Sharh Lamiyyat Shaykh al-Islam
شرح لامية شيخ الإسلام
Nau'ikan
ـ[لامية شيخ الإسلام]ـ
مؤلف الأصل: تُنسب لشيخ الإسلام ابن تيمية (المتوفى: ٧٢٨هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - ٣ دروس]
Shafi da ba'a sani ba
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح لامية شيخ الإسلام (١)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي هذه الساعة المباركة، من هذا اليوم الطيب المبارك نلتقي بالإخوة من طلاب العلم، ونتدارس موضوعًا من أهم الموضوعات، وفنًا من أعظم الفنون، وهو فن الاعتقاد والعقيدة، وإن كان الدين بجميع أبوابه في غاية الأهمية بالنسبة للعالم والمتعلم، فقد ثبت عن النبي ﵊ من حديث معاوية -رضي الله تعالى عنه- أن النبي ﵊ قال: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» مفهومه أن الذي لا يتفقه في الدين الله -جل وعلا- لم يرد به خيرًا، ولكن قد يقول قائل: إن عوام المسلمين وقد فتح لهم ما فتح من أبواب الخير، من لزوم صلاة وزكاة وصوم وحج وفعل للمأمورات وترك للمحذورات، لكنهم لم يتفقهوا في الدين، هل أراد الله بهم شرًا؟ أو نكتفي بقولنا: إن الله -جل وعلا- لم يرد به خيرًا؟
ولو افترضنا أن شخصًا من عوام المسلمين ممن لا يقرأ ولا يكتب، لكن الله -جل وعلا- منَّ عليه بالاستقامة، فلزم الصلوات، وأدى الزكوات، وقد يكون من أهل الأموال الطائلة، وسخر هذه الأموال لخدمة الدين، وأنفقها في تعليم الناس الخير، هل نقول: إن الله -جل وعلا- أراد بهذا شرًا؛ لأنه لم يتفقه في الدين؟ أو نكتفي بقولنا: إن الله -جل وعلا- لم يرد به خيرًا؟ الخير المرتب على الفقه في الدين، والله -جل وعلا- وإن لم يرد به خيرًا؛ لأنه لم يتفقه في الدين إلا أن الله -جل وعلا- أراد به خيرًا حيث ألزمه الاستقامة «قل آمنت بالله ثم استقم» ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ [(٣٠) سورة فصلت] فهذا استقام بفعل الأوامر، وترك المحذورات والنواهي، وبذل من نفسه وماله وجاهه لنصر الدين ما بذل، هذا أراد الله به خيرًا، لكنه من أبواب أخرى لا من باب الفقه في الدين.
إذا عرفنا هذا فما المراد بالفقه في الدين؟ الفقه في الدين، أولًا: الفقه الذي هو الجزء الأول، والدين الذي هو الجزء الثاني.
1 / 1
الفقه: يراد به الفهم عن الله وعن رسوله، ما جاء في كتابه وسنة نبيه ﵊، هذا الفقه، ولا يكون ذلك إلا بعد حفظ هذه النصوص.
والمراد بالدين: الدين بجميع أبوابه، كما جاء في حديث جبريل حينما سأل النبي ﵊ عن الإسلام والإيمان والإحسان، وأجابه بالأجوبة المعروفة في الحديث المستفيض ذكره في دواوين الإسلام، قال النبي ﵊ بعد ذلك: «هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم» فدل على أن الدين شامل لجميع أبوابه، فيشمل العقائد، ويشمل الأحكام من العبادات والمعاملات والمناكحات والأحوال الشخصية والحدود والجنايات، ويشمل أيضًا المغازي والسير والأدب، ويشمل أيضًا الزهد والرقائق، ويشمل بقية أبواب الدين فجميع أبواب الدين داخلة في هذا الحديث.
وكون الفقهاء الذين اهتمامهم بالأحكام العملية يصدرون كتبهم بما يسمى ببراعة الاستهلال، الحمد لله الذي فقَّه ما شاء في الدين واختصه ... الخ.
الحمد لله الذي فقه من شاء بالدين، واختصه بالخير الوارد على لسان خير المرسلين، الخ، يقولون هذا الكلام، فمفهوم كلامهم أن الحديث الوارد فيه الترغيب في الفقه في الدين محصور على الأحكام، والأحكام باب من أبواب الدين، وإذا أردنا الحصر فالعقائد أهم وأولى أن تدخل من الأحكام؛ لأنها عند أهل العلم عُرفت بالفقه الأكبر، ويقابلها الفروع، فالأكبر هو الأصول، ولم يكن هذا التقسيم -يعني تقسيم الدين إلى أصول وفروع- معروف في عصر الصحابة والتابعين، وإنما عُرف بعدهم في تقسيم العلوم إلى تخصصات وفروع، عندهم أصول وفروع، وعندهم أيضًا وسائل، وعندهم غايات، فالمراد بالغايات معروف نصوص الوحيين، والوسائل ما يعين على فهم هذه النصوص.
1 / 2
وهناك ما يسمى عندهم بعلوم الآلة التي تعين على فهم الكتاب والسنة، يقسمون هذه التقاسيم، وبالإمكان لو اعتنى بارعًا بتفسير القرآن، وأدخل فيه جميع العلوم، هذا ممكن، وإذا نظرنا إلى التفاسير المتنوعة المتشعبة المطولة والمختصرة كل واحد منها يخدم جانب من هذه الجوانب، فتجد هذا يفسر القرآن بالأثر، ويحشد فيه من النصوص المرفوعة والموقوفة والآثار وغيرها ما يحشد، وهذه تفاسير الأئمة المعروفين كابن جرير وابن كثير والبغوي وابن أبي حاتم وغيرهم، تفسير بالأثر، وهذا أهم ما يفسر به القرآن الأثر، وتجد منهم من يجعل اهتمامه في تفسير القرآن لبيان الأحكام المستنبطة من الآيات، وألف في هذا كتب وأحكام القرآن.
1 / 3
الحنفية ألفوا من مؤلفاتهم: أحكام القرآن للجصاص، المالكية ألفوا أحكام القرآن لابن العربي، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي، الشافعية ألفوا أحكام القرآن لإلكيا الطبري، والإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي وغيرهم، فهذا يخدم جانب، والأول يخدم جانب، وهناك من يخدم القرآن من الناحية اللفظية، فتجده ينصب جل اهتمامه على الصناعة، صناعة اللفظ، وهنا أيضًا يتشعبون، منهم من يخدمه من ناحية النحو والصرف، ومنهم من يخدمه من ناحية المعاني والبيان وفنون البلاغة، ومنهم من يحشد في تفسيره علم الكلام، ويورد فيه جميع ما كتبه المتكلمون في مسائل المعتقدات، كالرازي مثلًا، ومنهم من يخدم القرآن بأسلوب أدبي سلس يقرأه الطالب ولا يمله، لكن تجد الفائدة في الجملة منه أقل، ومنهم من يعنى بتناسب الآيات والسور، وفي هذا كتاب برهان الدين البقاعي (نظم الدرر) في اثنين وعشرين مجلد، وإن كان الشوكاني -رحمه الله تعالى- أنكر عليه إنكارًا شديدًا، بل جزم بأنه لا مناسبة بين الآيات والسور، تنزل الآية فيقول النبي ﵊: ضعوها في المكان المناسب فتوضع، وانتهى الإشكال، نعم هناك آيات لا شك أن التماس المناسبة بينها وبين ما قبلها فيه شيء من التكلف، لكن لا ينكر أن كثير مما يقوله البقاعي وغيره ظاهر وواضح، نعم، فخدمة القرآن لو اجتمعت هذه الخدمات في كتاب واحد فبينت العقائد وبسطت بحيث يستغنى بتفسير القرآن عن كتب العقائد، والأحكام أيضًا استنبطت، ويعول في ذلك على ما جاء عن الله وعن رسوله ﵊، ثم بعد ذلك بين في الصناعة اللفظية ما يخدم علم النحو والصرف والبيان والمعاني والبديع والاشتقاق والوضع بعد علم القراءات وغيرها، فهذا طيب، لو وجد كتاب يغني عن المجموع، ويمثل لنا حينئذٍ طريقة السلف في فهم القرآن، ما تجد السلف يقولون: هذا كتاب فقه، وهذا كتاب حديث، وهذا كتاب تفسير، وهذا ... لا، لا يتجاوزون العشرة آيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، ابن عمر مكث في سورة البقرة ثمان سنين يتعلم سورة البقرة، وعندنا الصبيان يحفظون سورة البقرة، ويتجاوزونها في أيام.
1 / 4
المقصود أن مثل هذا يعني خدمة أو الانطلاق في العلوم كلها من القرآن الكريم الذي هو أصل الأصول نافع جدًّا، لكن قد يقول قائل: إننا نحتاج في العقائد مثلًا أن ندخل في هذا التفسير مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية بكاملها، فضلًا عن مؤلفات الأئمة المتقدمين فيمكن أن يكون هذا التفسير في من مئات من المجلدات، يعني لو أدخلنا منهاج السنة، ودرء التعارض بين العقل والنقل، وإلا أدخلنا الجواب الصحيح، وأدخلنا غير ذلك من كتب شيخ الإسلام ابن القيم والإمام أحمد ومن قبلهم، كتب السنة المعروفة عند أهل العلم في العقائد بالأسانيد تطول المسألة.
1 / 5
أقول: لو اعتنى بارع بتأليف تفسير على هذه الكيفية، وجعل المحور الذي يدور عليه والأصل الذي يمتلك منه هو القرآن، ولم يأت بهذه الكتب بكاملها، ما يلزم أن يأتي بهذه الكتب بكاملها، إنما يأتي بمقاصدها ما يحتاجه طالب العلم، وهذه الكتب فيها تكرار كثير، يستغنى عن كثير منها ببعضه، هذا يجعل طالب العلم يتحد قصده وهمه إلى كتاب الله -جل وعلا-، ولا تأتي مناسبة فيها حديث عن النبي ﵊ إلا يورده، وأيضًا إذا كان هناك مجال لبيان إعرابي أو بلاغي، أو ما أشبه ذلك يورده، فطالب القرآن يكتفي به عن غيره، وهذا هو الأصل، مثل ما قلنا: لا تجد في عصر السلف كتاب تفسير يعني مستقل، كتاب عقيدة مستقل، كتاب فقه مستقل، لا، ينطلقون من نصوص الوحيين ويفهمونها؛ لأنهم عرب بالسليقة، والكتاب والسنة بلغة العرب، فلا يحتاجون إلى علوم تخدم لفهم الكتاب والسنة، هي مخدومة بالسليقة، لكن أهل العلم صنفوا في الفنون ونوعوها وحددوها تيسيرًا على طلاب العلم، لكن مع هذا التيسير قد يحصل شيء من التشتيت، وقد يحصل الغفلة عن أهم المهمات، قد تجد طالب العلم يتخصص تبعًا لهذا التيسير وهذا التقسيم، تجده يتخصص في علم من العلوم، ويغفل عن ما عداه، فالذي يتخصص بالسنة قد يكون من أجهل الناس بكثير مما يتعلق بالقرآن والكريم، والعكس تجد من يتخصص بالتفسير يجهل علوم السنة، ومن يتخصص بالفقه تجد معوله على التعليلات، تبعًا لما صنف في هذا الفن، وكثير من استدلالات الفقهاء فيها ما فيها، لماذا؟ لأنه جرد الفقه عن الوحيين، لكن من تخصص في الفقه، وجعل معوله على الكتاب والسنة هذا طيب، من تخصص في الأصول وتعمق فيه واستغرق وقته في هذا التخصص تجده يغفل عن المهمات في العلوم الأخرى، وأما من تخصص في اللغة العربية، وضاع وقته في قراءة كتبها المطولة والمختصرة رغم أهميتها لا نقول: إن العربية لا نحتاج إليها، بل طالب العلم بأمس الحاجة إلى علم العربية، لكن هل كل طالب العلم يحتاج أن يقرأ شرح المفصل لابن يعيش في ثمانية أجزاء في عشرة أجزاء، ليس بحاجة فهو يبحث عن شرح سيبويه، أو يبحث عن كتب النحو المطولة، ليس بحاجة إلى هذا، يكفيه من ذلك البلغة، وكما قال أهل العلم:
1 / 6
إن النحو بالنسبة للكلام مثل الملح للطعام، إذا زاد أفسده؛ فضلًا عن كونه تخصص بتاريخ أو أدب أو شيء من هذا، ويضيع عمره بذلك، ويغفل بهذا عن المقاصد، فعلى طالب العلم أن يعنى ويتفقه في الدين بجميع أبوابه؛ ليكون ممن أراد الله به خيرًا، وتكون عنايته منصبة إلى الكتاب والسنة، وما يخدم علوم الكتاب والسنة.
تقسيم الدين إلى أصول وفروع، إلى فقه أكبر وفقه أصغر، لا شك أنه طارئ، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ينكر هذا التقسيم، ورتبوا تبعًا لذلك أهمية علم العقائد، وأن الزلل فيه أعظم من الزلل والخطأ في غيره من العلوم، وإن كان مأخذها واحد، شيخ الإسلام لا يفرق، يقول: يجعلون الصلاة مع أنها الركن الثاني من الإسلام من الفروع، الصلاة من الفروع، ويجعلون الخلاف في رؤية النبي ﵊ ربه من الأصول، ومقتضى ذلك أن هذه المسألة أهم مما يتعلق بالصلاة، شيخ الإسلام ﵀ ينكر هذا أشد الإنكار، لا شك أن هناك أركان في الإسلام، وفيه أيضًا واجبات فرائض، وفيه مستحبات، فيه الأولويات، يعني لو تعارضت هذه المطلوبات من قبل الشارع، تعارضت، فالمفاضلة بين هذه الأمور أمر مطلوب فتبدأ بالأهم فالأهم.
طالب:. . . . . . . . .
هو كلام الشيخ الإسلام ﵀، يقول: إن العلماء لما جعلوا الدين أصول وفروع، وجعلوا الأصول هي الأهم، والفروع أقل أهمية أورد على ذلك مثل هذه المسائل، هل معنى هذا أن الخلاف في رؤية الرب -جل وعلا- باعتبارها من الأصول أهم من الصلاة باعتبارها من الفروع؟ لا، ما في أحد يقول بهذا، على كل حال مسائل الاعتقاد الخلاف فيها بين الصحابة نادر جدًا، وأكثرها مما اتفق عليه بينهم، وأما مسائل الأحكام العملية فالخلاف فيها كثير بين الصحابة والتابعين، وهذا معروف، وتبعًا لذلك أن ما اتفق عليه الصحابة سواء كان من الأصول أو من الفروع لا مندوحة لأحد من القول به، سواء كان من الأصول أو من الفروع، وما اختلفوا فيه فلأهل النظر فيه سعة، يعني ما اختلف فيه الصحابة من سلف هذه الأمة سواء كان في مسائل الأصول أو الفروع، المتأهل له أن ينظر ويرجح ما يترجح عنده بالدليل، ويعمل بما يعتقد، ويدين الله به -جل وعلا-.
1 / 7
هذه الأبيات الستة عشر التي تسمى (لامية) لأن أواخر الأبيات تنتهي بحرف اللام، ستة عشر بيتًا، وجدت بين رسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية، يعني في المخطوطات يوجد قبلها رسالة لشيخ الإسلام وبعدها رسالة، وكتب على بعضها (عقيدة ابن تيمية) ولذا قالوا: "اللامية لشيخ الإسلام ابن تيمية" اللامية باعتبار أن حرف الروي فيها اللام، وباعتبار أنها وجدت بين بعض مصنفاته، وإلا ما فيها ما يدل على أنها لشيخ الإسلام ابن تيمية، وما ذكرت في مؤلفاته، يعني ما ذكرها ابن القيم -رحمه الله تعالى- في ضمن مؤلفات شيخ الإسلام، ولذا يقولون: المنسوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية، لكن الكلام فيها، الموجود فيها حق، سواء كان لشيخ الإسلام أو لغيره -رحم الله الجميع-، وما دام الكلام حقًا فلطالب العلم أن يعنى بها، فهي منظومة طيبة على اختصارها حوت ما اُتفق عليه من مسائل الاعتقاد، فهي منظومة طيبة، وعلى طالب العلم أن يعنى بها ويحفظها، وينظر في شروحها، ولا أعرف لها شرحًا للمتقدمين.
طالب:. . . . . . . . .
قدم نسبي، هو بعد الألف الذي شرحها، بعد الألف وزيادة، أحمد المرداوي؛ لأنه ينقل عن السفاريني، فهو متأخر، لكنه ليس من المعاصرين، وشرحه هذا طبع قبل أربعين سنة في مطابع النور في الرياض، ثم طبع أخيرًا في دار المسلم، وعليه تعليقات للشيخ صالح الفوزان، ثم رأيت شرحًا لمعاصر من طلاب العلم اسمه يوسف إيش؟
طالب: السالم.
يوسف السالم، شرح طيب في الجملة، أنا تصفحت بعض الصفحات الأولى منه، شرح طيب وموسع، يفاد منه، يستفيد منه طالب العلم مع شرح المرداوي.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 8
افتتح هذا النظم بالبسملة؛ اقتداء بالقرآن الكريم، لكنه لم يفتتح بالحمدلة، النظم لم يفتتح بالحمدلة، ولعله أجراها مجرى الرسائل، فالرسائل تفتتح بالبسملة فقط، وبعض أهل العلم يرى أن الكتب حكمها حكم الرسائل، لا حكم الخطب التي تفتتح بالحمدلة والصلاة على النبي ﵊، ولذا صحيح البخاري -رحمه الله تعالى- ما فيه إلا البسملة، يعني مجرد عن الحمدلة والصلاة على النبي ﵊؛ لأنه في حكم الرسالة التي بعثها لطلاب العلم، ومن أهل العلم من يفتتح بالكتب بالحمدلة اقتداء بالقرآن الذي افتتح بالبسملة والحمدلة.
وأما ما ورد من حديث: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر أجذم» و«كل أمر ذي بال» يعني شأن يهتم به شرعًا «لا يفتتح بالحمد فهو أجذم» فالحديث ضعيف بجميع طرقه وألفاظه، وحسن ابن صلاح والنووي وجمع من أهل العلم لفظ الحمد فقط، وبعض الكتاب المعاصرين ألف كتابًا في العقيدة لما سمع أن الحديث بجميع طرقه وألفاظه ضعيف ما ذكر لا بسملة ولا حمدلة، يقول: لا يجوز العمل بالضعيف مطلقًا، وليته اقتصر على ذلك وسكت، بل افتتح الكتاب بقوله: كانت الكتب التقليدية تفتتح بالبسملة والحمدلة، الكلام مستقيم ولا غير مستقيم؟ يعني لو لم ...، افترض أن الحديث ما ثبت، النبي ﵊ كان يفتتح الرسائل بالبسملة، ويفتتح الخطب بالحمدلة، والقرآن أعظم مقروء، وأعظم مسموع، مفتتح بالبسملة والحمدلة، ويقول القائل: كانت الكتب التقليدية تفتتح والكتاب في العقيدة!
1 / 9
إن بعض الناس ما يستوعب بعض القضايا، يعني ذهنه ما يستوعب مثل هذه الأمور، خلاص سمع من يقول: إن الحديث الضعيف لا يعمل به مطلقًا، وقال: ليش نعمل بحديث ضعيف؟ يعني مثل ما سمع من بعضهم أنه ينهى عن الجلوس بعد صلاة الصبح في المسجد، يقول: لأن الحديث الوارد ضعيف، ينهى، وإذا رأى أحد جلس قال له: نريد أن نخرج، أو تجلس حتى تصلي صلاة العجائز، صلاة الإشراق، النبي ﵊ ثبت في صحيح مسلم أنه كان يجلس حتى تنتشر الشمس، أما كون الركعتين بعد طلوع الشمس وانتشارها تصلى عملًا بهذا الحديث، أو تصلى لأنها صلاة الضحى، ولا كلام لأحد في صلاة الضحى؛ لأن النبي ﵊ أوصى بها أصحابه، وفي حديث: «يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة» يعني المفاصل كل مفصل يحتاج إلى صدقة، فيصبح على كل مفصل ثلاث مائة وستون مفصل، كل واحد يحتاج إلى صدقة، قال: «ويجزئ عن ذلك ركعتان تركعهما من الضحى» فأنت افترض أن هذه صلاة الضحى إذا كنت لا ترى أن الخبر ثابت، وأثبته بعضهم.
فأقول: بعض الناس إذا سمع هذا الكلام وركب هذا على هذا قال: الحديث ضعيف، والضعيف لا يعمل به مطلقًا إذن ليش نجلس؟ والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه، نصوص كثيرة تحث على البقاء في المسجد، والرباط الرباط، الجلوس بين الصلاتين في المسجد، وانتظار الصلاة، والمرء ما دام ينتظر الصلاة فهو في صلاة، والملائكة تدعو له، وتصلي عليه ما دام في مصلاه، ثم يأتي من يقول مثل هذا الكلام! المقصود أن البداءة بالبسملة أمر مشروع في كل شيء، في الأكل والشرب، في الدخول والخروج، في النوم، في كل مجال يبدأ فيه بالبسملة، ولو لم يكن من ذلك إلا أن القرآن كلام الله افتتح بالبسملة.
وأما الحمدلة فأهل العلم يختلفون بالنسبة للكتب هل تجرى مجرى الرسائل فلا تفتتح بالحمدلة، أو تجرى مجرى الخطب فتفتتح بها، أما من جعل لكتابه خطبة كمسلم مثلًا هذه الخطبة تفتتح بالحمدلة، افتتح مسلم خطبة كتابه بالحمدلة، البخاري مجرد من الخطبة افتتحه بالبسملة؛ لأنه في حكم الرسالة، وهنا افتتحت هذه الأبيات بالبسملة.
يقول الناظم -رحمه الله تعالى-:
1 / 10
يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي ... رزق الهدى من للهداية يسأل
"يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي" يا نداء، والمنادى هو السائل، فهل المقصود حقيقة النداء، أو يقال: إنه لمجرد التنبيه؟ لأن السائل أحيانًا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يُسأل، والسائل حاضر يمكن مناداته، وأحيانًا يسأل والسائل غائب لا يمكن مناداته، وفي الرسالة الكيلانية التي كتبها شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في مائتي صفحة، قال: "كتبتها وصاحبها مستوفز يريدها" قدرة، جالس عندهم، يعني ما هو متربع، أو مضطجع ينتظرها، مستوفز، وشيخ الإسلام يكتب، والإنسان إذا أراد أن يحرر صفحة الآن يحتاج إلى وقت، بل قد يعرضها في الأوقات الخمسة، يكتبها بعد صلاة الصبح، ثم يراجعها بعد الظهر، ثم لعله يتبين له شيء، وشيخ الإسلام يكتب الكتاب في الساعة الواحدة، ما يحتاج الناس إلى قراءته في مدة طويلة، وكتب (الحموية) بين الظهر والعصر، والناس يدرسونها في سنة كاملة وما تنتهي، وكتابه (نقض التأسيس) كتبه في مدة يسيرة وحقق في ثمان رسائل، يعني في مدة أربعين سنة؛ كيف في مدة أربعين سنة؟ لأن كل واحد من هؤلاء الطلاب استغرق خمس سنوات في نصيبه، في الثُمن، الكتاب حقق في أربعين سنة، والله المستعان.
البركة، بركة الوقت والعلم والقلم السيال عند شيخ الإسلام شيء لا يخطر على بال، فكونه إن كان حاضرًا لا مانع من أن يناديه، فيقول: يا سائلي هذا جوابك، وإن كان غائبًا فلا يراد به حقيقة النداء.
والإخوان يقولون: إن المتن ما قرئ.
القارئ أين هو؟
تفضل.
بسم الله.
والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
اللهم اغفر لنا ولشيخنا والحاضرين والمستمعين يا رب العالمين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ....
يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي ... رزق الهدى من للهداية يسأل
اسمع كلام محقق في قوله ... لا ينثني عنه ولا يتبدل
حب الصحابة كلهم لي مذهب ... ومودة القربى بها أتوسل
ولكلهم قدر علا وفضائل ... لكنما الصديق منهم أفضل
نعم، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- الناظم سواء كان شيخ الإسلام إن صحت النسبة إليه أو غيره من أهل التحقيق في المعتقد، يقول:
1 / 11
"يا سائلي" والسؤال من قبل المتعلم مأمور به في قوله -جل وعلا-، ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [(٤٣) سورة النحل] والجواب من العالم مطلوب، والكتمان مع القدرة على الجواب لا يجوز، لا سيما إلا تعين؛ فالسائل المتعلم سواء كان عاميًا أو في حكمه من آحاد المتعلمين مأمور به، فالله -جل وعلا- يقول: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْر﴾ والمراد بأهل الذكر هم أهل القرآن وأهل العلم، وليس المراد بهم كما يقول بعض المتصوف الجهال الذين لا علم عندهم يقولون: المراد بأهل الذكر هم من يلزم الذكر ولو لم يكن عنده علم، ثم ما هذا الذكر الذي يلزمونه؟ أذكار مبتدعة مخترعة لا توجد في كتاب ولا سنة، ويريدون أن ينزلوا الآية عليهم، فاسألوا أهل هذه الأذكار الذين هم أشبه بالدراويش لا يدرون ما يقولون، ولكن المراد بالذكر القرآن، وأهل القرآن هم أهل العلم.
"يا سائلي" هذا بالنسبة للسائل لا بد أن يسأل ما يشكل عليه، يحتاج إلى الإيضاح والبيان، يسأل أهل العلم وأهل الذكر، والمسئول أيضًا إذا تعين عليه الجواب لا يجوز له أن يتردد في الجواب، نعم إذا وجد من يكفيه المئونة، ويجيب على أسئلة السائلين فالتدافع، تدافع الفتوى معروف ومأثور عن السلف، أما إذا تعين الجواب عليه بحيث لا يوجد من يحسن الجواب على هذا السؤال سواه لا يجوز له أن يكتم «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» وهذا الخبر لا يسلم من مقال، لكن له أصل بلا شك، يعني منهم من يحسنه، فإذا تعين لا بد من الجواب، أما إذا وجد من يكفيه المئونة فالصحابة تدافعوا الجواب، وقد جاء كما في كتاب المناسك في صحيح مسلم رجل يسأل ابن عمر -رضي الله تعالى وأرضاه- فدله على ابن عباس، قال: اذهب إلى ابن عباس، فقال له: أنا أريد جوابك؛ لأن ابن عباس قد مالت به الدنيا ومال بها، يعني أنه توسع في المباحات بخلاف ابن عمر، فزهده معروف، والعامة يحسنون الظن بالعالم الزاهد، العوام يحسنون الظن كثيرًا بالعالم الزاهد، وهو محل إحسان الظن إذا كان لديه علم، أما العالم الذي عنده تعلق بالدنيا فإن العامة ينصرفون عنه في الغالب، وإن كان عنده علم.
1 / 12
ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما وأرضاه- توسع في أمور الدنيا أكثر من ابن عمر، وإلا فعلمه وزهده وورعه وتقواه وعبادته لا تحتاج إلى استدلال، لكنه بالنسبة إلى عبد الله بن عمر الذي لا ينام من الليل إلا قليلًا، ولا يكاد يفطر بالأيام إلا قليلًا، يعني الفرق بينهما واضح، فهذا همه -يعني ابن عمر- الآخرة، لما قال النبي ﵊: «كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل» فكان عبد الله يقول كما في الصحيح: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" مثل هذا العوام يثقون به بخلاف من توسع بالدنيا ولو عرف بالعلم، ولا شك أن الزهد مطلوب، والإنسان عمومًا الجن والإنس إنما خلقوا لتحقيق العبودية لله -جل وعلا-، ومع ذلك على الإنسان أن لا ينسى نصيبه من الدنيا، وبون شاسع من أن يكون جل همه الدنيا، وبين أن يكون همه الآخرة.
ووجد في العصور المتأخرة مما ينتسب إلى العلم، ممن يزاحم في أمور الدنيا، وليس من ذلكم ابن عباس ﵄ وأرضاه- وإن قيل؛ لأن المسألة أمور نسبية، يعني إذا نسبنا ابن عباس إلى ابن عمر قلنا: العبادة عند ابن عمر أوضح، والاهتمام بالعلم عند ابن عباس أوضح، وكلاهما في عبادة، لكن العوام ينظرون إلى العبادات العملية، ما ينظرون إلى العبادات العلمية.
1 / 13
فقال له: ابن عباس مالت به الدنيا ومال بها، ولذا تجدون العامة الآن يحرصون على أن يستفتوا هذا النوع من الناس، وإن كان في العلم أقل؛ لأن ما في قلوب الناس من العلوم وفي أذهانهم أمور لا يطلع عليها العامة، إنما يظهر لهم عباداتهم العملية فيثقون بهم، ويتجهون إلى سؤالهم، ولذا ينبغي أو مما يتأكد في حق طالب العلم الاهتمام بالعمل، ولا يكون الهدف من أجل أن يتجه إليه العوام بالأسئلة نظرًا لما مهدناه أبدًا؛ لأن العمل مطلوب، والعلم يقتضي العمل، وعلم بلا عمل كشجر بلا ثمر، لا بد من الاهتمام بالعمل بالنسبة لطالب العلم؛ لأن الذي يثبت العلم هو العمل، والكلام في النوافل، وليس الكلام في الواجبات؛ لأن الواجبات ما عليها مساومة، لكن الكلام في الإكثار من النوافل، وخير ما يعين على تحصيل العلم العمل به، ولا يقول طالب العلم: أنا والله أنا مشغول بالطلب، مشغول بالحفظ، مشغول بالفهم، مشغول بالتردد على الدروس، وعلى المشايخ عن العمل، لا، العمل أمر لا بد منه، فالإكثار من النوافل مطلوب من المسلمين عمومًا، وعلى أهل العلم وطلابه على وجه الخصوص.
1 / 14
"يا سائلي" والسائل اسم فاعل مضاف إلى ياء المتكلم "عن مذهبي وعقيدتي" المذهب في الغالب يطلق على المذهب الفرعي، فيقال: هذا مذهب أبي حنيفة، وهذا مذهب مالك، وهذا مذهب الشافعي، وهذا مذهب أحمد، وهذا مذهب سفيان، وهذا مذهب الأوزاعي، وهذا مذهب الظاهرية، وهذا مذهب الزيدية ... إلى آخره، في الغالب يطلق على الفروع، ويدل عليه العطف، عطف العقيدة على المذهب "يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي" فالمذهب في الفروع، والعقيدة في الأصول، هذا هو الذي يعنيه ظاهر اللفظ، لكن حقيقة النظم هل أجاب الناظم عن مذهبه الفرعي؟ لا، ما أجاب عن مذهبه الفرعي، وإنما أجاب عن عقيدته؛ فالمذهب هنا ما يُذهب إليه في مسائل الاعتقاد، ويقال به، ويصار إليه، ويكون عطف العقيدة على المذهب من باب عطف الشيء على نفسه؛ لاختلاف اللفظ، ومذهبه الفرعي في أول الأمر الحنبلي؛ فشيخ الإسلام -وهذا الكلام كله على سبيل التنزل- أن هذه الرسالة لشيخ الإسلام، وهذه المنظومة لشيخ الإسلام، وإلا فنسبتها إليه لا يدل عليها دليل قطعي، إنما هي مجرد قرائن، يعني وجودها بين رسالتين لشيخ الإسلام يعني في المخطوطات، المخطوطات التي وجدت لهذه المنظومة قبلها رسالة لشيخ الإسلام، وبعدها رسالة لشيخ الإسلام، فهي من بين مؤلفاته وجدت فنسبت إليه، وعلى كل حال الكلام الذي فيها حق.
إذا قلنا: إنها لشيخ الإسلام فمذهبه الفرعي هو مذهب الإمام أحمد في الأصل، وتفقه عليه، وتخرج على كتب أصحابه، ثم بعد ذلك اجتهد وخلع ربقة التقليد، فصار يعمل بالنصوص بالكتاب والسنة، ولذا تجد الفرق بين شرحه للعمدة وبين كلامه وفتاواه المتأخرة، فرق كبير يعني تقرأ في شرح العمدة لشيخ الإسلام كأنك تقرأ لفقهاء الحنابلة من بيان الروايات والوجوه والتعليلات، كأنك تقرأ للمتقدم، وأما مؤلفاته المتأخرة تجد كلامًا مستقلًا.
1 / 15
واختيارات شيخ الإسلام الفقهية قسمت إلى أقسام منها ما يوافق المذهب، ومنها ما يوافق رواية المذهب ويوافق إمام آخر من الأئمة الأربعة، ويخالف المشهور في المذهب، ومنها ما يخالف المذهب بالكلية، ويوافق مذهب من المذاهب الأخرى، ومنها ما يخالف فيه المذاهب الأربعة، وهذا كثير في كلامه ﵀، ومنها ما نسب فيه شيخ الإسلام إلى أنه خالف الإجماع، فاختياراته مقسمة إلى هذه الأقسام، منها ما يستقل به ويوافق فيه بعض السلف، ويخالف فيه الأئمة الأربعة، وهذا امتحن بسببه، وقيل: إنه خالف فيه الإجماع، ومنها ما يوافق فيه إمام من الأئمة الأربعة، ومنها ما يوافق أكثر من إمام ويخالف المذهب، ومنها ما يوافق رواية المذهب ليست هي المشهورة، ومنها ما يوافق المشهور في المذهب، ومعوله وعمدته على النص، معوله –﵀ على النص كما هو معروف، تفقه على كتب المذهب، وكتب الأصحاب، ثم بعد ذلك اطلع على المذاهب الأخرى ونظر في أدلتهم، ووازن بين هذه الأدلة ورجح واختار ما اختار، ووافق من وافق، وخالف من خالف، وهذه طريقة ينبغي أن يسلكها طلاب العلم، وذكرناها في مناسبات كثيرة بالنسبة لكيفية التفقه، كيف يتفقه طالب العلم؟ يعني هل يتفقه مباشرة وهو مبتدئ من الكتاب والسنة؟ لا يستطيع، تكليفه بمثل هذا؛ تضييع له، بل يتفقه على مذهب معين، وعلى كتاب معين من كتب أي مذهب من المذاهب المعتبرة الأربعة، وليس معنى هذا أنه يجعل هذا الكتاب دستورًا لا يحاد عنه من دون القرآن، لا، هذا من مؤلفات البشر، يبدأ بهذا المختصر، ويتصور المسائل إن حفظه بها ونعمت، وإن لم يحفظ يتصور هذه المسائل ويصورها، وينظر في شروح هذا الكتاب، وينظر في أدلة هذه المسائل، فهذه في العرضة الأولى، في العرضة الثانية ينظر من وافق المؤلف ومن خالفه، وينظر في أدلة الموافقين إن كان عندهم مزيد من الأدلة على ما عنده، وينظر في أدلة المخالفين، ويرجح حسب قواعد التعارض والترجيح عند أهل العلم، ثم يعمل بالراجح، إذا انتهى من هذا الكتاب في عرضته الأولى يكون عنده شيء من الفقه يعمل به، ويمشيه على هذا المذهب، وهو لا يزال مبتدئ مقلد، في العرضة الثانية والثالثة يبدأ بالاجتهاد، والأمر سهل ليس من
1 / 16
الصعوبة كما يتصوره كثير من طلاب العلم.
هذا ما يتعلق بمذهبه الفرعي، وقد ولد في أسرة حنبلية، فجده المجد ابن تيمية ﵀ صاحب المحرر، وهو من العمد في المذهب بحيث إذا اتفق مع الموفق سار هو المذهب عند المتوسطين، وأبوه أيضًا حنبلي وأخوه، وكذا أسرته كلهم حنابلة، فتفقه على مذهب الحنابلة، ثم بعد ذلك اجتهد.
"عن مذهبي وعقيدتي" عرفنا أن عطف العقيدة على المذهب من خلال النظر في طبيعة هذه المنظومة، وأنه ليس فيها أحكام فرعية أن العقيدة هي المذهب، وهي مأخوذة من العقد والشد، وهي ما يعتقده الإنسان بقلبه فيعقد عليه قلبه كما يُعقد المتاع بالحبل بحيث لا يتفلت ولا يضيع منه شيء فيربطه ويعتقده بحزم وعزم وجد
"عن مذهبي وعقيدتي ... رزق الهدى" يدعو الناظم -رحمه الله تعالى- لمن يسأل عن الهداية.
. . . . . . . . . ... رزق الهدى من للهداية يسأل
هذا لفظه لفظ الخبر، والمراد منه الدعاء، أن الله -جل وعلا- يرزقه الهدى، والدعاء يأتي بلفظ الأمر، ويأتي بلفظ الخبر، كما أنه يأتي بلفظ النهي، يأتي بلفظ الخبر كما تقول: غفر الله لك، رحمك الله، ﵁، "رزق الهدى" ويأتي الدعاء بلفظ الأمر: اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني، ويأتي بلفظ النهي: اللهم لا تؤاخذني، لا تعذبني ... إلى آخره، فإذا جاء الدعاء بلفظ الخبر جاز اقترانه بالمشيئة، وإذا جاء بلفظ الأمر لا يجوز اقترانه بالمشيئة، لا يقول أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، لكن جاء عنه ﵊: «طهور إن شاء الله» يعني بلفظ الخبر، وجاء: «ذهب الظمأ وثبت الأجر إن شاء الله» دعاء بلفظ الخبر.
"رزق الهدى" الذي هو لزوم الصراط المستقيم والاستقامة على دين الله -جل وعلا-.
1 / 17
"من للهداية يسأل" لأنه مأمور بالسؤال، فإذا امتثل هذا الأمر وسأل أهل العلم عن ما يشكل عليه فإنه حينئذٍ يوفق للاستقامة، إذا سأل سؤال مسترشد طالب للحق لا متعنت، لا متعالم مظهر لعلمه؛ لأن بعض الناس يسأل وعنده جواب، إما أن يريد إعنات المسئول، أو يريد إظهار ما عنده من علم، مثل هذا لا يرزق الهدى في الغالب، ولا يرزق التوفيق ولا يوفق للعلم، أما من سأل سؤال طالب للهدى، وطالب لمعرفة الحق، فإن هذا يوفق؛ لأنه يمتثل ما أمر به، ولذا جاء النهي عن الأغلوطات، يعني الأسئلة المحرجة التي تبين إما فضل السائل أو عجز المسئول، فمثل هذا منهي عنه، أما من يسأل للاستفادة هذا مطلوب.
وفي عهده ﵊ جاء النهي عن السؤال: «ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم، واختلافهم على أنبيائهم» فكثرة الأسئلة لا شك أنها توقع في عنت، لا سيما في وقت التنزيل؛ لأنه قد يسأل عن شيء مباح ثم يحرم بسببه، أو يسأل عن شيء لا حكم له في الشرع إنما تستصحب فيه البراءة الأصلية ثم ينزل إيجابه، فلما سأل السائل عن الحج أكل عام يا رسول الله؟ سكت النبي ﵊، ثم قال: «ذروني ما تركتكم» لأنه لو قال: نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطاعوا فهلكوا، فالذي يسأل إن كان يريد الحق ليعمل به، هذا لا شك أنه يوفق ويثاب على ذلك، وإن كان يريد إعنات المسئول، أو إظهار ما عنده من علم مثل هذا يحرم بركة العلم والعمل.
1 / 18
قد يسأل الشخص للاختبار، يسأل للامتحان، وهذا من وسائل التعليم، يسأل عن شيء يعرفه لا يريد بذلك إعنات المسئول، ولا إظهار علم السائل، وإنما يريد امتحان المسئول لينظر ما عنده من علم، والامتحان معروف عند أهل العلم، واختبار الإمام البخاري بقلب مائة حديث عليه في القصة المشهورة معروف، والمعلم يمتحن طلابه، وقد يلقي الدرس على طريق السؤال والجواب، وهذه طريقة ناجحة، طريقة التعليم على هيئة سؤال وجواب، والأصل فيها حديث جبريل ﵇ لما سأل النبي ﵊ الأسئلة الثلاثة المعروفة؛ لأن بعض الناس يقول: إن هذه الطريقة جاءتنا من وسائل التربية الحديثة الوافدة علينا، التعليم بطريقة الحوار والسؤال والجواب هذه يقول: طريقة مستحدثة اكتسبناها من المربين، سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم، نقول: لا، هذه طريقة شرعية.
. . . . . . . . . ... رزق الهدى من للهداية يسأل
يسأل للدلالة على الحق، الذي يسأل للدلالة على الحق فقط؛ هذا يرزق الهدى فيهديه الله -جل وعلا- إلى صراطه المستقيم، ويلزمه هذا الصراط والاستقامة على الدين.
اسمع كلام محقق في قوله ... . . . . . . . . .
(اسمع) أمر بالسمع، وهل المقصود السمع أو الاستماع؟ يعني هل المقصود اسمع وإلا استمع؟ نعم المقصود الاستماع، المراد هنا الاستماع، أما مجرد السمع فلا يكفي، والفرق بينهما أن السماع قد يكون عن غير قصد، فلا يستفيد السامع، وأما الاستماع المقصود للإفادة هذا هو الذي يفيد السامع، ولذا يقول أهل العلم: يسجد المستمع دون السامع، وقل مثل هذا أي بعكس هذا: يأثم المستمع دون السامع، كيف؟ إذا كان الكلام يعني بالمقابل فيه إثم، أغاني مثلًا أو موسيقى أو كلام بذيء أو فاحش الذي يستمع له يأثم، لكن الذي يسمعه وهو مار في الطريق، دائمًا تسمعون بعض الناس في سيارته يشغل آلاته على الأغاني مثلًا، أنت وش بيدك تقدر تمنعه وإلا ترده؟ أنت تسمع لا تستمع، لكن إن استمعت، وأعجبك وأطربك أثمت، لكن مجرد السماع لا يضرك -إن شاء الله تعالى- لا سيما الإنكار القلبي إن لم يتيسر الإنكار بالقول.
1 / 19