Sharhin Fusul Abuqrat
شرح فصول أبقراط
Nau'ikan
البحث الثالث:
الوارد على البدن الإنساني مما يؤكل ويشرب * إما أن يفعل في البدن بمادته وإما أن يفعل فيه بصورته وإما أن يفعل فيه بكيفيته لأن ما يؤكل ويشرب (1675) جسم وكل جسم فله مادة وصورة، ثم المادة * تلزمها (1676) أعراض والصورة أيضا * تلزمها أيضا (1677) أعراض. فاللازم للمادة أعراض انفعالية كالرطوبة واليبوسة، وللصورة أعراض فعلية كالحرارة والبرودة. فلذلك صارت الأجسام الواردة على أبدننا * موصوفة (1678) بالكيفيات المذكورة فالفاعل بمادته هو الذي إذا ورد على أبداننا استحال عن طباعه وقبل صورة العضو الوارد دعليه. وهذا هو الغذاء المطلق فإنه من شأنه ذلك. فإن قيل: إن هذا القدر الحاصل منه انفعال لا فعل، فنقول: الغذاء لما قبل صورة العضو سمي * ذلك (1679) منه انفعالا. ولما أخلف عليه عوض ما تحلل منه وزاده في جوهره بالنمو سمي * ذلك (1680) منه فعلا، وهو حق. والفاعل بصورته النوعية كالمفرحية في الخمر والسمية في البيش والمقاومة للسموس في الترياق. فإن الأثر PageVW1P061A الصادر عن هذه ليس هو حادثا عن المزاج ولا عن الكيفيات التي هي مبدأ المزاج وهي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة. بل هي حادثة عن المزاج بإعداد المزاج كالقوة الجاذبة للحاديد في المغناطيس واللتبن في * الكهربا (1681) والمفرحية في الخمر وكالقوة المقاومة للسموم في الترياق. فإن هذه لو كانت لمزاجه لم ينفع من السموم الحارة، بل من الباردة فقط. فهذه القوة تحدث في المركب تبعا لاستعداده بمزاجه عن واهب الصور بفيضان ذلك عنه لجوده واختصاص المركب به لاستعداده. فالسقمونيا مثلا يسخن البدن بما فيها من الجوهر الناري ويسهل الصفراء بالقوة المستفادة لها بإعداد المزاج وهذا الأمر المستفاد بالمزاج قد يكون لونا * كالسواد (1682) الحاصل للماء لمطبوخ فيه * الزاج والعفص (1683) وكاختلاف لون الورقة الواحدة من الورد. وقد يكون رائحة كما في الماء فوة الورد وغيره. وقد يكون نفسا كما في الأجسام النامية وقد يكون * قوى (1684) أخرى كالقوة الجاذبة * للحديد (1685) في المغناطيس والجاذبة للتبن في الكهربا والمقاومة للصرع في * الفاوانيا (1686) ، ثم هذه قد تكون مصلحة للبدن وقد تكون مفسدة. فالمفسدة * كالقوة (1687) التي في البيش. والمصلحة على نوعين قد تتشبه بالبدن وقد لا تتشبه به. فالأولى مثل المفرحية في الخمر فإنه عندما يستعمل يستحيل عن طباعه ويتشبه بالبدن. ولذلك صار شاربه يحس يفرح وبسرور عظيم ونشاط قوي * ووفور (1688) قوة بعد شربه ووفراغه منه. * والثانية (1689) مثل القوة الكائنة في * الفاوانيا (1690) وفي الترياق والفاعل بكيفيته مثل الدواء المسخن والمبرد ومرطب والمجفف. فإن الأثر الصادر عن هذه منسوب إلى الكيفيات المذكورة * وأمثال (1691) هذه تفعل في البدن * مع بقاء صورتها النوعية (1692) فتكون مشاركة الفعل لما يفعل بصورته النوعية الغير متشبهة بالبدن. وبيانه مما ذكرنا أي أن هذا النوع يفعل في * البدن (1693) بمزاجه والأول * ما (1694) يتبع مزاجه والتابع غير المتبوع.
البحث الرابع:
قال الشيخ الرئيس في الفصل الخامس عشر من التعليم الثاني PageVW5P107A من الفن الثاني من كليات القانون: والفاعل بكيفيته هو الذي من شأنه أن يتسخن إذا حصل في البدن الإنساني * ويتبرد (1695) فيسخن بسخونته ويبرد ببرودته من غير أن يتسببه به. وهذا كلام يفهم منه أن مبدأ التأثير الصادر عن الدواء مستفاد من البدن لكن ليس في البدن برودة غريزية ينقدح منها برد في الأدوية الباردة حتى يصح أن يقال * فيتبرد ويبرد (1696) ببرده. وقال حنين: عندما تكلم في أجناس الأدوية وبين أنها أربعة، * قال إن منها (1697) ما يغير البدن ولا يغيره البدن. وهذه الأشياء تقتل إما بما لها من الحرارة * مثل سم (1698) الأفاعي وإما بما لها من البرودة مثل الأفيون. وهذا الكلام يفهم منه أن الأفيون لا يفعل فيه البدن البتة لا بمنعى القدح ولا غيره لأنه هرب من شيء وهو أنه لما علم أن الفاعل في الأدوية المخرج لتأثيرها إلى الفعل حرارة محيئة تسمي حرارة غريزية والفاعل في الشيء لا بد * أن (1699) يفيده أثرا مناسبا له. فلو فعلت الحرارة في الأفيون لنقلته من البرودة إلى الحرارة وهذا القدر يوجب أن * لا (1700) يكون * للأطباء (1701) دواء * يبرد (1702) البتة. وأما حكمه في سم الأفاعي بذلك * إما (1703) لأنه جزء حيوان فتكون حرارته بالفعل * وإما لأنه (1704) لما كان كذلك كانت حرارته * قريبة (1705) من الفعل فلم يحتج إلى تأثير قوي بل أدنى ملاقاة تفعل فيه، فنسب هذا الفعل اليسير إلى عدم الفعل. وأما الفاضل جالينوس فقد اضطرب كلامه في هذا الباب في أول كتابه في الأدوية المفردة فتارة يقول إن الأدوية المبردة ليست تقبل مبدأ التأثير من البدن لكنها تقبل من البدن الانقسام إلى أجزاء صغيرة يسهل بها النفوذ إلى القلب وتارة يقول إن جميع ما يبرد البدن فإنه يسخنه غير أنه متى كانت سخونته أقوى من حرارة البدن فإنه يسمى حارا ومتى * كانت (1706) مساوية للبدن فإنه يسمى معتدلا ومتى * كانت (1707) أنقص مما له فإنه يسمى باردا. وهذا النقل يفهم منه أن جميع الأدوية المبردة للبدن تقبل مبدأ التأثير من البدن ويرد عليه * ما (1708) ذكرنا في الأفيون. وأما الوجه الأول فنقول: وعند انقسامها إلى أجزاء صغار فبأي وجه يفعل في البدن؟ وبالجملة هذا الكلام جميعه من جالينوس والشيخ وغيرهما فيه نظر. وهو أن الفلاسفة لما رأوا أن الماء المسخن بالنار قد استفاد كيفية لم تكن له وهي الحرارة قالوا: لا شك أنه حار، ثم بعد ذلك اختلفوا في سبب سخونته. فقال قوم منهم أنه بالكمون وهو أن في الماء البارد أجزاء حارة كامنة غير أنها مقهورة بضدها التي هي البرودة. فإذا جاورته النار قويت أجزاؤها الحارة المقهورة وظهرت واستولت على ضدها وحينئذ يحس منها بفضل حرارة. وقال قوم منهم بالورود وهو أن النار عندما جاورت الماء نفذ منها فيه * أجزاء (1709) نارية فسخنته * وأحس (1710) من المجموع بفضل حرارة. * وقال قوم منهم بالانقلاب وهو أن النار عندما جاورت الماء (1711) قلبت بعض أجزائه المائية نارا ثم أنها خالطت ما بقي منه وأحس من المجموع بفضل حرارة. وقال قوم منهم إن النار إذا جاورته غيرت كيفياته مع بقاء صورته النوعية وهو قول PageVW5P107B بالاستحالة وهو المختار في الفلسفة. وقد أبطلت المذاهب الأخر غير أنه لا يليق ذكر ذلك في هذا الكتاب. * فإذا (1712) عرفت هذا فنقول: الدواء المسخن بالقوة إذا ورد * على (1713) أبداننا وأثر فيها فتأثيره فيها إما PageVW1P061B أن يكون بمعنى ظهور * الكامن (1714) وهذا باطل. أما * أولا (1715) فإن هذا القدر قد أبطل في الحكمة. وأما ثانيا فيلزم أن لا يكون لنا دواء مبرد لأنه ليس في البدن برودة غريزية تفعل في المبردات بحيث أنها تخرج الأجزاء الباردة الكامنة فيها وتستولى على ضدها لأن الفاعل في جميع ما يرد على أبداننا الحرارة الغريزية وقد عرفتها. ولو صح ذلك لم يكن لنا دواء بارد البتة والتجارب الطبية تشهد ببطلانه. وإما أن يكون بمعنى الوارد وهو المشهور عند الأطباء بالقدح * وهذا (1716) باطل أيضا. أما أولا فلأنه قد أبطل في الفلسفة. وأما ثانيا * فلأنه يلزم (1717) أن لا * يكون لنا (1718) دواء مبرد لأنه ليس في أبداننا * برودة ينقدح منها برد في الأدوية المبردة الواردة على أبدننا (1719) لأن الفاعل في كل ما يرد على أبداننا الحرارة الغريزية. ولو صح ذلك لم يكن لنا دواء * مبرد (1720) البتة. * وإما أن يكون بمعنى الانقلاب وهذا باطل أيضا. أما أولا فقد أبطل في الفلسفة. وأما ثانيا فيلزم أن لا يكون لنا دواء مبرد (1721) البتة لأنه ليس في أبداننا برودة غريزية تقلب بعض أجزاء الدواء إلى البرودة. ولو كان كذلك * للزم (1722) أن لا يكون لنا دواء مبرد البتة لما ذكرنا. وإما أن * يكون (1723) بمعنى * الأحالة (1724) وهو المختار في الفلسفة في تسخين الماء. لكن هذا القدر لا يمشي في الأدوية الواردة على أبداننا. وذلك لأن المحيل للشيء لا بد وأن يفعل في المستحيل أثرا مناسبا له لا سيما متى كان المحيل في غاية القوة بالنسبة إلى المستحيل ومحله جسم كبير وليس في أبداننا برودة غريزية تفعل في الأدوية المبردة ذلك بل المحيل لما يرد على أبدننا حرارة سماوية تسمي غريزية. ولو صح ذلك لم يكن لنا دواء مبرد البتة. فثبت بهذا فساد قول الشيخ وهو قوله والفاعل بكيفية هو الذي من شأنه إذا ورد إلى البدن الإنساني * إما (1725) أن يتسخن بسخونته أو يتبرد ببرودته من غير أن يتشبه به، وفساد قول الفاضل جالينوس. وأما حنين فإنه لم يجزم بشيء في الأفيون لكنه * ما تكلم (1726) عندما تكلم فيما بعد كلامه المذكور قال إن المبردات تؤثر * فيها الحرارة الغريزية (1727) بمعنى أنها تقسمها إلى أجزاء * صغار (1728) وهو قول جالينوس * في بعض نقوله (1729) . * فنقول (1730) لهما: انقسمت الأدوية المبردة ووصلت إلى القلب وأثرت فيه، فهل خروج تأثيرها إلى الفعل بمعنى الكمون أو بمعنى الورود أو بمعنى الانقلاب أو بمعنى الاستحالة وهذه جميعها قد أبطلناها. والذي ثبت عندي في هذا الباب وتحققته أن فعل الدواء في البدن بالخاصية * فهذا يبرد بخاصيته والآخر يسخن بخاصيته (1731) غير أن وروده على البدن الإنساني شرط في ظهور * عمله وفعله (1732) . وإلا كيف صار الدرهم من الأفيون يبلغ من تخديره للبدن وتبريده أياه إلى أن يطفئ حرارته الغريزية وتخمدها مع كونه مركبا من الأركان الأربعة وفيه جزء ناري وأضعاف أضعافه من الماء لا يفعل ذلك مع بساطته وخلوه من الأجزاء * النارية (1733) ودرهم من الأفربيون أو من غيره من الأدوية القوية التسخين يسخن البدن تسخينا لم يسخنه أضعافه من النار مع كونه مركبا من الأركان الأربعة وفيه جزء مائي والنار بسيطة.
البحث الخامس:
قال علاء الدين ابن النفيس في شرحه لكليات القانون قولا ربما يظنه الظان أنه يصلح أن يكون جوابا عن هذا PageVW5P108A الإيراد، وهو أن الأدوية المركبة لا شك أنها مركبة من العناصر الأربعة غير أنها * ليست (1734) فيها متساوية. بل البعض منها النار مستولية عليه والبعض منها الماء * مستول (1735) عليه * وكذلك (1736) الكلام في الأرض والهواء. وبالجملة * ومع هذا جميعه (1737) كيفياتها حاصلة بالفعل غير أن الهواء * لما (1738) كان محيطا بها وبنا أحال كيفياتها وكيفياتنا إلى ما يناسبه فتكون الأجسام جميعها مقاربة الكيفية لكيفية ظاهر البدن، والحرارة الغريزية من شأنها أن تعيد الأجسام إلى طباعها وتبطل عنها المكيفية الغريبة المكتسبة التي استفادتها من الهواء الخارجي. وحينئذ يظهر في بعضها قوة النار وفي بعضها قوة الماء وفي بعضها قوة الأرض * وفي بعضها قوة الهواء (1739) فيسخن هذا ويبرد هذا ويرطب هذا ويجفف هذا. ثم أنه إذا أورد على نفسه إيردات أربعة أحدها أنه لو كان الأمر كذلك لكان الماء لكان المشروب يجمد في البدن الإنسان لأن طبيعة الماء يقتضي الجمود. وثانيها لو كان كذلك لكان تبريد الماء أشد من تبريده ألافيون لأن المائية التي فيه التي يكون * بها التبريد (1740) تخالطها أجزاء نارية وهوائية وهما مسخنان. وثالثهما إذا كان الهواء الخارجي مع ضعف حرارته قد يسخن الأفيون حتى يبلغ إلى حد لا * يبلغ الإحساس منه بتبريده (1741) . وباطن البدن لا شك أنه أسخن من الهواء الخارجي لا بمحالة لوجب أن يكون الأفيون والكافور وغيرهما إذا * ورد (1742) البدن أن يزداد سخونة، * والوجود (1743) بخلافه. ورابعها * أنه (1744) لو كان كذلك لكنا إذا * تقيأنا (1745) الكافور ولمسناه قبل أن يفعل فيه الهواء الخارجي نجده أبرد من الجمد بكثير، وليس كذلك. ثم أجاب عن الأول فقال أنا لا نلتزم بأن الحرارة الغريزية ترد جميع الأجسام إلى طباعها بل يجوز أن يكون فعلها ذلك في البعض دون البعض. وعن الثاني أن فعل الحرارة المذكورة إنما هو في المركبات، والماء لما كان * جوهرا (1746) بسبطا لم تفعل الحرارة الغريزية فيه شيئا. وعن الثالث أن باطن * البدن (1747) وإن كان أسخن من الهواء الخارجي لكن الحرارة الغريزية التي في باطن البدن تبطل تسخينه وتقوي على رد ذلك الجسم إلى طبعه PageVW1P062A ، وعند ذلك يبرد الجزء المائي الموجود في الكافور للبدن تبريدا قويا. فإن برد الماء نظير لحر النار وكما أن الجزء اليسير من النار يسخن البدن تسخينا قويا كذلك الجزء اليسير من * الماء (1748) يبرده تبريدا قويا. وعن الرابع أن الفعل الصادر عن الكافور لا يلزم أن يظهر منه * عند (1749) كونه في المعدة بل بعد انحداره عن المعدة وهو في مثل هذا الوقت لا يمكن خروجه بالقيء. هذا * ما (1750) قاله هذا * الفاضل (1751) بلفظه. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أنه ذهب عليه تفسير الحار والبارد بالفعل وبالقوة. فإن المسمى بالفعل هو أن يكون ما يوصف به الدواء يدرك بحاسة اللمس والمسمي بالقوة ما لا يكون كذلك. قوله إن الهواء هو الساتر لكيفيات الأدوية على ما ذكره والحرارة الغريزية هي الكاشفة لذلك والمظهرة لما يوصف به الدواء. * نقول (1752) نحن: لا نعني بالقوة إلا ما لا يكون مدركا بحاسة اللمس سواء كان المانع لإدراكها له الهواء الخارجي أو غيره، ثم أنه إذا ورد على البدن وفعلت فيه قواه PageVW5P108B والحرارة الغريزية * ظهر (1753) ما كان يوصف به للحاسة المذكورة وحينئذ يصير بالفعل. فعبر عن التأثير المذكور بالكشف وهو حق، فإنها كشفت أمره بمعنى أنها أظهرت تأثيره الذي كان خفيا عند الحاسة المذكورة. ومثل هذا لا يليق الكلام فيه لأنه * مشاجة (1754) في الأسماء. فإنه عبر عن فعل الطبيعة فيه بالكشف. وعند هذا نقول له كشفها له هل هو بمعنى إظهار الكامن أو * بغيره (1755) من المعاني المذكورة وقد تكلمنا على كل اواحد منها وبينا فساد الجميع؟ سلمنا أن كيفيات الأدوية على ما ذكره، لكن كيف يتصور أن يكون تبريد الجزء والمائي الكائن في الأفيون أقوى من تبريد الماء المفرد الخالي من الأجزاء النارية؟ فإن الواحد منا لو تناول أوقيتين من الماء أو من الثلج أو من الجمد لم ينله منها سوء. ولو تناول خمسة دراهم من الأفيون * لانطفأت (1756) حرارته الغريزية وخمدت من ساعته ومات مع وجود الأجزاء * النارية (1757) فيه، فلو لم يفعل هذا الفعل بخاصية فيه. وإلا كيف كان يتصور منه هذا الأثر؟ وعند هذا لم يتكلم معه في البحوث التي أوردها على نفسه لأنه بنى أحكامها وأحكام أجوبتها على ما أصله، وقد عرفت فساده.
البحث السادس:
قال الأطباء: الفاعل بالكيفية فالحار والبارد منه لكل واحد منهما أربع مراتب كل مرتبة تسمى درجة. نقول: * وصارت (1758) الدراجات * أربعا (1759) لأن الوارد * منها (1760) على البدن الإنساني لا يخلو إما أن تؤثر فيه كيفية زائدة عما له أو لا يؤرث ذلك. فإن لم يؤرث فهو المعتدل. وإن أثر فيه فلا يخلو إما أن يظهر أثره * أو لا يظهر أثره. فإن لم يظهر أثره (1761) * هو (1762) الحار في الأولى. وإن ظهر فلا يخلو إما إن * يبلغ إلى أن (1763) يضر بالأفعال أو لا * يبلغ (1764) . فإن لم يبلغ فهو في الثانية. وإن بلغ فلا يخلو إما أن يهلك البدن ويفسده أو لا يكون * كذلك (1765) . فإن لم * يكن (1766) فهو في الثالثة. وإن كان فهو في الرابعة. وهذا الحصر موقوف على مقدمات منها أن يكون البدن الممتحن فيه بدنا معتدلا وأن يكون الدواء المشار إليه مأخوذ من إقليم معتدل وأن يكون معتدلا في نوعه. وبالجملة قد ذكرنا تلك * المقدمات (1767) في شرحنا لكليات القانون فمن أراد * الاضطلاع (1768) على ذلك فعليه بذلك الكتاب. لكن لقائل أن يقول: الكلام المذكور في الدراجات فيه نظر من وجهين. أحدهما من جهة العقل والثاني من جهة النقل. أما العقلي فهو أن يقال: الحار في الثانية * مثلا (1769) إذا ورد على البدن الإنساني وأثر فيه فلا يخلو إما أن يكون لتأثيره مقدار * معين (1770) أو لا يعتبر ذلك فيه. * فإن (1771) كان الثاني فيكون أي مقدار أخذ منه كان * مسخنا (1772) في الثانية. ويلزم من هذا أن يكون القنطار من البصل يسخن البدن كتسخين الدرهم منه، وذلك محال. وإن كان لتأثيره مقدار معين فيلزم أن يكون ذلك المقدار متى تغير تغير الفعل. * وإذا (1773) ضوعف تعدا الدرجة التي هو فيها إلى الدرجة * التي (1774) فوقها، ثم إذا ضوعف مرة ثانية، صار في التي قوتها ومتى نقص مقدار الأول صار في التي تحتها. فيكون الدواء الواحد * حارا (1775) في الأربع درجات وهذا محال. وأما النقلي * قال (1776) الشيخ الرئيس في الفصل الرابع من المقالة الأولى من الفن الرابع من طبيعيات الشفاء: كمية الشيء كلما ازدادت ازدادت كيفيته. فإن الحديد المحمى في النار PageVW5P109A القليلة والكثيرة وإن كان السطح المماس منه للنار الكثيرة هو مثل السطح المماس * منه للنار القليلة (1777) غير أن النار * الكثيرة تحميه في زمان غير محسوس والقليلة في زمان محسوس. وكذلك الشيء المملوح (1778) في ملح قليل فإنه لا يتملح تمليحه في الملاحة. فظهر مما ذكرنا أن كيفية الأعظم أشد من كيفية الأصغر. والجواب عن هذا الإيراد أن الدواء الموصوف بدرجة معينة فيه من الأجزاء الحارة أو الباردة عدد معلوم لم يزدد عددها بزيادة مقداره ولا ينقص * بنقصانه (1779) . فقول المعترض * إن (1780) الدواء الموصوف بالثانية إما أن PageVW1P062B يكون * قد عين (1781) له مقدار معين * أو لا يكون نقول قد عين له مقدار (1782) وهو الذي إذا ورد على البدن المعتدل أثر فيه تأثيرا محسوسا غير مضر بالفعل. قوله فيلزم أنه متى ضوعف تعدا درجته ثم إذا ضوعف مرة أخرى تعدا الأخرى. نقول: متى زاد مقداره زاد مقدار المجموع لا عدد الأجزاء الحارة، ويكون تأثيره في مثل هذا الوقت لكثرة المقدار أو لتكرار استعماله لا لكثرة الأجزاء الحارة فيه. وفي الصورة المذكورة لم يخرج عن كونه حارا في الثانية بخلاف المسخن في الثالثة. فإنه متى أخذ منه مقدارا * مساويا (1783) لما هو مسخن في الثانية فإنه يكون قوي التأثير * جدا بل لعله يكون متساويا لتأثيره (1784) إذا كرر استعماله أو وفر مقدار. وليس * لهذا (1785) علة سوى أن الأجزاء الحارة في المسخن في الثالثة أكثر عددا منها في الثانية. فالحاصل أن الأجزاء الحارة في الثانية لم يزداد عددها بتوفر مقداره ولا ينقص بنقصانه وعند ذلك لم يخرج عن كونه حارا في الثانية. فهذا حاصل الجواب عن الاعتراض المذكور. وأما عدد الأجزاء الحارة والباردة في كل درجة من درجات * الدواء (1786) الحار والبارد والرطب واليابس فقد أوضحناها في شرحنا لكليات القانون وبينا مذاهب الأطباء فيها * وأظهرت الحق فيها (1787) .
البحث السابع
في ذكر إشارة خفية إلى الأجزاء المذكورة. نقول: الدواء المعتدل فيه * أربعة (1788) أجزاء حارة وباردة ورطبة ويابسة كل منها مساو لمقابله. * والحار (1789) في الأولى فيه جزء * آحر حار (1790) زائد على الجزء الأول. والحار في الثانية فيه جزآن حاران زائدان على الجزء المذكور. والحار في الثالثة فيه ثلاثة أجزاء حارة. والحار في الرابعة فيه أربعة أربعة أجزاء حارة كل ذلك زائد على الجزء المذكور. فيكون نسبة الجزء البارد إلى الأجزاء الحارة في الحار في الأولى نسبة النصف وإلى الثانية نسبة الثلث وإلى الثالثة نسبة الربع وإلى الرابعة نسبة الخمس. هذا على مذهب القاضي أبي الوليد بن رشد PageVW5P109B . وأما الكندي فإنه يرى أن المعتدل فيه الأجزاء الأربعة متساوية على ما ذكرنا. والحار في الأولى * فيه (1791) جزآن حاران وجزء واحد بارد والحار في الثانية فيه أربعة أجزاء حارة وجزء واحد بارد والحار في الثالثة فيه ثمانية أجزاء حارة وجزء واحد بارد والحار في الرابعة فيه ستة عشر جزءا حارة وجزء واحد بارد لأنه يرى أن الزيادة في الأجزاء المذكورة زيادة الضعف، والأول يرى زيادة المثل. فيكون على هذا التقدير نسبة البارد إلى الحار في الدرجة الأولى نسبة النصف وفي الثانية نسبة الربع في الثالثة نسبة الثمن وفي الرابعة نسبة نصف الثمن. وأما بيان الحق * من (1792) هذين المذهبين وفساد الفاسد واحتجاج كل واحد من القائلين بأحد القولين المذكورين على صحة ما ذهب إليه * فقد (1793) اتسوعبنا القول فيه في شرحنا لكليات القانون. ومما ذكرناه من المذهبين المذكورين تعرف درجة مزاج المركب، وهو أننا ننظر في المركب ونعد مفراداته الحارة والبارده ونجمع درجات كل واحد من المزاجين * وكذا (1794) نفعل بالرطبة واليابسة ونقيس أحدهما على الآخر، وننظر في نسبة لأقل إلى الأكثر من الحارة والباردة والرطبة واليابسة، ولنفرض أن الأقل هي الدرجات البارجة والأكثر هي الدرجات الحارة. فإن كانت نسبة الباردة إلى الحارة نسبة النصف فهو الحار في الأولى. وإن كانت نسبة الثلث فهو * الحار (1795) في الثانية. وإن * كانت (1796) نسبة الربع فهو الحار في الثلاثة. وإن * كان (1797) نسبته الخمس فهو الحار في الرابعة. * هذا (1798) على مذهب ابن رشد. وأما على مذهب الكندي فقد عرفت ذلك مما ذكرنا في النسبة التي ذهب إليها.
Shafi da ba'a sani ba