Sharhin Fusul Abuqrat
شرح فصول أبقراط
Nau'ikan
[commentary]
قال الشارح هاهنا * أربعة (1) عشر بحثا.
البحث الأول
في المني: المني رطوبة بيضاء تتولد في الهضم الرابع ولها صفات خمس: أحدها بياض اللون كما ذكرنا، وذلك لتولدها في لحم غددي؛ وثانيها لزوجة القوام، وذلك لشدة طبخه وانعقاده بالحرارة الغريزية، ولذلك صار البرد يذيبه؛ وثالثها أن فيه قوة عاقدة؛ ورابعها أن يحصل منه لذة عند جريانه على عضو مخصوص؛ وخامسها أن تكون رائحته تشبه رائحة الطلع. فهذه صفات المني. ومن هذا يعلم هل للمرأة مني أم لا، فإنه إن أريد بالمني ما اجتمعت فيه هذه الصفات فالمرأة لم يكن لها مني لأنه ليس فيه قوة عاقدة على المذهب الحق وليست رائحته كرائحة الطلع، وإن أريد * فيه (2) ما اجتمع فيه * بعض (3) هذه الصفات المذكورة كان * للمرأة (4) مني.
البحث الثاني:
هل المني يتولد في الأنثيين أو في جملة البدن وينفذ إلى جهة الأنثيين: اختلف العلماء في هذا الأمر فذهب الإمام أبقراط وشيقته إلى أن المني يتولد في الأعضاء ثم ينفذ منه إلى الأنثيين مثلا يتولد في العصب جزء وفي اللحم جزء وفي العظم جزء وكذا في كل واحد من الأعضاء ثم كل عضو يرسل قسطه إلى الأنثيين. واستدل على صحة هذا بوجوه ثلاثة: أحدها المشابهة الكلية أي أنه لو لم يرسل كل عضو قسطه إلى الأنثيين وإلا كيف وقفت المشابهة؛ وثانيها عموم اللذة في حال الجماع، وذلك لأن الأعضاء لما دفعت ما عندها من المادة المجتمعة التي هي فضلة بالنسبة إليها استراحت بدفعها وإخراجها عنها فإنه لا معنى للذة عند الجمهور إلا خروج من الحالة الغير طبيعية إلى الحالة الطبيعية؛ وثالثها مشابهة عضو ناقص لعضو ناقص من والديه أو لذي شامة. وذهب أرسطو وشيعته إلى أنه يتولد في الأنثيين فقط واستدل على صحة مذهبه بوجوه ثلاثة: أحدها أن المشابهة قد تكون بالوالدين وقد تكون بغيرهما فإنه رأي امرأة سوداء ولدت بنتا بيضاء ثم هي ولدت بنتا سوداء، وذلك بحسب استعداد المادة لقبول الصورة؛ وثانيها أن المشابهة تحصل في أعضاء لا ينفصل منها شيء، وذلك مثل الشعر والظفر؛ وثالثها أن الشيء يتولد من غير جنسه فإن الذباب يتولد من دود ويتولد من زبل الخيل. وأما ما ذكره * الإمام (5) أبقراط من أمر المشابهة فسببه إعداد المغيرة الأولى لتمام الخلقة. وأما عموم اللذة فسببه سيلان المني وخروجه من أوعيته مع دغدغة فتحصل اللذة ثم لقوتها يحصل منه العموم * لجملة (6) البدن. وأما أمر المشابهة ففيه نظر فإنه لو كان * الأمر (7) كذلك للزم أن الأعمى يلد * له (8) ولدا أعمى ومقطوع اليد أو الرجل كذلك والوجود بخلافه. ولنا في هذه المسألة كلام طويل قد ذكرناه في شرحنا * لكليات (9) القانون. والحق في هذا المقام مع أرسطو وشيعته.
البحث الثالث:
هل للمرأة مني كما للرجل؟ هذا الأمر فيه خلاف بين أرسطو وجالينوس فإن أرسطو ينكره وجالينوس PageVW5P164A يثبته. وقد طال الكلام بينهما في هذه المسألة، ونحن قد حررناه في شرح كليات القانون. والذي يليق ذكره منها في هذا الموضع أن أرسطو لم * ير (10) له دليلا في هذا الباب بل قال إن لها دم الطمث فقط. وأما جالينوس فقد ذكر في هذا وجوه ثلاثة: أحدها أنه وجد وعاء المني في بعض النساء التي شرح أرحامهن * فيه (11) رطوبة منوية، قال، إلا أنه أرطب من مني الذكر؛ وثانيها أن النساء يحتملن ويرقن منيا ويلتذذن به؛ وثالثها أنه كان * ببعض (12) * النساء (13) اختناق الرحم لطول غروبتها ثم استفرغت منيا كثيرا وحصل لها من ذلك لذة عظيمة كلذة الجماع وصحت مما بها. واعلم أن الخلاف المذكور في هذه المسألة خلاف لفظي فإنه إن أريد * بالمني (14) على ما * عرفت (15) ما اجتمعت فيه الصفات المذكورة لم يجز أن تسمى تلك الرطوبة منيا، وإن أريد به ما حصل بعضها فيه جاز تسميته بالمني.
البحث الرابع:
هل كل واحد من * المنيين (16) يصير جزءا من بدن الجنين؟ هذا الأمر قد وقع فيه خلاف بين الفلاسفة وأئمة الطب ادعى الفاضل جالينوس أن أرسطو يرى أن مني الرجل لا يكون جرءا من الجنين. وقال الشيخ في حيوان الشفاء إن هذا ليس هو رأي أرسطو بل رأيه أن المني يخالط رطوبة المرأة على أنه فاعل لا على أنه مادة * فيجري (17) مع المادة التي للأناث كالمبدأ المحرك وتكون فيه الروح. وجالينوس يرى أنه يصير جزءا منه واستدل على ذلك بوجهين: أحدهما أن الرحم مشتاق بالطبع إلى المني والمشتاق إلى الشيء كيف يضيعه فالرحم لا يضيعه واستدل على صحة الصغرى بأمر وهو أن للمرأة التي لم يجب أن تحبل لما غرمت على إزلاق * المني (18) احتاجت إلى طفر شديد إلى خلف حتى أزلقت * المني (19) ، وأيضا فإن المجامع والمجامعة متى كانا بعيدي العهد بذلك احتبس المجامع كان شيئا يجذب إحليله إلى داخل ويمصه مصا بالغا؛ ثانيهما أن باطن الرحم خلق خشنا لئلا ينزلق المني حتى يحفظه ويمنعه من السيلان بخشونته. هذا ما ذكره المذكور في هذا المطلب. قال الشيخ في حيوان الشفاء: نحن نتعجب من جالينوس مع دعواه في جودة تصرفه في المنطق كيف قنعت نفسه في هذا المطلب بمثل هذه الحجج السخيفة. أما الوجه الأول فإنه يجوز أن يجذب شيء لشيء لشوق طبيعي إليه ثم إذا زالت تلط الحاجة زال ذلك الاشتياق PageVW1P097B وتبدل الجذب بالدفع، وذلك كاشتياق الكبد والعروق إلى المائية عند الحاجة إليها لأجل التنفيذ ثم إذا حصل النفوذ لا يبقى ذلك الجذب بل يتبدل بالدفع، وإذا كان الأمر كذلك فيجوز أن الرحم يشتاق إلى المني ليؤثر في دم الطمث تأثيرا يستعد به لقبول النفس الإنسانية ثم أنه يستغنى عنه بعد ذلك ويدفعه أو يتخلى هو عن مسكه وينحل هو بنفسه. وأما خشونة باطن الرحم فهذا مما لا ينازع فيه أحد، وذلك ليتعلق المني به لأجل الحاجة إليه لما ذكرنا لا إلى ما ادعاه جالينوس، وفي الحقيقة ما ذكره جالينوس لا يفيد مطلوبه فإن مطلوبه أن يبين أن مني الذكر يصير جزءا من بدن الجنين وما ذكره خال من * ذلك (20) . وأما ابن سينا فقد اضطرب كلامه في هذا الباب لأنه يقول في حيوان الشفاء إن مني الرجل يتحلل في أجزاء المتكون لأنها تنمي وتعظم بمادة المرأة والمنمى والمعظم لها مني الرجل غير أنه لا يبلغ أن يصير عضوا متصلا بل هو ينبت في خلل تلك المادة ويتم بالمجموع انعقاد الجنين. وقال بعد ذلك في المكان المذكور إن مني الرجل لا يصير جزءا من الأعضاء بل هو مبدأ روحي نافذ فيها يفعل في الأعضاء. فإذا وقع في الرحم قوم نطفة الأنثى وحركتها فالجسد من الأنثى والروح النفساني من الذكر. وقال في القانون إن مني الذكر يقوم للجنين مقام الأنفخة للجنين، ومني الأنثى يقوم له مقام اللبن للجنين. قال: وكما أن مبدأ العقد من الأنفخة كذلك مبدأ عقد الصورة من مني الذكر، ومبدأ الانعقاد من اللبن، كذلك مبدأ الانعقاد من مني المرأة. وكما أن كل واحد من اللبن والأنفخة جزء من جوهر الجنين الحادث عنهما، كذلك كل واحد من المنيين جزء من بدن الجنين الحادث * عنهما (21) * (22) . فهذا ما قيل في هذا المطلوب. والحق عندي أنه يصير جزءا من بدن الجنين، وذلك لأنه إذا ثبت أنه مبدأ العقد والتحريك وهو في نفسه جسم كيف يتصور أنه يقال إنه لا يصير جزءا من المنعقد * والمتحرك (23) .
Shafi da ba'a sani ba