279

[aphorism]

قال أبقراط: إذا كان البول (852) شفافا أبيض فهو رديء وخاصة في الحميات التي يكون معها ورم الدماغ.

[commentary]

قال الشرح هاهنا مبحاث سبعة.

البحث الأول

في الصلة وهو أنه لما فرغ من الكلام في قوام البول أخذ يتكلم في لونه واللون الأبيض على نوعين مشف كلون البلور والزجاج الأبيض ويخصه أنه لا يحجب ما وراءه وأن يرى ما وراءه أكثر مما هو عليه ومفرق للبصر كلون اللبن والكاغظ (853) ثم المشف منه ما ليس له لون أصلا كالنار والهواء ولذلك PageVW5P093A صارا لا يحجبان ما فوقهما من الكواكب وغيرها. ومنه ما له لون يسير كالماء ولذلك يرى ما هو فيه أكثر مما هو عليه لانعكاس البصر على سطحه ولو كان خالص الإشفاف لما حصل منه ذلك. وأيضا فإنا نرى شعاع الشمس ينعكس عن القوارير المملوءة ماء ولا ينعكس عند كونها مملوءة هواء. ولما كان حال الماء كذلك جاز إطلاق لفظة البياض عليه فيكون لون الماء مركبا من الإشفاف والبياض بمعنى أنه ليس هو مشفا خالصا ولا أبيضا خالصا كلون اللبن والكاغظ (854) فمتى كان البول كذلك فهو رديء. وأما الإشفاف فدلالته على عدم المخالط للبول المفيد له قواما ولونا ورسوبا. وذلك يدل على عدم تصرف الطبيعة في المائية أصلا. وأما البياض فدلالته على ميل الصابغ إلى جهة آخرى (855).

البحث الثاني

في تحقيق الجهة. نقول هذه الجهة لا تخلو إما أن تكون ظاهر البدن أو باطنه. فإن كان الأول فإما أن يحصل منه ورم أو لا يحصل منه ورم. فالأول كما في الأورام الصفراوية والدموية الحاصلة في ظاهر البدن. والثاني فإما أن يتحلل بالعرق ويخرج من مسام البدن وإما أن يحتبس تحت الجلد. فإن كان الأول خرجت عن البدن وسلم من نكايتها وإن كان الثاني فكما في اليرقان الأصفر. وإن كان مليها إلى الباطن فإما (856) أن تحتبس في عضو وتورمه وإما أن لا تكون كذلك. فإن كان الأول فأي عضو مالت إليه ورمته. وأكثر ما يكون ذلك في الدماغ لأنها للطافتها ميلها للأعلى تميل إليه PageVW5P093B والدماغ قابل لها لرطوبته ولين قوامه وتخلخل جرمه. ثم هذا العارض إذا عرض للدماغ فالحمى إما أن تكون قوية أو ضعيفة. فإن كانت ضعيفة وقوة الدماغ وقوته لم يحصل له شيء لأن الدماغ لم يقبل ما يرتفع إليه وإن كانت الحمى قوية وقوة الدماغ قوية دفع ما يرتفع إليه. لكن المادة ليس لها (857) من المطاوعة للدفع كما إذا كانت الحمى ضعيفة وفي مثل هذا يحصل أحد أمرين إما رعاف إن كانت المواد لطيفة لأن هذه الجهة هي أقرب المواضع إلى الدماغ وإما أورام خلف الأذنين إن كانت المواد فها غلظ فإن هذا الموضع هو مغيض الدماغ وإن كانت الحمى ضعيفة وقوة الدماغ ضعيفة استمر ما عرض للدماغ لأن المواد مستمرة في التوجه إلى الدماغ وهو ليس فيه قوة قادرة على دفع ما هو متوجه إليه. هذا إن لم تحصل معونة من الطبيب إما باستفراغ المادة وتخفيفها وإما باستعمال أغذية مقوية للقوة ومضادة لكيفية المادة. وإن كانت الحمى قوية وقوة الدماغ ضعيفة تمكن العارض فيه وآل الأمر فيه إلى الهلاك. فهذا هو التحقيق في هذا الباب. وأبقراط إنما لم يذكر هذا التفصيل لأن قوله أبدا إجمالي والتفصيل عائد إلى أن شارحه ومفسره. وإن لم يحتبس في عضو فإما أن يندفع إلى الأسافل ويخرج بالإسهال وإما أن يندفع إلى فوق ويخرج بالقيء. فلما كانت جهات الدفع كذلك قال إنه رديء وخاصة في الحميات التي معها ورم الدماغ ولم يقل إنه منذر بورم الدماغ إما أنه رديء PageVW5P094A فلما ذكرنا من عدم النضج وإما تخصيصه بالحميات فلأن الحمى من طبيعتها توجب صبغ البول فإذا لم يكن معها صبغ يدل على عدم تصرف الطبيعة فيه وذلك لا لتفاوتها إلى مقاومة أمر أهم من الحمى ثم خصص ذلك بالتي يكون معها ورم الدماغ لأن ذلك يدل على الهلاك لأن ورم الدماغ قتال وإن لم تكن المواد متوجهة إليه. والذي ظهر لنا مما ذكرنا أن بياض البول (858) ليس هو علة لورم الدماغ بل علته المواد الصابغة فيكون بياض البول (859) وورم الدماغ معلولي علة واحدة. ومما ذكرنا يعلم ضعف كلام الشيخ في القانون وهو قوله * عندما أخذ يتكلم (860) في استدلال المأخوذ من اللون الأبيض أن الأبيض بمعنى المشف دال على البرد ومؤنس (861) من النضج، فإن البول هاهنا أبيض بالمعنى المذكور وليس هو إلا على البرد. فإن قيل معنى قوله دال على البرد أي برد الكبد والمعدة. نقول وفي هذه الصورة المذكورة أي ورم الدماغ والكبد والمعدة مزاجمهما على ما ينبغي من الحرارة فلا يكون البول أبيض بمعنى المشف دالا على برد الكبد دائما. والذي يمكن أن يقال في هذا إن دلالته في الأكثر على برد الكبد والمعدة وفي الأقل على ورم الدماغ وأحكام الطب أكثرية. واعلم أن الثخين على نوعين. مشف كبياض البيض وغير مشف كأكثر الأجسام الثخينة. فالثخين المشف يشارك البول المذكور في الإشفاف أي في نفوذ البصر غير أنه يفارقه من وجوه ثلاثة. أحدها أن الثخين المشف إذا موج بالتحريك كانت أجزاؤه المتحركة PageVW5P094B كبارا يعسر قبولها للانفصال إلى أجزاء صغيرة بخلاف الرقيق فإنه لما كان قابلا للانفصال صارت أجزاؤه المتموجة صغيرة. وثانيها أن أمواج الثخين المشف بطيئة الحركة يعسر انفعالها عما يرحكها بخلاف أمواج الرقيق، فإنها سريعة الحركة لسهولة انفعاله عما يحركها. وثالثها أن المشف إذا حركته وأزبد كان زبده كثير النفاخات بطيئة الانفقاء. أما الأول فلأن أجزاءه لغلظها واتحادها يكون قابلة للتمديد فتكثر (862) النفاخات. وأما الثاني فلثخانة جرم التمدد (863) والرقيق بخلاف ذلك (864).

البحث الثالث

الحميات التي يكون معها ورم الدماغ هي فرانيطس PageVW1P123A وهو السرسام البارد وأما السرسام الحار فهو ورم حار في أحد حجابي الدماغ وفيهما جميعا وفي جرمه لمواد صفراوية أم دم لطيف. وأما الحمرة هي (865) الفلغموني فهو ورم دموي يعرض لجرم الدماغ ويتبعه من الأعراض جحوط العينين للمزاحمة وحمرتهما (866) وحمرة الوجنتين وتفريق الشؤون. وبهذا تفارق * هذه العلة للسرسام (867). وذلك لأن الدم الفاعل لهذا الورم أكثر مقدارا من الصفراء وأغلظ قواما منها. وأما صبارا فهو السرسام الحار إذا كان معه جنون وهذيان وعبث. وسببه ورم حار في أحد حجابي الدماغ أو في جرمه عن صفراء لطيفة خالصة (868). والجنون والورم ليس أحدهما سببا للآخر كما في فرانيطس. وأما ليثرغس وهو السرسام البارد ويقال له النسيان وهو ورم بلغمي يحدث في الأكثر في مجاري الدماغ دون جرمه وأغشيته لأن الأغشية لصلابتها لا ينفذ فيها المواد البلغمية وجرمه لزج لا ينفذ فيه ذلك. إذا عرفت هذا فنقول ذهب الرازي في PageVW5P095A كتابه المعروف بالفاخر إلى أن الدماغ لا يرم (869) وكذلك العظم. قال وذلك لأن حدوث الورم * موقوف على (870) التمديد فما لا يقبل التمديد لا يرم. والعظم لا يقبل التمديد لصلابته فلا يرم. وأما الدماغ فإنه للينه لا يقبل التمديد فلا يرم. وذهب الرئيس (871) إلى أنهما يرمان. قال في الفصل الخامس والعشرين (872) من كليات القانون حيث تكلم في الأمراض المركبة والورم يعرض للأعضاء اللينة وقد يعرض للعظام شيء شبيه بالورم ويغلظ له حجمها ويزداد طولها ولا يغرب (873) أن يكون القابل للزيادة بالنمو يقبلها بالفضل إذا نفذ فيه. قال الإمام فخر الدين محتجا للشيخ قول الرازي إن العظم لا يرم وكذلك الدماغ قول فاسد من وجوه خمسة. أحدها أن كل واحد منهما ينمو وذلك لا يكون إلا بالتمديد وما قبل التمديد بالمنو قبله بالورم. وثانيها (874) أن كل واحد منهما يغتذي وذلك لا يكون إلا بنفوذ جوهر الغذاء في جوهر المغتذي فتلك الأجزاء كما أنها قد تصلح فيكون منها الغذاء فيمكن أن يفسد ويكون منها الورم. وثالثها أن جوهر الدماغ وإن كان ربطا إلا أنه لزجا فبسبب لزوجته يقبل التمديد. رابعها أن العظام لو لم يقبل نفوذ الفضلات لما كانت الأسنان تخضر وتسود ونحن نراها يحصل لها ذلك فالمواد الفاسدة حينئذ ينفذ فيها فإذا نفذت فيها يجوز أن تزيد في حجمها وتورمها. وخامسها أن الأسنان خلقت قابلة للتمديد ويدل على هذا أن السن النابتة المحاذية للسن الساقطة يزداد طولها وإذا كانت قابلة للتمديد فيجوز أن يقبل ما ينفذ فيها من الفضلات وترم PageVW5P095B . وللرازي أن يجيب عن هذا الأول ويقول التمديد الحاصل للعظم والدماغ بانمو غير التمديد الحاصل لهما بالورم من جهة الفاعل والمادة ونفس التمديد. أما الفاعل فإن الفاعل للمنو الطبيعة البدنية الموكلة بتدبير البدن والفاعل للورم دفع الطبيعة للمادة المورمة أو (875) حركتها أو هي بنفسها. وأما المادة فإن مادة النمو مادة صالحة مألوفة ومادة الورم فاسدة مؤذية (876). وأما نفس التمديد فإن الزيادة في النمو في الأقطار الثلاثة على التناسب الطبيعي. والزيادة في الورم في بعض الأقطار دون بعض. وإذا كان النمو مغايرا للتمديد بهذه الأمور فلا يجوز أن يقاس أحدها على الآخر. والجواب عن الثاني أن نفوذ الغذاء في جوهر الأعضاء أمر طبيعي مألوف. وإذا كان كذلك فلا يلزم من قبول الطبيعي قبول ما ليس بطبيعي. والجواب عن الثالث قوله إن الدماغ لزج إما أن يعني باللزوجة الدسومة أو غلظ القوام مع قبول التمديد كالمخاط. فإن عني بها الأول فتلك لم تقبل التمديد حتى تتورم. وإن عني بها الثاني فهو باطل فإن التشريح قد دلنا على أن جوهر الدماغ ليس هو كذلك. والجواب عن الرابع أن سواد الأسنان واخضرارها لا تقارنه زيادة البتة. وإذا كان كذلك فليس ذلك لقبول فضل وارد عليها بل ذلك (877) لفساد مزاجها في نفسها بحيث أنها لم يحل الغذاء الوارد عليها على ما ينبغي وتغتذي به. والجواب عن الخامس ما ذكرناه في الأول أو نقول لو ورمت الأسنان (878) وحصل لها ما ذكره فلا ينبغي أن يقاس عليها العظام فإن جوهرها غير جوهر العظام ويدل PageVW5P096A على هذا العقل والنفل. أما الأول فمن وجهين أحدهما أنها (879) أقوى حسا من العظام بل الأطباء يعتقدون أن العظام عديمة الحس والأسنان لها حس. وأما الثاني فإنا إذا (880) عرضنا الأسنان للفساد فإنا نرى الفساد يسرى إلى بعضها دون بعض ويظهر هذا ظهورا بينا في أسنان الحيوانات العظيمة الجثث. وأما النقل فإن الإمام أبقراط يقول في * خامسة الفصول (881) البارد ضار للعظام والأسنان والعصب والدماغ والنخاع. وأما الحار فنافع موافق لها. فأفرد الأسنان بالذكر ميزها عن العظام. واعلم أنا إذا أنصفنا في هذه المسألة كان الحق فيها مع الرازي في أمر العظام ودون الدماغ. ولذلك لم يجزم الشيخ الرئيس بحدوث الورم فيها. بل قال يعرض لها شيء شبيه بالورم يغلظ له حجمها ويزداد طولها ولا يغرب أن يكون القابل للزيادة بالنمو يقبل الزيادة بالفضل. ومع هذا فهذا القدر الذي ذكره إنما يمشي ويصح في سن المنو لأن الأعضاء فيه تكون قابلة للنمو. وأما الدماغ فإن جرمه يرم خلافا * لما ذكره الرازي (882) حتى أنه في بعض الأوقات يتفسخ الشؤون ويتفسخ عظم القحف (883).

Shafi da ba'a sani ba