الشرح: هذا الفصل كالتتمة لما قبله، وبين فيه ما يلزم ذلك الناقه الذي يغتذي ولا يزيد بدنه شيئا، وبين أن حاله أردأ (76) من ضده وهو الذي لا يكون له شهوة في أول الأمر، ثم تنهضم فضلاته ويجلو (77) بدنه فيشتهي الطعام. إلا أنه لم يخص ذلك بالناقه بل تكلم فيما يعم ذلك وغيره، وهو جميع من حاله رديئة. والأطباء إذا قالوا: حاله. أرادوا بذلك حالة من أحوال بدن الإنسان، وهم مختلفون في ذلك، فبعضهم يجعل أحول بدن الإنسان ثلاثة: الصحة، والمرض، وحالة لا صحة ولا مرض؛ وتسمى الحالة الثالثة والحالة الوسطى. وبعضهم ينفي هذه الحالة ولا يجعل لها وجودا البتة. وتحقيق الحق في ذلك لا A يليق بكتب الطب، لكن الأطباء اتفقوا على أن أبدان الناس تنقسم إلى: أصحاء، ومرضى، ومتوسطين. وإن كان بعضهم لا يقول بالحالة الوسطى، وذلك لأن الذي ينفي هذه الحالة إنما ينفي وجود شيء ثالث متوسط بين الصحة والمرض. وأما أن شخصا ما يكون بعض أعضائه صحيحة وبعضها مريضة، فلهذا لا يمكن أحد إنكاره. ونقول: من الظاهر البين أنه لا يريد بقوله: من حالة رديئة؛ المرضى، لأن المريض إذا كان ينال من الطعام فهو محمود، وإن كان لا يزيد به بدنه؛ لأن المراد بالغذاء للمرضى ليس أن يزيد بدنهم بل أن يحفظ قوتهم فقط. فبقى أن يكون المراد من صحته رديئة؛ وذلك يعم جميع المتوسطين، ويدخل فيه الناقه وغيره. وينبغي أن تعرف هاهنا ماهية الصحة والمرض، وأقسام المتوسطين، فنقول: الصحة هيئة بدنية تكون (78) الأفعال معها سليمة، والمرض هيئة بدنية تكون (79) الأفعال معها مأووفة. وأما أقسام المتوسطين، فإن البدن يكون متوسطا، إما لأنه انتفى عنه كون الصحة في B الغاية، كبدن الناقه والطفل والشيخ، أو لأنه اجتمع فيه الصحة والمرض. وذلك إما في عضوين كبدن الأعمى، أو في عضو واحد، ولكن في جنسين من المرض، إما متباعدين: كصحيح المزاج، مريض التركيب. أو متقاربين: كصحيح الشكل، مريض المقدار. أو صحيح الكيفيتين الفاعلتين، مريض المنفعلتين. أو يكون اجتماعهما في وقتين؛ وذلك إما من الأسنان كمن شأنه أن يمرض صبيا، ويصح شابا. أو من الفصول، كمن من شأنه أن يصح شتاء، ويمرض صيفا. ولنرجع إلى بحث الفصل. قوله: إن في أكثر الحالات. يريد بالحالات هاهنا الأوقات، أي أن في أكثر الأوقات. قوله: جميع من حاله رديئة ويحظى من الطعام في أول الأمر، وليس قوله: في أول الأمر؛ في جميع النسخ، وكان حذفه أولى لأن إتيانه يقتضي تخصيص ذلك بالناقه، وكون الحكم عاما أولى؛ لأن غير الناقه ممن حاله رديئة مهما تناول من الطعام مقدار شهوته، الحالة إلى ما ذكر سواء كان ذلك في أول حدوث تلك الحالة أو أي وقت A كان. قوله: فإنه بآخره يؤول حاله إلى أن لا يحظى من الطعام. أما كون ذلك رديئا فهو دائما، وقد دللنا عليه في الفصل المتقدم. وأما أنه يؤول حاله بآخره إلى أن لا يحظى من الطعام. فوقوعه في أكثر الحالات، وذلك لأنه إذا تناول مقدار شهوته وحال بدنه رديئة، إما لأنه غير نقي من مادة رديئة، أو لأن أعضاءه غير صالحة المزاج، أو ضعيفة القوى لم تتم هضم طعامه، واجتمع على طول الأيام شيء له قدر مثقل للبدن كال عليه، صار البدن شهوته إلى الدفع أكثر منها إلى الجذب وإلى تنقيص ما عنده أكثر من الزيادة بالوارد. وأما عكس هذا وهو من يمتنع عليه في أول الأمر النيل من الطعام امتناعا شديدا، ثم يحظى منه بآخره، فإن حاله أجود. فلاشك أن هذه الحالة أجود لأنها انتقال من الرداءة إلى الصلاح، وتلك بالعكس. وأما كيف يكون هذا، فلأنه قد يكون بعض الناس حاله رديئة، وفي بدنه امتلاء من مادة رديئة ثم لا يكون له شهوة إلى الغذاء فيتركه، فتقبل (80) الطبيعة -لعدم الوارد- على ذلك الخلط B فتصلح (81) منه ما يقبل الصلاح، وتغتذي (82) به وتقوى (83) على الباقي لقلته وتدفعه فينقي (84) البدن فتنهض الشهوة.
[aphorism]
قال أبقراط: صحة الذهن في كل مرض، علامة جيدة، وكذلك الهشاشة للطعام؛ وضد ذلك علامة رديئة.
[commentary]
Shafi 101