء من المقولات العشر لامتناع تداخلها نعم لو أريد أن الوحدة الجنسية لما يصدق عليها إنها بعض أقسام الحركة إنما يكون بالوحدة الجنسية لما فيه الحركة لكان وجها ولا ينافيه كون مطلق الحركة جنسا ( قال وأما تضادها ) لا خفاء في أن اختلاف أحوال الحركة إنما يكون لاختلاف متعلقاتها فتضاد الحركة ليس لتضاد المتحرك لأنه جسم ولا تضاد فيه بالذات ولو اعتبرنا التضاد بالعرض فقد يكون متضادا بالعرض فقد يكون متضادا مع تماثل الحركتين كحركة الحار والبارد مثل النار والماء إلى العلو وقد يكون واحدا مع تضاد الحركتين كحركة جسم من العلو إلى السفل وبالعكس أو من البياض إلى السواد وبالعكس أو من غاية نموه إلى ذبوله وبالعكس أو من انتصابه إلى انتكاسه وبالعكس ولا لتضاد المحرك لتماثلها مع تضاد المحركتين كما في الحركة الصاعدة للحجر والنار بالقوة القسرية والطبيعية المتضادتين وتضادها مع اتحاد المحرك كما في حركة الجسم صعودا وهبوطا بالإرادة أو بالقسر ولا لتضاد الزمان لأنه ليس فيه اختلاف ماهية فضلا عن التضاد ولو فرض فتضاد العوارض لا يوجب تضاد المعروضات ولا لتضاد ما فيه لأن الصعود والهبوط متضادان مع اتحاد ما فيه وكذا التسود والتبيض عند اتحاد الطريق فتعين أن يكون تضاد الحركة لتضاد ما منه وما إليه وتضادهما قد يكون بالذات كما في الحركة من السواد إلى البياض وبالعكس ومن غاية النمو الذي في طبيعة الجسم إلى غاية الذبول وبالعكس ومن الانتصاب إلى الانتكاس وبالعكس وما يقال أنه لا تضاد في الحركة الوضعية فمختصة بالمستديرة وقد يكون بالعرض كما في الحركة الصاعدة مع الهابطة بحسب ما بين مبدائهما من التضاد بعارض كون أحدهما في غاية القرب من المركز والبعد من المحيط والآخر بالعكس وكذا المنتهى فإن قيل قد ذكروا أن تضاد العارض لا يوجب تضاد المعروض فكيف أوجب تضاد عارض بعض ما يتعلق به الحركة تضاد الحركة مع أن هذا أبعد قلنا مرادهم أن ذلك بمجرده وعلى إطلاقه لا يوجب تضاد المعروض وأما إذا كان بخصوصه بحيث يوجب صدق حد الضدين على المعروض أو على ما يتعلق به فلا استبعاد وههنا قد صدق بتضاد الطرفين حد الضدين على الحركتين لأنهما أعني الصاعدة والهابطة أمران وجوديان يمتنع اجتماعهما في زمان واحد من جهة واحدة مع كونهما نوعين من جنس بينهما غاية الخلاف وهذا بخلاف الحركة المستقيمة من نقطة من المسافة إلى نقطة مع الرجوع عنها إلى الأولى لا بطريق الصعود والهبوط فإنهما نوع واحد وبخلاف المستقيمة والمنحنية أو المنحنيتين وإن كانت إحداهما فوق والأخرى تحت فإنهما ليستا على غاية الخلاف لأن بين كل نقطتين قسيا غير متناهية والعظمى أشد انحناء فأشد مخالفة ولا يجوز أن يعتبر مطلق الانحناء لأنه لا يوجد في الخارج إلا في ضمن معين وكل معين يوجد فما فوقه أشد مخالفة منه وههنا مواضع بحث
الأول أن القوس التي تماس محدب الفلك المحيط في غاية الخلاف فالحركة عليها ينبغي أن تكون ضد الحركة المستقيمة لصدق الحد بجميع شرائطه
الثاني أن الصاعدة والهابطة المستقيمتين أيضا قد لا تكونان على غاية الخلاف كالصعود من وجه الأرض إلى النار والهبوط منها إليه لظهور أن الصعود إلى الفلك أشد مخالفة لذلك الهبوط والهبوط إلى مركز الأرض أشد مخالفة لذلك الصعود
الثالث أن ظاهر كلامهم هو أن المعتبر في تضاد الحركتين تضاد مبدأهما وتضاد منتهيهما جميعا فالصعود والهبوط من المركز والمحيط إلى حيز من الهواء مثلا لا يكونان متضادين لاتحاد المنتهى وكذا الصعود والهبوط منه إلى المحيط والمركز لاتحاد المبدأ وقد صرح ابن سينا بأنه لا تضاد بين حركتي الماء بالطبع من فوق الهواء ومن تحت الأرض لأنهما ينتهيان إلى نهاية واحدة ولا يظهر لهذا سبب سوى ما ذكره الإمام وهو أنهما ليستا على غاية التباعد لأن البعد بين حركة النار وحركة الأرض أكثر من البعد بين صعود الماء من المركز وهبوطه عن المحيط وعلى هذا لا يتحقق التضاد في الحركات الاينية إلا بين الصعود من المركز إلى المحيط والهبوط من المحيط إلى المركز إذ فيما سوى ذلك لا يتحقق ما اعتبروه ههنا في التضاد من غاية التباعد وكون ضد الواحد واحدا وهم مصرحون بأن حركتي الحجر علوا وسفلا بالقسر والطبع متضادتان والجواب أن تضاد الحركة لتضاد ما منه وما إليه ليس من حيث الحصول فيهما إذ لا حركة حينئذ بل من حيث التوجه فيعتبر حال الجهة وجهتا العلو والسفل متميزتان بالطبع مختلفتان بالنوع متضادتان بعارض لازم هو غاية القرب من المحيط والبعد عنه بخلاف سائر الجهات
Shafi 273