129

Sharhin Ma Bayan Tabi'a

شرح ما بعد الطبيعة

Nau'ikan

Falsafa

قال ارسطو وكذلك ابا بعض الناس حقيقة المعرفة فى الاشياء الظاهرة من المحسوسات وليس يمكن ان يقضى على الحق بالكثرة ولا بالقلة فان الشىء الواحد قد يحسه بعض الناس بالذوق حلوا ويحسه بعضهم مرا ويظن انه كذلك فلو كان جميع الناس مرضى او كانوا تغيرت عقولهم وكان الاصحاء منهم الاثنين او الثلثة او الذين لهم عقول اثنان او ثلاثة لظن بهولاء انهم مرضى وانهم قد تغيرت عقولهم وان الباقين ليسوا كذلك وايضا ان كثيرا من الحيوان تظهر لهم الاشياء بضد ما هى عليه ولنا يظهر كذلك ولكل واحد فى ذاته تظهر اشياء فى حواسه على الضد وعلى خلاف ما يظن وليس على ما هى عليه وليس ببين لهم اى هذه حق او باطل لان هذه ليس تودى الى الضد اكثر مما تودى اليه تلك بل هى متشابهة فيما تودى ولذلك قال ذيمقراطيس اما الا يكون حق البتة واما ان يكون لا يبين لنا وبالجملة لما ظنوا ان العقل هو الحس والحس هو اليقين قالوا ان الحق باضطرار ما يظهر بالحس ومن هذه الاراء اعتقد ابن دقليس وذيمقراطيس وكل واحد من الباقين هذه الظنون وصاروا كقول القائل علة لهذه الاقاويل فقد قال ابن دقليس ان من تغيرت بنيته تغير عقله ويقول ايضا برمنيدس مثل هذا القول فانه يقول ان العقل يخص الناس على قدر مزاج اعضاء كل واحد من الناس الكثيرة التغير وافهامهم اجمعون على قدر ذلك وقد ذكر بعض اصحابنا قولا من اقاويل انكساغورش يقول فيه ان الهويات عند الناس على قدر ظنونهم فيها وقد ذكروا ان اوميرش كان يرى قديما هذا الراى بما تبين من قوله فانه ذكر فى شعره لا قطر وقال فيه انه لما ضرب فزع وطار عقله فعقل عقلا اخر كانه كان يرى ان الذين طار عقلهم يعقلون ايضا وهذا ليس هكذا وهو بين انه ان كان فى الحالين جميعا ذا عقل فليس اذا عقل ان الهويات معا وليست هى على حال وعلى خلاف تلك الحال معا ويعرض من الحالين جميعا امر صعب جدا فانه ان كان هولاء هم الذين راوا ما يمكن من الحق اكثر من غيرهم وهم المجدون فى الطلب وان كانت ظنون هولاء على قدر هذا الاختلاف واقوالهم هذه الاقاويل فى معرفة الحق فكيف لا ينبغى لمن اراد ان يشرع فى النظر فى الفلسفة ان تكف عنايته فانه ان كان هذا هكذا فطلب الحق يشبه العدو فى طلب ما يطير التفسير لما بين الشبهة التى افضت الى القول بان الاضداد موجودة معا عند من قال بذلك وحل تلك الشبهة اخذ يذكر ايضا شبهة اخرى عرض من قبلها ايضا ان استنكر اناس اخرون النظر فقالوا ليس حقيقة هاهنا فقال وكذلك ابا بعض الناس حقيقة المعرفة فى الاشياء الظاهرة من المحسوسات يريد وكذلك انكر بعض الناس ان يكون لما تدركه الحواس من المحسوسات حقيقة بان قالوا ان الذى يدركونه بالحس ليس له حقيقة ثم ذكر السبب الذى اداهم الى ذلك فقال وليس يمكن ان يقضى على الحق بالكثرة ولا بالقلة فان الشىء الواحد قد يحسه بعض الناس بالذوق حلوا ويحسه بعضهم مرا يريد انهم قالوا ان السبب فى ان ما يدرك من المحسوسات ليس له حقيقة فى ذاته ان بعض الاشياء يحسها بعض الناس بالذوق حلوا وبعضهم مرا ولا فرق بينها الا ان الذين يحسون الاشياء التى تقال حلوة هم الكثير اعنى الاصحاء والذين يحسونها مرة هم القليل اعنى المرضى ولا يقضى على الشىء انه حق بشهادة الكثير دون القليل ثم ذكر السبب الذى من قبله ردوا على من رد عليهم بان قال ان الذى يدركه الاصحاء هو الحق والذى يدركه المرضى هو باطل لان الاصحاء هم الكثير فقال فلو كان جميع الناس مرضى وكانوا قد تغيرت عقولهم وكان الاصحاء منهم الاثنين او الثلثة او الذين لهم عقول اثنان او ثلثة لظن بهولاء انهم مرضى وانهم قد تغيرت عقولهم وان الباقين ليسوا كذلك يريد وقالوا ولا ينبغى ان يوثق بظن الاصحاء ان المرضى قد تغيرت حواسهم وعقولهم اذ يحسون اشياء غير التى يحسها الاصحاء ويعقلون اشياء غير التى يعقلها الاصحاء ايضا فان العلة فى هذا انما هى الكثرة والقلة فانه لو قدرنا مثلا ان الكثير هم المرضى والقليل هم الاصحاء لانعكس هذا الظن فقيل فى الاصحاء انهم مرضى وان حواسهم وعقولهم تغيرت وان الباقين هم الاصحاء الذين نظرهم صحيح ثم ذكر حجة اخرى لهم فقال وايضا ان كثيرا من الحيوان تظهر لهم الاشياء بضد ما هى عليه ولنا يظهر كذلك ولكل واحد فى ذاته تظهر اشياء فى حواسه على الضد يريد انهم كانوا يحتجون على ذلك المعنى بان قالوا انه يظهر ان كثيرا من الحيوان يدرك من المحسوسات الواحدة بعينها المتضادات وذلك ان منهم من تراه يدبر عن الشىء الواحد بعينه على انه كره وضار ومنهم من يقبل على هذا الشىء على انه لذيذ ونافع ومثل هذا الذى يعرض للحيوان يعرض لنا ايضا مع الحيوان فانا نرى كثيرا من الحيوان تلذه من المطعومات اشياء توذينا وتوذيه اشياء تلذنا وقوله ولنا يظهر كذلك ولكل واحد فى ذاته تظهر اشياء فى حواسه على الضد يريد ومثل ما يعرض للحيوان يعرض للانسان ايضا وذلك انه قد يلذ انسانا ما يوذى غيره ولا يعرض ذلك للناس المختلفين فقط بل والانسان الواحد قد يرى يدرك من الشىء الواحد بعينه بالحس خلاف ما هو عنده بالظن واذا كان ذلك كذلك فليس للمحسوسات فى نفسها حقيقة تدرك وانما هى بحسب المدرك وقوله وليس على ما هى عليه يريد انه معلوم انها ليست على ما يحسها وقوله وليس ببين لهم اى هذه حق او باطل يريد انهم كانوا يقولون لمكان هذا كله فلا يتبين لنا من ذلك ما هو حق او باطل ثم اتا بالسبب فى ذلك فقال لان هذه ليس تودى الى الضد اكثر مما تودى اليه تلك بل هى متشابهة فيما تودى يريد لان الحس الذى يحكم فى الشىء الواحد على احد الضدين ليس حكمه عليه اثبت من حكم الحس الاخر عليه بالضد الاخر مثال ذلك ان الحس الذى يحكم من الحيوان بان ذلك لذيذ ليس حكمه على ذلك اثبت من الحس الذى يحكم منه عليه بانه كره وموذ ثم قال ولذلك قال ذيمقراطيس اما الا يكون شىء حق البتة واما الا يكون يبين لنا يريد ولذلك شك ذيمقراطيس فقال ان اللازم من ذلك هو احد امرين اما الا يكون شىء البتة له حقيقة فى ذاته خارج الذهن واما ان يكون هاهنا شىء له حقيقة فى ذاته ولنا سبيل الى ادراكه ثم قال وبالجملة لما ظنوا ان العقل هو الحس والحس هو اليقين قالوا ان الحق باضطرار ما يظهر للحس يريد والسبب فى غلطهم انهم كانوا يظنون ان العقل هو الحس وانه لا فرق بينهما وكانوا يظنون ان العلم اليقين يدرك بالحس فاعتقدوا لمكان هذا انه ان كان هاهنا علم يقين فهو يدرك بالحس ولما راوا المحسوسات تظهر باحوال مختلفة عند الحس اعتقدوا انه ليس من يقين هاهنا البتة ثم قال ومن هذه الاراء اعتقد ابن دقليس وذيمقراطيس وكل واحد من الباقين هذه الظنون وصاروا كقول القائل علة لهذه الاقاويل يريد ومن قبل هذه الشبهة التى ذكرنا ظن هولاء الناس هذه الظنون وكان ما اشتهر عندهم من ذلك الراى علة للقول به اعنى انهم ظنوا ان الاشياء كلها ظنون وانه ليس حق هاهنا البتة ثم قال فقد قال ابن دقليس ان من تغيرت بنيته تغير عقله يريد ان ابن دقليس كان يقول ان هاهنا عقولا كثيرة لها احكام مختلفة وان كل عقل منها تابع لمزاج خاص ولذلك قال من تبدل مزاجه تبدل عقله اى من انتقل من مزاج الى مزاج انتقل من عقل الى عقل ويحتجون لهذا مما يظهر من تغير العقل فى المرضى لتغير المزاج ثم قال ويقول برمنيدس ايضا مثل هذا القول فانه يقول ان العقل يخص الناس على قدر مزاج اعضاء كل واحد من الناس الكثيرة التغير وافهامهم اجمعون على قدر ذلك يريد فانه كان يقول ان العقول يختص واحد واحد منها بواحد واحد من الناس على قدر بنيتهم وامزجتهم ثم قال وقد ذكر بعض اصحابنا قولا من اقاويل انكساغورش ان الهويات عند الناس على قدر ظنونهم فيها يريد انهم كانوا يعتقدون فى الموجودات انها تابعة لظنون الناس وانه ليس لها وجود خارج النفس الا بحسب ما يعقل منها انسان انسان ثم قال وقد ذكروا ان اوميرش كان يرى هذا الراى بما تبين من قوله فانه ذكر فى شعره لا قطر وقال انه لما ضرب فزع وطار عقله فعقل عقلا اخر يريد وقد يظن فى اوميرش الشاعر انه كان يعتقد ان هاهنا عقولا كثيرة وانها تابعة لانواع المزاج بما قال وقد ذكر فى شعره كذا لرجل معروف عندهم عرض له خبر معروف فانه قال فيه انه لما ضرب فزع وطار عقله فعقل عقلا اخر وقوله كانه كان يرى ان الذين طار عقلهم يعقلون ايضا يريد وذلك ان هذا القول من اوميرش الشاعر يوهم انه كان يرى ان كل من طار عقله لتغير مزاجه فانه يعقل عقلا اخر غير الاول ثم قال وهذا ليس هكذا يريد وليس ما ظنوا من ذلك بحق ثم اخذ يعرف غلطهم فقال وهو بين انه ان كان فى الحالين جميعا ذا عقل فليس اذا عقل ان الهويات معا وليست هى على حال وعلى خلاف تلك الحال معا يريد انه من البين انه وان كان عقل فى الحالين عقلا مختلفا فلا يعقل فى إحداها ان الهويات هوية واحدة او ان الهويات على حال وعلى خلاف تلك الحال معا وانما اراد بهذا انه ليس من شان عقل من العقول ان يعقل ان الهويات المتضادة موجودة معا او هى شىء واحد وقوله ويعرض من الحالين جميعا أمر صعب جدا يريد ان المحال يلزم على اى حال وضع العقل اما على حال هذا العقل الموجود او على خلافها ثم قال فان كان هولاء هم الذين رأوا ما يمكن من الحق اكثر من غيرهم وهم المجدون فى الطلب الى قوله فى طلب ما يطير يريد فان كان هولاء يرون انهم طلبوا الحق اكثر من غيرهم وكانت اقاويلهم فى الحق مثل هذه الاقاويل المستحيلة فكيف لا يعرض لمن وقف عليها ان تكف عنايته فى طلب الحق وان يظن ان طالب الحق يشبه الذى يعدو لادراك ما يطير اعنى انه لا يدركه ابدا

Shafi 420