بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حق حمده ... ... ... ... ... ... ... ... ... ...
[ملاحظة: الصفحات الأولى غير مرقونة]
<1/9> وأما عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، يكنى أبا العباس، وهو ابن عم النبيء صلى الله عليه وسلم، وأمه لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزم الهلالية، وهو ابن خالة خالد بن الوليد، وكان يسمى البحر لسعة علمه، ويسمى حبر الأمة، ولد والنبيء صلى الله عليه وسلم وأهل بيته بالشعب من مكة، فأتي به النبيء صلى الله عليه وسلم فحنكه بريقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل غير ذلك، ورأى جبريل عند النبيء صلى الله عليه وسلم مرتين ودعا له النبيء صلى الله عليه وسلم مرتين، وكان له لما توفي النبيء صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة. وتوفي سنة ثمان وستين بالطائف وهو ابن سبعين سنة، وقيل: إحدى وسبعين سنة، وقيل: مات سنة سبعين، وقيل: سنة ثلاث وسبعين، قال ابن الأثير: وهذا القول غريب.
الباب الأول: في النية
¬__________
(¬1) ...
الجزء الأول
والثاني طبعا بمطبعة الأزهار البارونية، بعنوان: حاشية الجامع الصحيح، والجزء الثالث طبع بعد ذلك بدمشق بعنوان: شرح الجامع الصحيح، والاسم الذي أثبتناه هو ما اشتهر به.
Shafi 1
قوله: «النية»: وهي القصد، بدأ بها تنبيها للطالب على مزيد الاهتمام في تحسين القصد، فإن الأعمال <01/10> دونه هباء. وذكر في الباب حديثين كلاهما من طريق واحد، وكان المناسب أن يقدم الحديث الثاني على الأول؛ لأنه أوفق بالغرض، وأشهر في الصحة.
قوله: «البصري»: نسبة إلى البصرة، قرية عظيمة بعراق العرب، كان فيها علماء المسلمين مصرها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهي مثلثة الباء، إلا في النسبة فيمتنع الضم.
قوله: «حدثني»: هو أخص من قولهم: «حدثنا»؛ لأن فيه إشعارا بأن الشيخ قصده بالتحديث، وذلك يدل على شدة الاعتناء به والاهتمام بشأنه.
قوله: «نية المؤمن خير من عمله»: يعني أن قصده خير من فعله، وذلك أنه يعمل الصالحات والذي يقصده من عمل الخير والنصح للإسلام وأهله أكثر من فعله الظاهر، فهو إخبار عن حال المؤمن بأنه طيب باطنا وظاهرا، وأن سريرته خير من علانيته عكس المنافق، هذا هو معنى الحديث في ما يظهر لي ولا حاجة إلى الاحتمالات التي ذكرها المحشي رحمة الله عليه، إذ ليس الغرض بيان التفاضل بين النية والعمل حتى نبحث عن وجه الأفضلية، ويؤيد ما ذكرته حديث سهل بن سعد الساعدي مرفوعا "نية المؤمن خير من عمله، وعمل المنافق خير من نيته، وكل يعمل على نيته، فإذا عمل المؤمن عملا نار في قلبه نور"، قال السخاوي: أخرجه الطبراني، قال: وكذلك هو عنده وعند العسكري من حديث النواس بن سمعان، قال: وأخرجه الديلمي من حديث أبي موسى الأشعري.
قوله: «وبهذا السند»: وهو قوله: «قال: الربيع حدثني أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس.
وقوله: «في رواية أخرى»: يعني في باب النية.
Shafi 2
وقوله: «عنه عليه السلام»: يعني النبيء صلى الله عليه وسلم اكتفى بذكر السلام عن الصلاة تمسكا بقوله تعالى: {وسلام على المرسلين}[يس:181]، وهذا شأنه في كثير من المواضع، وحديث الأعمال بالنيات لم يثبت عن ابن عباس إلا عند الربيع في هذا الطريق <01/11> وكفى به حجة، وقد رواه أئمة الحديث من قومنا من طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقط، حتى قال أبو بكر البزار: لا نعلم روي هذا الكلام إلا عن عمر بن الخطاب عن النبيء صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد، وقال الخطابي: لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في أنه لم يصح مسندا عن النبيء صلى الله عليه وسلم إلا من رواية عمر، لكن قال الحسيني: وقد روي هذا الحديث أيضا من غير طريق عمر بن الخطاب، فرواه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة وأنس بن مالك وعلي بن أبي طالب، ثم ذكر من خرجه ومن رواه عنهم، وأشار إلى بعضهم بالوهم وبعضهم بالغرابة وبعضهم بالتضعيف، وعلى كل حال فالحديث مجمع على صحته، مستفيض بين الأمة.
قوله: «الأعمال بالنيات»: في كثير من روايات قومنا زيادة: «إنما» وهي أداة حصر ولا بد في الحديث من حذف مضاف، واختلف الفقهاء في تقديره، فالذين اشترطوا النية قدروه: صحة الأعمال بالنيات، أو نحو ذلك، والذين لم يشترطوها قدروه: كمال الأعمال بالنيات، أو نحو ذلك، ورجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال، فالحمل عليها أولى ونظير ذلك قولهم: «إنما الملك بالرجال»، أي: قوامه ووجوده، «إنما الرجال بالمال»، «وإنما المال بالرعية»، «وإنما الرعية بالعدل»، كل ذلك يراد به أن قوام هذه الأشياء بهذه الأمور.
Shafi 3
قوله: «ولكل امرئ ما نوى»: يقتضي أن من نوى شيئا يحصل له، وكل ما لم ينوه لم يحصل له، فيدخل تحت ذلك ما لا ينحصر من المسائل. ومن هنا عظموا هذا الحديث، فقالوا: إنه قاعدة من قواعد الإسلام، حتى قيل فيه: إنه ثلث العلم، وقيل: ربعه، وقيل: خمسه والله أعلم.
Shafi 4
الباب الثاني: في ابتداء الوحي قوله: «في ابتداء الوحي»: ابتداء كل شيء أوله، ولم يذكر في الباب إلا كيفية إتيان الوحي لا صفة ابتدائه، وكأنه رحمه الله تعالى أشار إلى أن ابتداء الوحي كان على هذه الكيفية المذكورة في الحديث، <01/12> وإنما قدم هذا الباب لأن أول الإيحاء هو أول الإطلاع على العلوم الشرعية فلا سبيل إلى معرفتها إلا بالوحي، وللوحي في اللغة ثمانية أوجه، منها: الإرسال كقوله تعالى: {انآ أوحينآ إليك كمآ أوحينآ إلىا نوح}[النساء: 163]، والمراد إرسال جبريل إليه، ومنها الإلهام، كقوله تعالى: { وأوحىا ربك إلى النحل}[النحل: 68]، {وأوحينآ إلىآ أم موسىآ}[القصص: 07]، والمعنى: ألهمها ذلك: ومنها الأمر، كقوله تعالى: {وإذ اوحيت إلى الحواريين}[المائدة: 111]، أي: أمرتهم، وهو في الحقيقة وحي بواسطة نبيئهم، ومنها البيان، كقوله تعالى: {من قبل أن يقضىآ إليك وحيه}[طه: 114]، أي: بيانه، ومنها الوسوسة، كقوله تعالى: {يوحي بعضهم, إلىا بعض}[المائدة: 112]، أي: يوسوس، ومنها الإيماء والإشارة، كقوله تعالى: { فأوحىآ إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا}[مريم: 11]، أي: أوحى وأشار، ومنها الإقرار، كقوله تعالى: {بأن ربك أوحىا لها}[الزلزلة: 05]، أي: أقرها بعد زلزالها، وقيل: أوحى إليها أن تقر، وقيل: أوحى لها أن تحدث أخبارها، أي: أمرها بذلك، وفي الحديث تشهد على كل عبد أو أمة بكل ما عمل على ظهرها وهذا هو الظاهر، ومنها أن يطلق على القرآن، كقوله تعالى: {قل انمآ أنذركم بالوحي }[الأنبياء: 45]، والمراد القرآن لأنه موحى، فهذه ثمانية أوجه وأصل الوحي بمعنى الإلقاء إلى الغير خيرا كان أو شرا، وقيل: أصله الكلام الخفي، ثم صار في العرف العام مختصا بالحال الذي يلقى إلى الأنبياء من جهة الرب عز وجل.
Shafi 5
قوله: «عن عائشة أم المؤمنين»: زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأمها أم رومان رضي الله عنها، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بسنتين، وقيل: بثلاث سنين، وهي بكر وعمرها يومئذ ست سنين وقيل: سبع سنين، وبنى بها وهي بنت تسع سنين بالمدينة وكناها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم عبد الله بابن أختها عبد الله بن الزبير، وإنما سميت أزواج النبيء صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين لقوله تعالى: {وأزواجه, أمهاتهم}[الأحزاب: 06]، أي: في الاحترام وتحريم نكاحهن لا غير ذلك، وإنما قيل للواحدة منهن أم المؤمنين للتغليب، وإلا فلا مانع من أن يقال لها أم المؤمنات على الراجح، وتوفي عنها رسول صلى الله عليه <01/13> وسلم وهي بنت ثماني عشرة سنة، وتوفيت عائشة رضي الله عنها سنة سبع وخمسين وقيل: سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وأمرت أن تدفن بالبقيع ليلا، فدفنت وصلى عليها أبو هريرة ونزل في قبرها خمسة: عبد الله، وعروة ابنا لزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن محمد بن أبي بكر، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فالأولان ابنا أختها أسماء، والباقون أبناء أخويها محمد وعبد الرحمن، قال أبو سفيان محبوب بن الرحيل: دخل جابر وأبو بلال على عائشة فعاتباها على ما كان منها يوم الجمل فاستغفرت وتابت، قال: ودخل جابر عليها فأقبل يسألها عن مسائل لم يسألها أحد عنها حتى سألها عن جماع رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يفعل وأن جبينها ليتصبب عرقا، وهي تقول سل يا بني ثم قالت: له ممن أنت، قال: من أهل المشرق من عمان، فذكرت له شيئا لم أحفظه، إلا أني أظنها قالت: أن النبيء صلى الله عليه وسلم ذكره أو نحو هذا.
Shafi 6
قوله: «سأل الحارث»: الظاهر أن عائشة رضي الله عنها سمعت هذا السؤال، وجوز بعضهم أن يكون الحارث أخبر عائشة بذلك والحارث بن هشام هو المخزومي أخو أبي جهل شقيقه أسلم يوم الفتح وكان من فضلاء الصحابة واستشهد في فتوح الشام رضي الله عنه.
قوله: «كيف يأتيك الوحي»: سؤال عن الحالة التي يراها رسول صلى الله عليه وسلم عند الإيحاء، ولهذا أجاب بصفة ذلك الحال.
قوله: «أحيانا»: جمع حين يطلق على كثير الوقت وقليله، والمراد به هنا مجرد الوقت.
قوله: «مثل صلصلة الجرس»: الصلصلة بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة، في الأصل صوت وقع الحديد بعضه على بعض، ثم أطلق على كل صوت له طنين، والجرس بفتحتين الجلجل الذي يعلق في رأس الدواب وله صوت قوي متدارك، فلذا كان أشد على النبيء صلى الله عليه وسلم.
قوله: «وهو أشد علي»: يفهم منه أن الوحي كله شديد، ولكن هذه الصفة أشدها، وذلك أن الفهم من كلام <01/14> مثل الصلصلة أصعب من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود.
قوله: «فيفصم عني»: وفي نسخة: «ويفصم» بالواو وهو بفتح أوله وسكون الفاء وكسر المهملة، أي: يقلع ويتجلى ما يغشاني، ويروى بضم أوله من الرباعي، وفي رواية بضم أوله وفتح الصاد على البناء للمجهول.
قوله: «وقد وعيت ما قال»: وعند البخاري: «وقد وعيت عنه ما قال»، والمراد أنه فهم القول الذي جاء به الملك، فهو على حد قوله تعالى: {إنه لقول رسول كريم}[الحاقة: 40].
قوله: «يتمثل لي الملك»: أي يتصور، والملك جبريل، قال المتكلمون: الملائكة أجسام علوية لطيفة تتشكل أي شكل أرادوا.
قوله: «رجلا»: منصوب بالمصدرية، أي: مثل رجل، أو بالتمييز أو بالحال والتقدير هيئة رجل وهذا أظهر.
Shafi 7
قوله: «فأعي ما يقول»: وقع التغاير في العبارة عن الحالتين فعبر عن الحالة الأولى بقوله: «وقد وعيت» بصيغة الماضي وعن الثانية بصيغة المضارع إشارة إلى أن فهم القول وحفظه في الحالة الأولى أسرع، لكونها على خلاف المعتاد من أحوال الخطاب، فالالتفات إليها أشد والاعتناء به أهم فيحصل الفهم والحفظ في أسرع حال.
قوله: «قالت عائشة»: هو بالإسناد الذي قبله وإن كان بغير العاطف كما يستعمله المحدثون.
قوله: «ليتفصد»: بالفاء وتشديد المهلة، أي: يسيل عرقا، مأخوذ من الفصد، وهو قطع العرق لإسالة الدم.
وفي قولها: «في اليوم الشديد البرد»: دلالة على كثرة معانات التعب والكرب عند نزول الوحي، لما فيه من مخالفة العادة.
قوله: «أي: فينجلي»: بمعنى ينكشف ويذهب عنه، وأصل الفصم؛ القطع ومنه قوله تعالى: { لا انفصام لها}[البقرة: 256]، وقيل: الفصم بالفاء القطع بلا إبانة، وبالقاف القطع بإبانة، وعبر في الحديث بالفصم إشارة إلى أن الملك فارقه ليعود إليه.
<01/15> الباب الثالث في ذكر القرآن
قوله: «القرآن»: وهو الكلام الإلهي المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم المتحدي بأقصر سورة منه قال تعالى: {فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهدآءكم من دون الله إن كنتم صادقين}[البقرة: 23]، وإنما ذكر هذا الباب بعد باب الوحي لأنه كالجزء منه، وذلك أن الموحى شيئان: متلو وغير متلو، والأول هو القرآن وهو الركن الأعظم من ركني الوحي، وهو المعجزة الباقية على مر الأيام والليالي ما طمع في معارضته أحد إلا افتضح.
Shafi 8
ما جاء في تعليم الأولاد القرآن قوله: «بلغني»: في هذه العبارة إشارة إلى أن هذا الخبر انتهى إليه رضي الله عنه من طريق أو طرق يثق بها ويعول عليها، لكنه نسي من أخبره بذلك لكثرتهم أو لكثرة من لقي من الصحابة فلم يمكنه التعيين وبلاغه رضي الله عنه في حكم الاتصال وكذا مراسليه المذكورة آخر الكتاب.
قوله: «علموا أولادكم القرآن»: أي علموهم تلاوته ومعانيه وأحكامه وأوامره ومناهيه فإنا قد تعبدنا بتلاوته وأحكامه، وفيه الحث على تعليم الصغار، وقد جاء: "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"، وجاء أيضا: "طلب الحديث في الصغر كالنقش في الحجر "، وجاء: "مثل الذي يتعلم في صغره كالنقش في الحجر ومثل الذي يتعلم في كبره كالذي يكتب على الماء"، وجاء: "من تعلم القرآن في شبيبته اختلط القرآن بلحمه ودمه، ومن تعلمه في كبره فهو ينسلت منه ولا يتركه فله أجره مرتين"، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس: "من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبيا موقوف، وبعض رفعه وانشد بعضهم في المعنى:
أراني أنسى ما تعلمت في الكبر ****ولست بناس ما تعلمت في الصغر
وما العلم إلا بالتعلم في الصبا **** وما الحلم إلا بالتحلم في الكبر
<01/16>ولو فلق قلب المعلم في الصبا ** لألفي فيه العلم كالنقش في الحجر.
وما العلم بعد الشيب ألا تعسف****إذا كل قلب المرء والسمع والبصر
وما المرء إلا اثنان عقل ومنطق **** فمن فاته هذا وهذا فقد دمر
وقال غيره:
إن الحداثة لا تقصر بالفتى المرزوق ذهنا * لكن تذكي عقله فيفوق أكبر منه سنا وهذا محمول على الغالب.
قوله: «فإنه أول»: تعليل للأمر بتعليمه.
وقوله: «ينبغي»: أي يستحب أو يلزم.
Shafi 9
قوله: «من علم الله»: يعني العلم المضاف إلى الله تشريفا، والمراد أن القرآن أحق بالتقديم في التعليم من سائر العلوم الإلهية، وهي العلوم التي جاءت بها الأنبياء فأما غيرها فلا يضاف إلى الله تعالى، وإن كان قد أحاط بكل شيء علما كما لا تضاف إليه سائر البيوت فلا يقال لغير المسجد: هذا بيت الله، وكذلك لا يقال: ناقة الله لغير ناقة صالح، وإن كان الجميع ملكه.
قوله: «هو»: عائد إلى القرآن، وهو نائب الفاعل لقوله يتعلم.
ما جاء في المحافظة على القرآن
قوله: «أبو عبيدة»: معطوف على فاعل حدثني في الحديث الذي قبله، حذف الفعل العاطف للاستغناء عنهما والتقدير، وحدثني أبو عبيدة وكذا القول في نظائرها في جميع الكتاب.
وقوله: «عن أبي سعيد الخدري»: بضم المعجمة نسبة إلى بني خدرة، بطن من الخزرج، واسمه سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن الأبجر، وهو خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج ، وهو من مشاهير الصحابة وفضلائهم، وكان من المكثرين من الرواية عنه، وأول مشاهده الخندق، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني <01/17> عشرة غزوة، وتوفي سنة أربع وسبعين يوم الجمعة ودفن بالبقيع، وهو ممن له عقب.
قوله: «مثل»: بفتح الميم والثاء المثلثة، بمعنى صفة مأخوذ من التمثيل وهو التصوير لأن الصورة تماثل المصور.
وقوله: «كمثل»: بفتحتين أيضا، فهو نظير قوله تعالى: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا}[البقرة: 17].
وقوله: «المعقلة»: بضم الميم وفتح القاف مشددة، مفعول من عقله بالتشديد، إذا ربطه بالعقال، وهو حبل يشد به ساق البعير إلى عضده يمنعه عن الذهاب حيث شاء.
Shafi 10
وقوله: «إن عاهد عليها»: كذا في ما رأيناه من النسخ ونقل في التاج عن اللسان أن المعاهدة والاعتهاد والتعاهد والتعهد واحد، وهو إحداث العهد بما عهدته، قال: والتعهد أفصح من التعاهد، قال: وفي التهذيب، ولا يقال: تعاهدته، قال: وأجازهما الفراء، وفي فصيح ثعلب يقال: يتعهد ضيعته، ولا يقال: يتعاهد، قال ابن درستويه: أي: يجدد بها عهده ويتفقد مصلحتها، وقال الترمذي: هو تفعل من العهد، أي: يكثر التردد عليها، وأصله من العهد، الذي هو المطر بعد المطر، انتهى المراد منه، وإنما عداه في الحديث ب "على" لتضمنه معنى "تردد" والمعنى إن تردد عليها ليتفقد أمرها بقيت عنده، وإن أهملها ذهبت عنه؛ لأن العقال قد ينحل فتنفلت الإبل، وهذا المعنى هو وجه التشبيه؛ لأن صاحب القرآن إن تعهده بالتلاوة والتحفظ بقي عنده، وإلا انفلت عنه بالنسيان.
قوله: «أمسكها»: أي بقيت في وثاقه وتصرفه.
قوله: «وان أطلقها»: أي: أهملها بترك التعهد والتفقد.
Shafi 11
ما جاء في من تعلم القرآن ثم نسيه قوله: «من تعلم القرآن ثم نسيه ... الخ»: في هذا الحديث الوعيد الشديد على نسيان القرآن بعد تعلمه، وظاهره حجة لقول من قال: من حفظ القرآن ونسيه فهو كافر كفر <01/18> نفاق يحشر أعمى، أخذوا ذلك من قوله تعالى: {قال كذلك أتتك ءاياتنا فنسيتها}[طه: 126]، ولا حجة لهم في الآية لأنها خطاب للمعرضين عن ذكر الله تعالى وهم الكفار، لقوله عز من قائل في أول الخطاب: {ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا}[طه: 124]، وقيل: لا يكفر مادام يفرزه من الشعر، قال القطب: والأولى أن يقال مادام يفرزه من غيره، وقيل: لا يكفر بنسيانه بل بترك العمل به، وقيل: إذا نسيه بالمرض فليس عليه شيء، وظاهر حديث الباب إنما يتجه في ناسي تلاوته لذكره النسيان بعد التعلم فيخرج صاحب العذر ويهلك تاركه من غير عذر حتى نسيه، ويؤيد حديث أبي سعيد المتقدم في الحث على تعاهد القرآن.
قوله: «حشر»: بالبناء للمفعول أي أخرج من قبره إلى القيامة، وفيه إسناد الحشر إلى الواحد، كما في قوله تعالى: {قال رب لم حشرتني أعمىا} [طه: 125]، فلا معنى لما قاله الراغب الأصفهاني في غريب القرآن: إنه لا يقال الحشر إلا في الجماعة، قال الله تعالى: {وابعث في المدآئن حاشرين}[الشعراء: 36]، وقال تعالى: {والطير محشورة}[ص: 19]، ثم ذكر آيات فيها وصف الجماعة بالحشر وذلك كله لا يدل على الحصر، بل يوصف به الجمع والمفرد كما في الآية وحديث الباب، وفي رواية عند قومنا: «لقي الله يوم القيامة وهو أجذم».
Shafi 12
قوله: «يوم القيامة»: وهو يوم الحساب واليوم الآخر ويوم البعث ويوم الحشر ويوم النشور، سمي بذلك لما فيه من الأحوال الجامعة لهذه الصفات، وسمي بيوم القيامة لأن الناس يقومون فيه لرب العالمين فيريهم أعمالهم، أو لأن الناس يقومون فيه من مرقدهم، وسمي الوقت يوما مع أنه ليس باليوم المقابل لليلة لأن اليوم يطلق على غير ذلك، كقولهم يوم بعاث ويوم الفجار ويوم بدر ويوم أحد ويوم الجمل ويوم صفين، لحروب مخصوصة معهودة وإنما سمي اليوم الآخر لتقدم الدنيا عليه في الوجود فالدنيا هو اليوم الأول.
Shafi 13
قوله: «الأجذم المقطوع اليد»: وفي نسخة «مقطوع اليد» مأخوذ من الجذم، وهو القطع، ومنه حديث علي: «من نكث بيعته لقي الله وهو أجذم ليست له يد»، وذلك أن البيعة تباشر باليد من بين الأعضاء وهو أن يجعل المبايع يده في يد الإمام عند <01/19> العقد، فناسب أن تجعل عقوبة النكث قطعها جزاء وفاقا، وهذه المناسبة لم تظهر في ناسي القرآن فمن هاهنا اختلفوا في معنى حشره أجذم فقال الربيع: مقطوع اليد، وقال القتيبي: الأجذم هاهنا الذي ذهبت أعضاؤه كلها وليست اليد أولى بالعقوبة من باقي الأعضاء، يقال رجل أجذم ومجذوم إذا تهافتت أطرافه من الجذام، وهو الداء المعروف، قال الجوهري: لا يقال للمجذوم أجذم، وقال ابن الأنباري ردا على ابن قتيبة: لو كان العقاب لا يقع إلا بالجارحة التي باشرت المعصية لما عوقب الزاني بالجلد والرجم في الدنيا وبالنار في الآخرة، وقال ابن الأنباري: معنى الحديث أنه لقي الله وهو أجذم الحجة لا لسان له يتكلم ولا حجة في يده، وقول علي: «ليست له يد» أي: لا حجة له، وقيل: معناه لقيه منقطع السبب، يدل عليه قوله: القرآن سبب بيد الله وسبب بأيديكم فمن نسيه فقد قطع سببه. وقال الخطابي: معنى الحديث ما ذهب إليه ابن الأعرابي، وهو أن من نسي القرآن لقي الله خالي اليد من الخير صفرها من الثواب، فكنى باليد عما تحويه، وتشتمل عليه من الخير كذا في النهاية.
ما جاء فيمن جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
Shafi 14
قوله: «عن أنس بن مالك»: ابن النظر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، واسمه تيم الله بن ثعلبة بن عمر بن الخزرج بن حارثة خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يفتخر بذلك وكان يكنى أبا حمزة، كناه النبيء صلى الله عليه وسلم ببقلة كان يجتنيها وأمه أم سليم بنت ملحان وكان عمره لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا عشر سنين، وقيل: تسع سنين، وقيل: ثمان سنين، وروى الزهري عن أنس قال، قدم النبيء صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن عشر سنين، وتوفي وأنا ابن عشرين سنة، وقيل: خدمه ثماني، وقيل: سبع سنين، ودعا له النبيء صلى الله عليه وسلم بكثرة <01/21> المال والولد، فولد له من صلبه ثمانون ذكرا وابنتان أحدهما حفصة والأخرى أم عمرو، مات وله من ولده وولد ولده مائة وعشرين ولدا، واختلفوا في وقت وفاته، فقيل: توفي سنة إحدى وتسعين، وقيل: سنة اثنتين وتسعين، وقيل: سنة ثلاث وتسعين وهو الصحيح، وقيل سنة ست وتسعين، قيل: كان عمره مائة سنة وثلاث سنين، وقيل: مائة وعشر سنين، وقيل: مائة سنة وسبع سنين، وقيل: بضع وتسعين سنة، وقيل: تسع وتسعين سنة، وهو من المكثرين في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه خلق كثير منهم جابر بن زيد وأبو عبيدة مسلم والحسن البصري وابن سيرين وحميد الطويل وثابت البناني وقتادة والزهري.
قوله: «ما جمع»: الجمع ضم الشيء بتقريب بعضه من بعض يقال جمعته فاجتمع، والمراد به في هذا الحديث جمع القرآن في الحافظة.
قوله: «على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم»: أي زمانه الذي كان يراعي فيه الأوامر والنواهي ويحمل فيه أمته على مصالحهم.
وقوله: «إلا ستة نفر»: فيه دليل على أن حفظ القرآن على ظهر الغيب لا يلزم، وإنما هو الفضل والدرجة العليا.
Shafi 15
قوله: «كلهم من الأنصار»: الأوس والخزرج أربعة من الخزرج واثنان من الأوس، روى قتادة عن أنس قال: افتخر الحيان الأوس والخزرج، فقالت: الأوس منا غسيل الملائكة حنظلة بن أبي عامر، ومنا الذي حمته الدبر عاصم بن ثابت، ومنا الذي اهتز لموته العرش سعد بن معاذ، ومنا من أجيزت شهادته رجلين خزيمة بن ثابت، فقالت الخزرج: منا أربعة جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، كذا وقع في هذه الرواية والواضح أن يقولوا أبو أيوب مكان أبي زيد فإن أبا أيوب خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة أحد بني النجار وهم من الخزرج، وأما أبو زيد الجامع للقرآن فهو سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية بن ضبيعة بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن <01/21> الأوس فهو من الأوس لا من الخزرج، قال الواقدي: سعد بن عبيد بن النعمان هو أبو زيد الذي يقال له: سعد القارئ، يكنى أبا عمير بابنه عمير بن سعد، وابنه هذا هو الذي كان واليا لعمر على بعض الشام، قال: وقتل أبو زيد سعد بن عمير يوم القادسية مع سعد بن أبي وقاص، وهو ابن أربع وستين سنة وقيل: إن الجامع للقرآن أبو زيد هو ثابت بن زيد الأنصاري، نقل ذلك عن يحي بن معين، قال: أبو عمر: لا أعلم غيره، وعلى هذا القول فيكون ما رواه قتادة عن أنس موافقا لهذا القول؛ لأن ثابت بن زيد من الخزرج، لكن الأول عندي أصح ويحتمل أن يكون كلاهما جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: من الجامعين أيضا قيس بن السكن، وقالت طائفة منهم: محمد بن نمير، وقال: محمد ابن كعب جمع القرآن في زمن النبيء صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبي بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء، وكان عبادة يعلم أهل الصفة القرآن، وأما عثمان فهو من الأوس، وهو عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي يكنى أبا عمر وقيل أبا عبد الله شهد أحدا والمشاهد بعدها واستعمله عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مساحة سواد العراق واستعمله علي على البصرة فبقي عليها إلى أن قدمها طلحة والزبير مع عائشة في نوبة وقعة الجمل فأخرجوه منها ثم قدم علي إليها فكانت وقعة الجمل فلما ظفر بهم علي استعمل على البصرة عبد الله بن عباس وسكن عثمان بن حنيف بالكوفة وبقي إلى زمان معاوية.
قوله: «السور المعدودات»: أشار بذلك إلى القلة على حد قوله تعالى: {دراهم معدودة}[يوسف: 20]، والمعنى أنها لقلتها تحصر بالعد، كانت العرب تستعمل ذلك لقلة توغلهم في الأعداد ولأن الكثير عندهم موزون والقليل معدود.
قوله: «السورة والسورتين»: لعل المراد بذلك ما فوق الفاتحة؛ لأن الصلاة دونها خداج كما سيأتي، وقد أمرنا بقراءة ما تيسر من القرآن وذلك فوق الفاتحة في الصلوات المخصوصة والله أعلم.
<01/22> ما جاء في فضل {قل هو الله أحد}.
قوله: «أن رجلا سمع رجلا ... الخ»: اسم القارئ قتادة بن النعمان، قال ابن حجر: رواه ابن وهب عن أبي لهيعة عن الحارث بن يزيد عن أبي الهيثم عن أبي سعيد قال: وأما السامع فلم يسم، وقال في موضع: لعله أبو سعيد راوي الحديث؛ لأنه أخوه لأمه وكانا متجاورين وبذلك جزم ابن عبد البر فكأنه أبهم نفسه وأخاه.
قوله: «أحد»: أي: فرد في ذاته وصفاته لا يتجزأ.
قوله: «الصمد»:أي: المصمود إليه في الحوائج بمعنى، أنه لا يقصد في قضائها إلا هو، وقيل الصمد: هو الذي لا جوف له.
Shafi 17
قوله: «لم يلد ولم يولد»: قال ابن عباس: لم يلد كما ولدت مريم، ولم يولد كما ولد عيسى وعزير وهو رد على النصارى وعلى من قال عزير بن الله، وقال غيره نفى عنه الولد لأن الولد من جنس أبيه والله تعالى لا يجانسه أحد؛ لأنه واجب الوجود وغيره ممكن الوجود؛ ولأن الولد يطلب إما لإعانة والده أو لتخلفه بعده والله تعالى لا يفنى وهو غير محتاج إلى شيء من ذلك.
قوله: «ولم يكن له كفؤا أحد»: أي ليس له مكاف ومماثل، بل هو الواحد الأحد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وقد تضمنت السورة إثبات الوحدانية لله تعالى، والرد على اليهود القائلين عزير بن الله وعلى النصارى القائلين المسيح بن الله والقائلين بالتثليث منهم وعلى المشركين القائلين في الملائكة أنهم بنات الله وعلى الجاعلين لله أندادا فلهذه المزايا كانت تعدل ثلث القرآن.
قوله: «ويرددها»: يعني يردد قراءتها مرة بعد مرة.
قوله: «غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم»: وفي نسخة إلى رسول الله، والأولى أصح لأن غدا تعدى ب "على" كقوله تعالى: أن اغدوا علىا حرثكم} [القلم: 22]، والمراد أنه سار إليه أول النهار.
قوله: «فكان الرجل يتعلمها»: هذا بيان لسبب الترديد، وفي رواية البخاري: "وكان الرجل يتقالها"، بتشديد اللام وأصله يتقاللها، أي: يعتقد أنها قليلة، وفي رواية : "كأنه يقللها"، وفي رواية: "فكأنه استقلها"، والمراد استقلال العمل لا التنقيص، وعلى هذه الروايات فالمراد بالرجل السامع بخلافه على رواية المصنف، فإن المراد فيها القارئ المردد ، وعلى رواية البخاري يكون استقلالها سببا لقوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ... الخ"، ويكون سبب الترديد عنده قيام الليل، وقد أخرج الدارقطني من طريق إسحاق بن الطباع عن مالك في هذا الحديث بلفظ: "إن لي جارا يقوم بالليل فما يقرأ إلا بقل هو الله أحد".
Shafi 18
قوله: «والذي نفسي بيده»: أي: في قدرته وقبضته، ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها.
قوله: «لأنها لتعدل»: بفتح اللامين، الأولى لجواب القسم والثانية للتأكيد، ومعنى "تعدل" تساوي ثلث القرآن لما فيها من إخلاص التوحيد والرد على من خالفه، وكثير من القرآن قد جاء في ذلك، لو جمع لبلغ ثلثه، فكان جميع ما في ذلك الثلث قد جمع في هذه السورة، فكان فضلها مثل فضل ثلث القرآن ومعانيها في الاختصار والإيجاز، مثل معاني ثلث القرآن مع البسط.
Shafi 19
قوله: «عن أبي هريرة»: الدوسي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم حديثا عنه، وهو من دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن مالك بن نصر بن الأزد، وقد اختلف في اسمه اختلافا كثيرا لم يختلف في اسم آخر مثله ولا ما يقاربه، فقيل _وهو المختار عند بعض_: اسمه عبد الرحمن بن صخر، وقيل، عبد الله بن عامر، قال: الهيثم بن عدي: كان اسمه في الجاهلية عبد شمس، وفي الإسلام عبد الله، وقال ابن إسحاق: قال لي بعض أصحابنا عن أبي هريرة: كان اسمي في الجاهلية عبد شمس فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، وقد تركت أكثر الأقوال في اسمه، وإنما كني أبا هريرة لهريرة كانت معه، قال عبد الله ابن رافع: قلت: لأبي هريرة: لما اكتنيت بأبي هريرة: قال أما تفرق مني؟ قلت: بلى والله إني<01/24> لأهابك، قال: كنت أرعى غنم أهلي وكانت لي هريرة صغيرة، فكنت أضعها بالليل في شجرة فإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها، فكنوني أبا هريرة، وقيل رآه النبيء صلى الله عليه وسلم وفي كمه هرة، فقال: يا أبا هريرة، وكان من أصحاب الصفة، أسلم عام خيبر وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لزمه وواظب عليه رغبة في العلم، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله أسمع منك أشياء فلا أحفظها، قال: أبسط رداءك فبسطته، فحدث حديثا كثيرا فما نسيت شيئا حدثني به، وعن الزهري عن الأعرج قال: سمعت أبا هريرة قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد كنت رجلا مسكينا أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئا سمعه مني، فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه ثم ضممته إلي، فما نسيت شيئا سمعته بعد. قال البخاري: روى عن أبي هريرة أكثر من ثمانمائة رجل من صاحب وتابع، فمن الصحابة ابن عباس وابن عمر وجابر وأنس وواثلة بن الأسقع، واستعمله عمر على البحرين ثم عزله ثم أراده على العمل فامتنع وسكن المدينة وبها كانت وفاته، قال خليفة: توفي أبو هريرة سنة سبع وخمسين، وقال الهيثم بن عدي: توفي سنة ثمان وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، قيل مات بالعقيق وحمل إلى المدينة وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان، وكان أميرا على المدينة لعمه معاوية بن أبي سفيان.
قوله: «أقبلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم»: هذا كلام يشعر بإجابة الدعوة ويدل على ذلك قوله في أثناء الحديث: "فآثرت الغذاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وهذا المعنى يصحح ما في بعض النسخ : "فآثرت القرى"، بكسر القاف مقصورا وهو الضيافة.
قوله: «فسمع رجلا»: السامع هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسموع لم يسم، وكأنه مجهول عند أبي هريرة <01/25>أيضا.
قوله: «وجبت»: أي: ثبتت له الجنة عند الله تعالى بهذا العمل.
قوله: «فأبشره»: أي: أخبره بما قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتبشير الإخبار بما يسر في العاقبة عكس الإنذار، أما قوله: {فبشرهم بعذاب اليم}[آل عمران: 21]، فهو من المجاز الذي يراد به ضد معناه على سبيل التهكم وكذا القول في نظائرها.
قوله: «الغداء»: هو ما يؤكل وقت الغداء إلى نصف النهار ويقابله العشاء وهو ما يؤكل بالعشي.
قوله: «فآثرت»: أي: قدمت الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما في ذلك من فضل الصحبة وأخذ العلم وحصول المعاش مع ظنه بدرك الرجل فيبشره فيحوز الحالين كما يدل عليه قوله: "ثم ذهبت إلى الرجل فوجدته قد ذهب".
Shafi 21
ما جاء في سبب نزول سورة الفتح قوله: «إن عمر بن الخطاب»: بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشي العدوي، وكنيته أبو حفص، وأمه حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وقيل: حنتمة بنت هشام بن المغيرة، فعلى هذا فهي أخت أبي جهل، وعلى الأول فهي ابنة عمه، وفي ذلك الخلاف عندهم هل هي أخت أبي جهل أو ابنة عمه ؟وهو أصح. ولد بعد الفيل بثلاث عشرة سنة، وروي عن عمر أنه قال: ولدت بعد الفجار الأعظم بأربع سنين، وكان من أشرف قريش، وإليه كانت السفارة في الجاهلية، وذلك أن قريشا كانوا إذا وقع بينهم حرب، أو بينهم وبين غيرهم بعثوه <01/26> سفيرا، وإن نافرهم منافر أو فاخرهم رضوا به فبعثوه منافرا ومفاخرا. قيل: أسلم بعد أربعين رجلا وإحدى عشرة امرأة، وقيل، بعد تسعة وثلاثين رجلا وثلاث وعشرين امرأة، فكمل الرجال به أربعين رجلا، قال القاسم بن عبد الرحمن: قال عبد الله بن مسعود: كان إسلام عمر فتحا وكانت هجرته نصرا، وكانت إمارته رحمة ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي في البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا، وقال حذيفة: لما أسلم عمر كان الإسلام كالرجل المقبل لا يزداد إلا قربا، فلما قتل عمر كان الإسلام كالرجل المدبر لا يزداد إلا بعدا. شهد رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان وخيبر والفتح وحنينا وغيرها من المشاهد، وسيرته معروفة وفضائله كثيرة، ومات رضي الله عنه شهيدا وهو ابن ثلاث وستين سنة، طعنه أبو لؤلؤة، قال قتادة: طعن عمر يوم الإربعاء ومات يوم الخميس، والخبر في مقتله مشهور.
Shafi 22