Sharh Lumat al-I'tiqad by Al-Mahmood
شرح لمعة الاعتقاد للمحمود
Nau'ikan
إحاطة الله ﷿ بكل شيء
ثم قال المصنف مستشهدًا: [﴿لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى﴾ [طه:٦]] .
وهذا لبيان كمال صفاته، فهو سبحانه مالك الملك؛ فمن من المخلوقين يملك شيئًا؟
الجواب
لا أحد! حتى ملوك الدنيا فملكهم ناقص من جهتين: من جهة أنه ملك لا يستطيع هو أن يحرزه ويتصرف فيه كما يشاء؛ ومن جهة أخرى: أن ملكه هذا إما أن يرحل هو عنه أو يرحل عنه ملكه؛ أما مالك الملك الذي له ما في السماوات وما في الأرض فهو الخالق له وهو المالك ﵎.
وقوله تعالى: (وَمَا بَيْنَهُمَا)، أي: ما بين السماء والأرض؛ (وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)، وهذا لبيان أن الله ﷾ له كل شيء.
ثم قال: [﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه:٧]] .
هذا لبيان كلام الله ﷾، وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ﴾ [طه:٧]؛ لبيان أن الجهر بالقول أو العلانية عنده سواء، ولذا جاء التعليل بقوله: ﴿فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه:٧]، والسر: قيل: هو ما يسره الإنسان لشخص آخر، فيقال: ساره بكذا، أي: كلمه سرًا بينه وبينه؛ فقوله تعالى: (وَأَخْفَى)، أي: أخفى من هذا السر الذي يكون بين اثنين وهو ما يسره الإنسان في نفسه فلا يخبر به أحدًا؛ فإن كان قوله: (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ) أي ما يسره الإنسان في نفسه فالذي يظهر -والله أعلم- أن قوله ﵎: (وَأَخْفَى) أي: ما هو أخفى من السر، أي: مما يجهله الإنسان من نفسه هو؛ فإن الإنسان يسر أمرًا فيعلمه، لكن في نفسه أمور هي أخفى مما يسره، فالله ﷾ يعلمها؛ فكيف بما فوق السر من الجهر بالقول؟! لا شك أن الله ﷾ يعلم كل شيء، كما قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [المجادلة:٧] .
ولذا قال المصنف هنا: [أحاط بكل شيء علمًا] .
وهذا هو مدلول الآية التي ذكرت: أن الله أحاط بكل شيء علمًا؛ كما قال تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ [البقرة:٢٥٥]، وقال: ﴿يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى﴾ [طه:٧]، فالله ﷿ قد أحاط بكل شيء علمًا، وهذا نص الآية: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق:١٢] .
وقوله: (بكل شيء)، هذه نكرة تعم، أي: أن علمه أحاط بكل شيء مهما دق أو صغر أو خفي في ليل أو نهار في أعماق البحار أو تحت الثرى أو نحو ذلك، فقد أحاط الله ﵎ وتقدس بكل شيء.
1 / 14