الشرح: هذا الفصل يوجد على نسختين، إحداهما وهى التي اختارها جالينوس A وهى التي ذكرناها. ومعنى ذلك أن الخطأ عن الواجب المائل إلى اللطافة أعظم خطرا من المائل إلى الغلظ إذا كثر مضار الغليظ إطالة المرض بتغليظ المادة وتكثيرها، وذلك أسهل كثيرا من إسقاط القوة باستعمال اللطيف. ويصير الإشارة في قوله: "ومن قبل هذا" إلى المذكور في الفصل، أي: ولما كان ذلك في المرضى خطرا فهو في الأصحاء أولى بالخطر، لأن المرضى قواهم مشغولة بالمرض عن التصرف في الغذاء؛ ولهذا قد يبقى أحدهم مدة بغير غذاء لا يبقى الصحيح فيها. وإذا ثبت أن التدبير الألطف من الواجب أشد خطرا في المرض والصحة من الأغلظ، فلا شك أنه في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا. ويكون تعلق هذا الفصل بما قبله، لأنه كالمؤكد له؛ فإنه إذا كان التدبير اللطيف ألطف مما يجب خطرا ، فالبالغ في اللطافة إذا لم تحتمله القوة لا خفاء أنه عسر مذموم. والنسخة الثانية هكذا في B التدبير اللطيف قد تخطيء (20) المرضى على أنفسهم خطأ كثيرا فيعطم ضرره عليهم. ومعنى ذلك هو أن المرضى إذا استعمل لهم الواجب -بحسب المرض- من التدبير اللطيف فقد يخطئوا على أنفسهم بأن تحملهم الشهوة على ما هو أغلظ كثيرا وأضر مما لو كان الأطباء استعملوا لهم أغلظ من الواجب قليلا. وهذا من جملة ما قاله في أول الكتاب، وهو: "قد ينبغي لك أن لا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك" ويؤكد ذلك أنه نسب الخطأ إلى المرضى. وأما في المعنى الثاني، فالمخطئ هو الأطباء لا المرضى. ويكون تعلق هذا الفصل بما قبله أنه لما بين أن التدبير البالغ في اللطافة عسر مذموم إذا لم تحتمله قوة المريض، فبين في هذا أن ذلك مذموم أيضا، وإن احتملته قوتهم، إذا كانت الشهوة لا تحتمله، فينبغي أن لا تقتصر على مقدار احتمال القوة، بل يجب مع ذلك مراعاة الشهوة أيضا. فإن قيل: فكيف يستقيم A على هذا التفسير قوله: ومن قبل هذا صار التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطر، لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم (21) أقل. فإن هذا يقتضي أن يكون احتمال الأصحاء إذا استعملوا الأغذية الغليظة في تدبيرهم اللطيف أقل من احتمال المرضى، وذلك باطل. قلنا: يجوز أن تكون الإشارة في قوله: "ومن قبل هذا" لا تعود إلى هذا المذكور في الفصل فقط، فلا يلزم ما ذكرتموه، ويكون تقدير الكلام: ولما كان تلطيف التدبير في المرضى قد يكون رديئا. وذلك في الأمراض المزمنة، وعند عدم احتمال القوة في جميع الأمراض كما بين في الفصل المتقدم، ومع قوة الشهوة وإن احتمله المرض والقوة كما بين في الفصل، مع أن المرض ينبغي أن يقلل فيه الغذاء ويلطف لأن قواهم مشغولة عن استعمال الغذاء بالمرض، فبالأولى أن يكون التدبير البالغ في اللطافة في الأصحاء خطرا. ولم يقل التدبير اللطيف لأن التدبير اللطيف B -بحسب الأصحاء- هو مثل الأجدية والأكارع، وذلك ليس بخطر. فثبت أن التدبير البالغ في اللطافة خطر في حالتي الصحة والمرض. وكذلك قال: فلذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا. وإنما لم يقل في كل الحالات؛ لأن بعض الأمراض قد ينتفع فيها بالتدبير البالغ في اللطافة.
[aphorism]
قال أبقراط: أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية القصوى، التدبير الذي في الغاية القصوى.
[commentary]
Shafi 22