Sharh Kitab Al-Jami' li Ahkam Al-Siyam wa A'mal Ramadan - Hutaybah
شرح كتاب الجامع لأحكام الصيام وأعمال رمضان - حطيبة
Nau'ikan
بيان من يجب عليهم الصوم والقضاء
يجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم، والمسلمة كذلك مع شرط الطهارة من الحيض والنفاس.
والصيام: هو الإمساك عن الطعام والشراب والشهوة من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس بنية التقرب إلى الله.
فأما الكافر فإنه إن كان أصليًا لم يطالب به، لوجود المانع من القبول وهو: الكفر، ولأن من شروط قبول الصيام توافر الشروط وانتفاء الموانع، فمن موانعه الكفر، ومن شروطه وهو أهمها أن يأتي الصائم بركن الإسلام وهو لا إله إلا الله محمد رسول الله ﷺ، قال الله ﷿: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال:٣٨].
إذًا: هذا الإنسان إذا كان كافرًا ومكث عمرًا من عمره على ذلك، ثم أسلم فإن الله ﷿ يغفر له ما قد سلف، ولا يطالب بقضاء الأيام والشهور التي فاتته، ولأن في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرًا عن الإسلام، وهذه علة صحيحة، وحكمة عظيمة، فلو أن كافرًا يبلغ من العمر خمسين سنة وأسلم، فعلى القول بإيجاب القضاء عليه سنطالبه بخمسة وثلاثين أو ستة وثلاثين شهرًا وهذا صعب جدًا.
ولو قيل لإنسان ذلك لنفر عن الدين، ولكن الله ﷿ برحمته العظيمة الواسعة قال له: ﴿إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال:٣٨]، والإسلام يجب ما قبله.
والأصل أن العبادة التي يأتي بها في حال كفره لا تقبل منه، ولكن جاء عن النبي ﷺ استثناء في الصدقة والعتق، حيث من تصدق بشيء وأسلم، فقد أسلم على ما أسلف من خير، وتكتب له حسنات هذا الذي أنفق، أما الصيام فهو عبادة بدنية يشترط لقبوله أن يكون الصائم مسلمًا، وكذلك باقي العبادات.
روى البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام ﵁ قال: (قلت: يا رسول الله! أرأيت أشياء كنت أتحنث -أي: أتعبد- بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم فهل فيها من أجر؟)، فهذا حكيم بن حزام يصل الرحم، ويعطيهم الهدايا، وينفق عليهم، وكان يتعبد بذلك في جاهليته، وكان في ذلك الوقت كافرًا، إذ كان إسلامه متأخرًا، قال: (أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم فهل فيها من أجر؟ قال النبي ﷺ: أسلمت على ما أسلفت من خير) يعني: من هذه النفقات، فالصدقة نفقة، وعتق العبيد بأن تجعلهم أحرارًا وصلة رحم بالإنفاق عليهم وغيره صدقة، فالنبي ﷺ قال له: (أسلمت على ما أسلفت من خير)، فهذا هو الحال في الكافر الأصلي.
أما المرتد -وهو من كان مسلمًا ثم ارتد وكفر- فإنه إذا رجع للإسلام بعد ذلك هل يلزمه قضاء ما فاته في ذلك؟ الراجح أنه لا يلزمه ذلك، وإن كان الأولى أن يقضيه؛ لأن العلة هي التي ذكرناها في الكافر الأصلي، إذ لعل هذا المرتد تمر عليه سنون وهو في ردته كعشر سنوات أو عشرين سنة ثم يسلم بعد ذلك، فلو قيل له صم عشرين شهرًا! لكان هذا الأمر صعبًا عليه، ولعله ينفر ولا يرجع إلى الإسلام بسبب ذلك، ولذلك نقول: الإسلام يهدم ما قبله، وأمره إلى الله ﷿.
وعليه فالمرتد إذا أسلم لا يلزمه قضاء الصوم، ولا يطالب بأدائه في حال ردته؛ لأنه لو صام وهو مرتد لم يقبل منه.
وبهذا قال أبو حنيفة ومالك وأحمد، وقال الشافعي: يلزمه قضاؤه، ويناقش هذه المسألة ابن العربي في أحكام القرآن فيقول: (إذا أسلم المرتد وقد فاتته صلوات وأصاب جنايات)، والصلوات حق لله، والجنايات حق للآدمي، قال: (فإن الشافعي قال: يلزمه كل حق لله وللآدمي)، ووجهة نظر الإمام الشافعي أنه طالما ستلزمه بعض الحقوق فإذًا يلزمه جميع الحقوق، فيلزمه إذا أتلف لآدمي شيئًا وهو في حال ردته إصلاح ما أفسد، أو دفع ثمن ما أتلفه على الآدمي، فطالما أننا نلزم المرتد بذلك فنلزمه أيضًا بحقوق الله ﷿ كالصيام وغيره.
وقال أبو حنيفة: (ما كان لله يسقط وما كان للآدمي يلزمه)، يعني: يفرق بين حق الله وبين حق الآدمي، فإن الآدمي لا يتنازل عن حقه بل يطلبه، أما الله ﷿ فإنه هو الغفور الرحيم ﷾، يقول ابن العربي: (وبه قال علماؤنا) يعني: المالكية.
قلنا: وكذلك هو مذهب أحمد رحمه الله تعالى.
يقول: (ودليلهم عموم قول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال:٣٨]، وقول النبي ﷺ: (الإسلام يهدم ما كان قبله)، هذا الحديث في صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص ﵁، وهو عام في الحقوق التي تتعلق بالله كلها.
فإن قيل: المراد بذلك الكفر الأصلي) يعني: يريد أن يقول في المناقشة مع الإمام الشافعي ﵀، إذا قال قائل منهم: هذا في الكفر الأصلي وليس في المرتد، بدليل أن حقوق الآدميين تلزم المرتد، يعني: كأنه يفرق بين الكافر الأصلي إذا كان مع الكفار وهاجموا المسلمين، ثم أتلفوا في المسلمين، وبعد ذلك تاب ودخل في دين الله ﷿ فلا يطالب بشيء، أما المرتد، فإن أتلف ثم رجع إلى الإسلام طولب بضمان هذه الأشياء التي أتلفها.
يقول: (بدليل أن حقوق الآدميين تلزم المرتد ولا تلزم الإنسان الكافر الأصلي، فوجب أن تلزم المرتد حقوق الله ﵎، ف
الجواب
أنه لا يجوز اعتبار حقوق الآدميين بحقوق الله)، أي: لا يجوز قياس الآدمي على ربه ﷾، ولا اعتبار حق الآدمي بحق الله ﷿، ولا حقوق الله بحقوق الآدميين في الإيجاب والإسقاط، يقول: (لأن حق الله يستغني عنه) أي: أن الله يستغني عن حقه سبحانه ويعفو ويتجاوز سبحانه، والإسلام يهدم ما قبله، أما حق الآدمي فهو مفتقر إلى حقه، ويطالب به.
يقول: (ألا ترى أن حقوق الله لا تجب على الصبي) وهذا قياس آخر أجمل وأقوى، حيث إن الصبي لا تجب عليه حقوق الله ﷾، فلو تكلم بما يوقع الكبير في الكفر فإنه لا يطالب بحق الله ﷿ في ذلك، أما حقوق الآدمي فتلزمه، فلو أن هذا الصبي الصغير أتلف مالًا لآدمي لزمه حق هذا في ماله أو مما عنده من مال.
يقول: (فرق بين حق الله وحق الآدمي، فإن الله ﷿ يعفو ويتجاوز، والآدمي يطلب حقه).
3 / 7