Sharh Kitab Al-Fawaid

Omar Abdelkafy d. Unknown
68

Sharh Kitab Al-Fawaid

شرح كتاب الفوائد

Nau'ikan

الإيمان ظاهر وباطن أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمدًا يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وبارك عليه صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: ندعو الله ﷾ في بداية هذه الجلسة الطيبة أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، اللهم اجعلها خالصة لوجهك الكريم، اللهم لا تجعل للشيطان فيها حظًا أو نصيبًا، اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، وأضئ لنا بها طريقنا على الصراط يوم القيامة، وثبت بهذا العلم يوم القيامة أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، اللهم أظلنا بظلك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين، غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، وإن أردت بعبادك فتنة يا أرحم الراحمين! فأبعدنا عن الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اختم لنا بالإسلام جميعًا يا أرحم الراحمين! اجعل اللهم جمعنا هذا جمعًا مرحومًا، وتفرقنا من بعده تفرقًا معصومًا، ولا تجعل بيننا يا مولانا! شقيًا ولا محرومًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. ما زلنا مع كتاب الفوائد لـ ابن قيم الجوزية ﵁، واليوم سنتحدث في الفقرة الأولى عن الإيمان: فالإيمان هو الرتبة الأعلى للمسلم، وذلك عندما يسلم الإنسان قلبه لله ﷿ يصير مؤمنًا، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنًا، كما قال تعالى: ﴿قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات:١٤]. إذًا: عندما يمحص الله العبد ويختبره عندئذ يكون الإيمان، وفي الحديث: (قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره) حلوه ومره، والمؤمن من أمنه الناس على دينهم وأعراضهم وأموالهم، والمؤمن هو الإنسان الذي يقدم ذكر الآخرة -أي: معاده- على معاشه، أو يهتم بأمر المعاد على أمر المعاش، اللهم اجعلنا من أهل الآخرة ونحن نعيش في الدنيا يا أرحم الراحمين! قال المصنف رحمه الله تعالى: [الإيمان له ظاهر وباطن]. إذًا: الإيمان ليس له قسمان، وإنما له صورتان، والصورتان متكاملتان وليس بصورتين مختلفتين، فالإيمان له ظاهر وله باطن. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وظاهره: قول اللسان وعمل الجوارح]. قال الأصوليون: الإيمان له أركان ثلاثة: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، ونحن سنأخذ القول باللسان والعمل بالجوارح، فلو أن شخصًا قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأكل ذبيحتنا، واستقبل قبلتنا، فلا أستطيع أن أقاتله، لقول رسول الله ﷺ: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني أنفسهم ودماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله ﷿ ولعلنا نذكر أسامة ﵁ لما رفع السيف على مشرك، فنطق المشرك بالشهادة فقتله أسامة، فلما عاتبه النبي ﷺ في ذلك قال: يا رسول الله! ما قال: لا إله إلا الله إلا خوفًا من السيف، فقال رسول الله ﷺ: (أشققت قلبه لتعرف ما فيه؟ ماذا تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة). إذًا: نقطة دم تراق من مسلم قضية خطيرة وخطيرة، نسأل الله العصمة والرحمة، ونسأل الله أن يزيل هذه الغمة عن المسلمين جميعًا؛ إن مولانا على ما يشاء قدير. إذًا: الإيمان ظاهر وباطن، فالظاهر بالقول: من قال: لا إله إلا الله باللسان، وبعد ذلك عمل بالجوارح فصلى مع الناس، وحج مع الناس، وصام مع الناس، فعند ذلك نقول عن هذا الإنسان: عنده إيمان، أما أن نقول: هذا منافق، وهذا فاسق، وهذا فاجر، فلسنا حكامًا على الناس، وإنما الذي يحكم على الناس هو رب الناس، وكان عمر بن الخطاب ﵁ يقول قولًا لطيفًا: كنا نحكم عليكم والوحي ينزل، أما ولا وحي فمن فعل خيرًا أو قال خيرًا ظننا به خيرًا، فمن فعل شرًا أو قال شرًا ظننا به ما فعل وما قال. إذًا: نحن لنا ظاهر الأمور، ولا يجب أن نبحث عن بواطن الأمور حتى في الفقه، فمثلًا: قال العلماء: إذا ذهب الرجل ليصلي في المسجد، وبينما هو في الطريق ونزل عليه ماء من حائط أو نحوه، فمن الواجب أن لا يسأل عن هذا الماء هل هو طاهر أم غير طاهر، والحكم عليه أنه ماء طاهر. هذا هو الإسلام، قال تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء:٣٦]، فعندما نتقصى الأثر، ونقول: هذا سبق صحفي، وخبر غريب في العائلة، وفلان أول من نشر هذا الخبر،، وهكذا، فإنه ليس بمؤمن أبدًا من صنع هذا الصنيع. قال المصنف رحمه الله تعالى: [وباطنه: تصديق القلب، وانقياده ومحبته، فلا ينفع ظاهر لا باطن له، وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية]. أي: لا ينفع عند الله، فلسنا حكامًا على قلوب الناس، فلا يأتي شخص ويقول: أنا أعلم أن هذا الشخص كذاب. كيف علمت هذا؟ وكيف عرفت هذا؟ إذا ثبت لك عمليًا بحواسك الظاهرية بالعين وبالأذن وباللمس وبالإثباتات وبالورق وبالشواهد وبالقرائن وبالأدلة، فساعتئذ أقول: هذا كاذب، فليس هناك ضرورة أبدًا إلى أن أذهب وراء السطور وأبدأ بتقصي حقائق الأمور على طريقة المخابرات. سيدنا عمر ﵁ لما سمع أصواتًا غريبة، وتسور الجدار، وجد ثلاثة يحتسون الخمر، فإنه من الممكن أن يقال الآن: من حق الإمام أن يتجسس لصالح الرعية، ولكن لنرى موقف عمر بن الخطاب ﵁ عندما قال: يا أعداء الله! ظننتم أن الله لا يراكم، وإن الله قد فضحكم، فقالوا: يا عمر! يا أمير المؤمنين! إن كنا قد عصينا الله في واحدة فأنت قد عصيته في ثلاث، قال: وما هي؟ قالوا: يقول الله: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾ [البقرة:١٨٩]، وأنت لم تأت البيوت من أبوابها. والله تعالى يقول: ﴿وَلا تَجَسَّسُوا﴾ [الحجرات:١٢]، وأنت تجسست. والله تعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور:٢٧]، وأنت لم تستأذن ولم تسلم. فقال لهم: أتعاهدونني على عدم شرب الخمر؟ قالوا: نعاهدك يا أمير المؤمنين! وقد تابوا إلى الله ﷿. إذًا: سيدنا عمر ﵁ لم يبح له وهو الحاكم العام أن يتجسس على بيوت الناس، ومن تطلع على عورات المسلمين ليفضحهم تتبع الله عورته وفضحه ولو في جوف بيته. وكذلك التلصص على التلفونات وعلى الحيطان بطريقة أو بأخرى، ويجعل الناس يعيشون في حالة رعب، فإن هذا إنسان نزعت منه الرحمة ونزعت منه الشفقة والإيمان، ويعد مجاهرًا بالمعصية؛ لأنه يدخل عينيه وأذنيه في أعراض الناس. إلا في حالة الحروب للأمن العام، فقد قال عمر بن الخطاب لـ سعد بن أبي وقاص: تحسس جيشك ليلًا ولا تتجسس عليهم، والتحسس هو الدخول بإذن، ويعلم الجيش أن القائد يفتش وأنه مستيقظ، أما التجسس هو الدخول بين الناس بدون أن يشعر به أحد، وهذا حرام. إذًا: أتحسس الأخبار، وأدخل بين الجيش وأعلمهم أنني مهتم بهم، وأفاجئهم في أي وقت، لكن لا أتجسس عليهم. قال عمر: إن تجسست عليهم فضحتهم، وإن فضحتهم فضحك الله يوم القيامة. وهذا هو القائد العام لجيش المسلمين. قال المصنف رحمه الله تعالى: [ولا يجزئ باطن لا ظاهر له]. أحيانًا نجد أبناءنا في البيت عندما نقول لأحدهم: اقرأ القرآن، فيقول لك عنادًا: لن أقرأ، وبعد ذلك يدخل إلى غرفته، وعندما تأتي أمه أو يأتي أبوه يقفل المصحف؛ لأنه لا يريد أن يأمره أحد وهو عدو الأمر، وبالذات من الأب والأم، فهو يقرأ القرآن ويصلي، لكن لا يريد أن يحس أبوه وأمه أنه ما قرأ إلا لأنهم أمروه، وبعض الناس عندما تأمره بالصلاة وبالصيام يقول لك: دعنا من الصلاة والصيام، بيني وبين ربي عمار، فهذا هو الباطن الذي لا ظاهر له، فلا بد أن أحس أنك مسلم، فعندما أجدك بين أناس يشربون الخمر، هل تعتقد أني سأظن أنك تدعوهم إلى الله؟! ولذلك قيل: لا يضع الواحد منكم نفسه موضع الشبهة، إياكم ومواطن الشبهات، فالمكان الذي فيه شبهة لا داعي للتواجد فيه. إذًا: أنت كمسلم لا تضع نفسك في مكان معصية وتقول: ليس لي شأن بهذا، فمثلًا لو ذهبت إلى عرس وكان فيه راقصة، وتبرر لنفسك وقلت: أنا لم أكن أنظر إلى الراقصة، وكنت أعطيها ظهري! لماذا تذهب أصلًا؟ ولماذا لم تعد إلى بيتك عندما وجدت الراقصة؟ فيقول لك: هذا ابن أخي؟ فأقول له: حتى لو كان ابن أخيك، هل لا يتزوج إلا بوجودك؟ اذهب وسيستمر العرس ولن يتوقف. وأحيانًا يقول لك: أنا أستقبل الناس والضيوف، فأقول له: عد إلى بيتك وأخوك سيقوم بالواجب، سيقول لك: أخي سيغضب، فأقول له: فليغضب، قاطعه في الله، واغضب منه في الله، وهكذا يكون المسلم. فأنا أريد أن أقول: إن المسلم لا بد أن يظهر للناس الخير؛ لأنك عندما تظهر للناس الخير على قدر المستطاع، فالناس يذكرونك بخير، فتجدهم يقولون: بارك الله في فلان، بارك الله في فلانة، ما شاء الله عليها! لكن عندما ترى امرأة تلبس بنطالًا بطريقة غريبة، وشعرها مسترسل ومتلون، ووجهها كأنه لوحة فنية، وتمشي في الشوارع، وبعد ذلك تقول: بيني وبين ربي عمار! فكيف يكون ذلك؟! وقد يكون، لكن ظاهر الأمر أنه لن يكون. إذًا: الإيمان له جانبان: ظاهر وباطن، فالظاهر لا ينفع من غير باطن، والباطن لا ينفع من غير ظاهر، إلا في حالات: أن إنسانًا لو أظهر إيمانه في مكان ما وفي وقت ما، قد يستهزأ بالدين، وقد يسخرون منه، وقد يسبون الله عدوًا بغير علم، وقد يخاف على نفسه، وقد يكون في دولة كافرة فيها أناس ملحدون، فهذه استثناءات، ولكل

8 / 2